تونس – «القدس العربي»: قال المؤرخ والمحلل السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي، إن المعارضة التونسية لا تمتلك برامجاً لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، كما اعتبر أنها عاجزة عن تحريك الشارع الذي لم يعد يثق بالطبقة السياسية في البلاد، مؤكداً أن نظام الرئيس قيس سعيد يستمد قوته من تشتتها.
وقال في حوار خاص مع «القدس العربي»: «الأزمة السياسية في تونس ليست جديدة، فنحن نعيشها منذ الثورة وصولاً إلى 25 تموز/يوليو 2021، وهذه الأزمة تسببت بها النخبة السياسية، سواء التي قادت عملية الانتقال الديموقراطي أو التي ساهمت فيها، أي أن السلوك السياسي غير السوي للسلطة والمعارضة والصراعات ذات الطابع السياسي والأيديولوجي والشخصي بين النخبة السياسية الطارئة التي عرقلت نجاح التجربة الديموقراطية هي التي أوصلت البلاد إلى الوضعية الحالية».
واعتبر أن الحوار الوطني ضروري جداً للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه اعتبر أن مقوماته وأسسه غير موجودة، و»المشكلة الكبيرة هي مَن سيتحاور مع مَن؟ ففي أي حوار يفترض وجود طرفين أساسيين، وفي الحالة التونسية هما السلطة الحاكمة والمعارضة. ولكن المعارضة مشتتة وغير قابلة على اللقاء في الحد الأدنى من أجل طرح برنامج للتغيير».
الخريطة الحزبية هشّة
وفي السياق ذاته، اعتبر الحناشي أن الخريطة الحزبية في تونس «هشة جداً، إذ لا يوجد امتداد جغرافي أو اجتماعي للأحزاب الحالية، فباستثناء عدد قليل من الأحزاب على غرار النهضة والعمال وأحزاب قليلة محدودة الانتشار، يمكن القول إن تونس تعاني من ظاهرة «الأحزاب الانتخابية» أي التي يتم تشكيلها لخوض الانتخابات قبل أن تندثر لاحقاً، على غرار نداء تونس وقلب تونس». بالإضافة إلى أنها متنافرة ومتصارعة، تتحكّم في مواقفها وسلوكها قضايا أيديولوجية. لذلك، هي غير قادرة على الالتقاء على برنامج الحدّ الأدنى حول قضايا أساسية تهم شؤون المواطن والوطن.
وأضاف: «انظر اليوم إلى أحزاب المعارضة، ستجد أنها لا تمتلك أي برامج لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فمثلاً جبهة الخلاص الوطني وبقية الأحزاب المعارضة للرئيس وبرنامجه، تطالب اليوم فقط بالإفراج عن معتقلي قضية التآمر (طبعاً نحن نطالب بمحاكمة عادلة وشفافة)، وقضايا الحريات؛ وهي أيضاً مطالب مشروعة، غير أنها لا تهم كثيراً المواطن العادي. ومقابل ذلك، تغيّب المعارضة الاهتمام بقضايا نزعم أنها أساسية، ومن ذلك المطالبة بالمحكمة الدستورية، أو المطالبة والنضال من أجل تحسين الوضع المعيشي للتونسيين».
«نعيش محاولة لتطبيق مشروع برنارد لويس لتفتيت الدول العربية وما يحدث في غزة يتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة»
واعتبر الحناشي أن أغلب الأحزاب التونسية «لم تقم بعملية مراجعة أو نقد ذاتي لبرامجها وخطابها السياسي وخاصة سلوكها السياسي، وخاصة تلك التي كانت في الحكم، وكان منسوب وعودها للمواطنين مرتفعاً جداً ولم تتمكن من إنجازها، بل كان هدفها فقط «إغواء» التونسيين ودفعهم لانتخابها، وهو ما أدى لاحقاً إلى عزوف الناس عن الشأن السياسي بعد أن فقدوا الثقة بالطبقة السياسية التي لم تحقّق الحدّ الأدنى من مطالب الثورة والمجتمع».
وأضاف: «عندما اندلعت انتفاضة الخبز عام 1983 لم تكن هناك أحزاب، ومع ذلك خرج الشعب وانتفض، وحدث ما حدث. الآن، الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر سوءاً مما كان عليه في الثمانينيات. ومع ذلك، الشعب لا يتظاهر، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بأمرين: إما أنه راضٍ بما يقوم به الرئيس قيس سعيد، أو بسبب عجز المعارضة عن تحريك الشارع وكسب وده من أجل تغيير الوضع الاجتماعي، لأن الشعب فقد ثقته بهذه المعارضة، التي استفاد سعيد من تشتتها وعدم قدرتها على تغيير موازين القوى في البلاد».
وفسّر الحناشي غياب اتحاد الشغل عن المشهد التونسي بقوله: «الاتحاد سبق أن طرح برنامجاً متكاملاً وخريطة طريق للحوار الوطني تتضمن 17 نقطة وقدمها للرئيس، لكن -كما أسلفت- تشتت أحزاب المعارضة وعجزها عن الالتقاء حول الحد الأدنى المشترك عطل هذا الأمر. ولا يمكن للاتحاد أن يحلّ محلّ الأحزاب السياسية التي عليها أن تناضل من أجل تحقيق أهدافها. وتاريخياً، لم تساهم النقابات في تغيير الأنظمة السياسية إلا في حالة بولونيا بفعل تحالف الكنيسة وحركة تضامن النقابية ودور العوامل الخارجية».
المهاجرون يستنزفون البلاد
من جانب آخر، اعتبر الحناشي أن ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تعاني منها تونس تحمل أبعاداً إقليمية ودولية وترتبط بالوضع الأمني في تونس ودول الجوار، فـ»الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل متواصل لمنع وصول المهاجرين الأفارقة غير النظاميين إليه، وهؤلاء يشكلون عبئاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً كبيراً على البلاد التي تعاني أساساً من نسبة بطالة مرتفعة، وخاصة أن هؤلاء المهاجرين يستنزفون موارد البلاد ويتم هضم حقوقهم واستغلالهم بشكل غير مشروع من قبل مؤسسات اقتصادية خاصة».
وأكد أن الحلول التي تعتمدها السلطات التونسية لحل هذه الظاهرة غير مجدية، وخاصة أنها تقوم بتفكيك خيم المهاجرين في إحدى المناطق ونقلهم لمنطقة أخرى دون التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وبلدانهم لترحيلهم، فضلاً عن التنسيق مع بلدان الجوار (الجزائر وليبيا) لضبط الحدود ووقف هذا النزيف المتواصل للمهاجرين، وخاصة أن تونس غير قادرة اقتصادياً أو لوجستياً على استيعابهم».
ودعا الحناشي إلى إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة لتونس مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة غير النظامية، أو توقيع اتفاقيات جديدة ومتوازنة تضمن حقوق البلاد التونسية وتحول دون تحولها إلى «حارس» لحدود أوروبا البحرية، فضلاً عن ضمان حقوق المهاجرين، وإعادة النظر ببعض القوانين والإجراءات التي تم اتخاذها بعد الثورة وخاصة إلغاء التأشيرة على بعض البلدان الإفريقية، والتي ساهمت بتفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية.
واعتبر في السياق، أن تونس لا تستطيع اعتماد نموذج تركيا أو الجزائر في التعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية، كما أن المقارنة لا تجوز مع هاتين الدولتين؛ فتركيا لديها وزن جيوسياسي مهم وإمكانيات اقتصادية كبيرة، ما يمكّنها من التعامل بندية مع الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر دفعها لتوظيف المهاجرين في تحقيق العديد من المكاسب الخاصة، كما أن لدى الجزائر وزناً إقليمياً وإمكانيات اقتصادية ولوجستية مهمة غير متوفرة لدى تونس».
ودعا السلطات التونسية إلى تطبيق القانون على المهاجرين غير النظاميين، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول المنشأ والجوار والمنظمة الدولية للهجرة لإعادة المهاجرين الأفارقة إلى بلدانهم، بما يضمن حقوقهم ومصلحة الدولة التونسية.
و اعتبر الحناشي أن ما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتجاوز قطاع غزة والضفة الغربية ليشمل المنطقة العربية ككل، و»نحن نعيش محاولة لتطبيق مشروع برنارد لويس لتفتيت الدول العربية، والذي يعود إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، ويتعلق بتقسيم عدد من الدول العربية كمصر وسوريا ولبنان والسعودية والعراق على أساس طائفي وإثني، كي تبرز إسرائيل كأكبر دولة في المنطقة. والخطير الآن هو ليس قضية تهجير الفلسطينيين وإنما ترحيلهم للخارج، وخاصة أن الترحيل هو أحد المبادئ الأساسية للحركة الصهيونية».
وأضاف: «انظر الآن إلى الدول العربية وخاصة دول الطوق، حيث تم تدمير العراق وسوريا وتوقيع اتفاقيتي تطبيع مع مصر والأردن ومحاولة القضاء على المقاومة، وبعد مجيء دونالد ترامب بدأت سياسة الدعم المطلق للكيان الصهيوني، والهدف هو تدمير غزة وترحيل سكانها أو على الأقل إيجاد منطقة عازلة فيها، ودفع بقية الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل. وقال ترامب بصريح العبارة إن إسرائيل دولة صغيرة جداً ويجب أن تجد الفضاء الحيوي لها، ولذلك عندما يقول نتنياهو سنغير خريطة الشرق الأوسط، فهو لا يقول ذلك من فراغ».
تطبيع على نار هادئة
كما اعتبر الحناشي أن التطبيع بين سوريا وإسرائيل «يُطبخ على نار هادئة، وإذا قامت سوريا بالتطبيع مع الكيان بأي شكل من الأشكال فهذا سيسرّع عملية التطبيع مع دول أخرى».
وأشار إلى أن مستقبل سوريا مفتوح على عدة احتمالات، فـ»الحكم الجديد تتحكم فيه مجموعة من التناقضات، في ظل عدم تجانس السلطة الجديدة والمؤسسة العسكرية ووجود السلاح لدى مجموعات غير نظامية وتحّكم تركيا باللعبة واحتلال إسرائيل لمناطق واسعة جنوب البلاد، فضلاً عن مطالبة بعض الأقليات على غرار العلويين والدروز بحماية دولية، وهو ما يمكن توظيفه من قبل دول أخرى ترغب في تواصل حالة عدم الاستقرار في البلاد».
وأضاف: «باختصار، الوضع معقد جداً في سوريا، والاستقرار الذي تعيشه هش، و»النار تحت الرماد»، وربما نشهد تكرار سيناريو سايكس بيكو بشكل جديد إذا لم توجد إرادة شعبية ودولية لدعم وحدة الأراضي السورية».