المؤرخ الفلسطيني ـ الأمريكي رشيد خالدي: لم تكن إسرائيل لتقتل آلاف الفلسطينيين بدون دعم أمريكي- غربي

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن – “القدس العربي”:

قال رشيد خالدي، أهم مؤرخ فلسطيني – أمريكي في التاريخ الفلسطيني إنه سيتقاعد من  منصبه كأستاذ كرسي إدوارد سعيد للتاريخ العربي الحديث بجامعة كولومبيا. 

وفي صباح لقاء مراسلة صحيفة “الغارديان” راضية إقبال، معه تلقى خالدي أخبارا مثيرة للقلق، حيث قامت عصابة من المستوطنين بمداهمة منزل في طريق السلسلة بالقدس، وهو بيت تملكه عائلته من الجد الأكبر، منذ القرن الثامن عشر. وكانت البناية فارغة لفترة قصيرة بعد أن توفي قريبه الذي كان يعيش فيها. وكانت خطة العائلة ضمها إلى مكتبة الخالدي في الجانب الآخر من الشارع والتي تحتوي على 1,200 مخطوطة وبعضها يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي. ويقول الخالدي إن المستوطنين كانوا استراتيجيين في مراقبة العقار أو متابعة أخبار النعي في الصحف وكانوا مستعدين للتحرك. 

ومع أن عائلته تملك أوراق ملكية العقار، لكن خالدي يشعر باليأس. وقال: “لدينا قرار محكمة حكم في صالحنا وينص على ملكيتنا للعقار، لكن هؤلاء الناس يدوسون على الشرعية والقانون والمحاكم، وهم مدعومون من الشرطة والحكومة”. ويبلغ خالدي من العمر 76 عاما وهو نفس عمر دولة إسرائيل، وكان الحادث الذي تعرض له بيت العائلة، مثالا على ما يحدث للفلسطينيين منذ نشوء إسرائيل “التهجير والسرقة الجماعية والمنظمة” كما قال. 

والتقت إقبال مع خالدي في جنوب فرنسا، حيث كان في مزاج تأملي بعيدا عن الفصل الدراسي المضطرب الذي شهدته جامعة كولومبيا هذا الربيع. 

في صباح لقاء مراسلة صحيفة “الغارديان” راضية إقبال، معه تلقى خالدي أخبارا مثيرة للقلق، حيث قامت عصابة من المستوطنين بمداهمة منزل في طريق السلسلة بالقدس، وهو بيت تملكه عائلته من الجد الأكبر، منذ القرن الثامن عشر

وقالت إن الاحتجاجات التي بدأت بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر جلبت مسارين في حياته معا: السياسة في فلسطين وإسرائيل وكونه عالما بشؤون الشرق الأوسط بجامعة نخبة.

 ففي اليوم الذي جاءت فيه الشرطة لتفريق المحتجين في الحرم الجامعي، كان خالدي يقف وراء الميكرفون لدعم الطلاب، وكمؤرخ ذكر الطلاب باحتجاجات فيتنام وبأن التاريخ سيحكم على الطلاب بأنهم كانوا يقفون على الجانب الصحيح من التاريخ وسيؤكد شجاعتهم. 

وأصبح خالدي مطلوبا للتعليق وتقديم نظرته للتاريخ، منذ الهجمات وبخاصة كتابه “حرب المئة عام على فلسطين: تاريخ الغزو الاستيطاني الاستعماري والمقاومة”. وتقول الصحيفة إن خالدي رجل كرس حياته للعلم والأسرة، ويستمتع بالحياة التي عكرها مشاهدة ما يجري في فلسطين. وهو الآن يتطلع للتقاعد من منصبه الفخري كأستاذ كرسي إداورد سعيد ويفعل هذا كواحد من أبرز المثقفين الفلسطينيين في جيله بالغرب، وهي عباءة ورثها عن سعيد الذي سمي الكرسي باسمه. 

ويمكن القول أنه بات أشهر من سعيد في الفترة الأخيرة. فقد كان كتابه حرب المئة العام على قائمة الكتب غير الروائية الخمس الأكثر مبيعا لصحيفة نيويورك تايمز، ولأكثر من 30 أسبوعا. 

وهو سلاح ذو حدين، كما يقول لأن الواحد يريد بيع كتابه لكن الطلب عليه نابع من رغبة الناس في التعرف على تاريخ المنطقة في أعقاب مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين. وقد تبرع بكل أرباح الكتاب. 

ويقدم تاريخه رؤية مقنعة وأن ما حدث لفلسطين هو نتيجة لتداعيات المشروع الاستيطاني الاستعماري والمقاومة التي نتجت عنه، كما هو تاريخ لعائلته، حيث أرسل جده والده برسالة للملك عبد الله الأول لكي يتحدث باسم الفلسطينيين، وتكشف هذه المهمة الدبلوماسية عن غياب القنوات المتوفرة للفلسطينيين، فقد تم إسكات أصواتهم. 

يبدأ كتابه برسالة أرسلها عمه الأكبر يوسف ضياء الدين الخالدي إلى تيودر هيرتزل، عام 1899، قال فيها إن تحقيق الحلم الصهيوني يعني تشريد الشعب الفلسطيني. وكانت نبوءة جده حاضرة في الكتاب والواقع. وفقد جد خالدي منزل العائلة في يافا في النكبة عام 1948

ويبدأ كتابه برسالة أرسلها عمه الأكبر يوسف ضياء الدين الخالدي إلى تيودر هيرتزل، عام 1899، قال فيها إن تحقيق الحلم الصهيوني يعني تشريد الشعب الفلسطيني. وكانت نبوءة جده حاضرة في الكتاب والواقع. وفقد جد خالدي منزل العائلة في يافا في النكبة عام 1948. وتشتت عائلته، في ذلك الوقت، حيث كان والداه في نيويورك، أين كان والده ينهي تعليمه. ولم تستطع العائلة العودة إلى فلسطين وظلت في نيويورك حيث ولد رشيد. 

وفي عام 1970 بدأ الدراسة بجامعة ييل، وكان الأول ممن لم يكن من ضمن الحصة المخصصة للسود أو اليهود، وقد تداعت هذه الحصص بعد حركة الحريات المدنية ” كنا أول فصل لم يكن مكونا بشكل رئيسي من تلاميذ المدارس الأنكلو سكسونية البيض. و كدت أترك الدراسة بعد عام”، و “كان من الصعب الشعور بالراحة مع أشخاص مثل جورج دبليو بوش، الذي كان في سن أكبر”. وانخرط خالدي فيما بعد  بالنشاط الفلسطيني وحركة الفهود السود والمظاهرات المعادية لحرب فيتنام. 

ويتذكر عندما زارت غولدا مائير جامعة ييل حيث تلقت استقبالا حافلا من 1,000 طالب وقالت حينها إنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وكان خالدي من بين أربعة طلاب وقفوا في وجه هذا الحشد على الجانب الآخر. ويقول “الآن” سيُعكس الوضع وسيكون هناك ألاف الطلاب المحتجين وقلة من المؤيدين. 

ويفسر هذا التغيير إلى تحول حدث على عدة مستويات في الدراسات الأكاديمية والجادة ، إضافة إلى تغيير الطريقة التي يتم بها تدريس موضوع إسرائيل وفلسطين. وهناك أيضا ما يقول إنه اشمئزاز الجيل الشاب من وسائل الإعلام التقليدية. ويحثه ابنه الكاتب المسرحي ، باستمرار على إلغاء اشتراكه في صحيفة “نيويورك تايمز”  ويخبره أنه من العار أن يدفع المال للصحيفة. 

فالجيل كما يقول “متشكك جدا بالشعارات والأساطير والأكاذيب والتشويهات التي يعتز بها السياسيون ووسائل الإعلام والمؤسسات التي تهيمن على المجتمعات الغربية ويعتزون بها، ويفرضون القانون على أي شخص آخر إذا تظاهر لصالح شيء لا يعجبهم”. وأضاف: “لقد حدث شيئان في نفس الوقت. صدمت أهوال ذلك اليوم الناس لأسابيع ، ثم كان هناك من قال إن الدجاج قد عاد إلى القن [يحصدون ما زرعوه]. لقد عوقبوا بالطبع، أولئك الذين قالوا إن الانفجار أمر لا مفر منه عندما تفرض احتلالا وحشيا أو حصارا على الناس لأربعة أو خمسة أجيال. إلى جانب ذلك، بدأ الناس في رؤية الإبادة الجماعية تجري. وكانوا يشاهدونها في الوقت الحقيقي وحية على هواتفهم. كان لذلك تأثير عميق”. 

ولكن ماذا عن التحول فيما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ يقول خالدي إن “فهم التجربة الإسرائيلية الصادمة أمر ضروري لفهم ما يجرى الآن وماذا تفعل. وأعتقد أيضا أن الناس يقولون إن الطفل الميت هو طفل ميت. على الجانب الآخر لديك عشرات أو عشرين طفلا ميتا أما على الجانب الآخر فلديك الآلاف من الأطفال القتلى. وإذا كنت غاضبا من هذا ، فعليك أن تغضب من ذلك. لم يكن هذا هو الحال مع وسائل الإعلام أو السياسيين. حسنا، وقد لوحظ ذلك وفي غضون أسبوعين، كان هناك عدد مماثل من القتلى الفلسطينيين، ولكن بطريقة ما كان موت الإسرائيليين أكثر رعبا وأكثر فظاعة والنفاق العنصري وراء هذه المواقف أصبح الآن صارخا لكثير من الناس”. 

تشتت عائلته، في ذلك الوقت، حيث كان والداه في نيويورك، أين كان والده ينهي تعليمه. ولم تستطع العائلة العودة إلى فلسطين وظلت في نيويورك حيث ولد رشيد. 

وعلى الأرجح سيكون تأثير الاحتجاجات في الجامعات حاضرا ولوقت. فقد خسر ثلاثة من رؤساء كليات النخبة وظائفهم، ولا يزال بعض الطلاب يواجهون قضايا في المحاكم، وستستمر مناقشة الأسئلة حول الدور الذي تلعبه الجامعات في المجتمع المدني. 

لكن خالدي، الذي كرس حياته للسعي وراء التعلم، سئم من الحياة الروتينية للأكاديمي. ويقول: “لم أكن أريد أن أكون ترسا في تلك الآلة. وخالجني الاشمئزاز والرعب منذ وقت، بشأن الطريقة التي تطور بها التعليم العالي إلى آلة  لصنع أموال، في الأساس عملية لكسب المال وماجستير في إدارة الأعمال وشركات المحاماة وصناديق التحوط مع العقارات، مع هامش بسيط في التعليم، حيث حدد المال كل شيء مع الحفاظ بالحدود الدنيا على احترام أصول التدريس”. 

وقال إن “البحث الذي يجلب المال يحظى باحترام ولكنهم لا يهتمون بالتعليم، مع ان الطلاب هم الذين يدفعون رسومهم الدراسية ويقدمون حصة كبيرة من ميزانيات الجامعات الخاصة”. 

وبغض النظر عن خيبة أمله الشخصية، فإن خالدي محبوب من قبل طلابه: وقد حضر أكثر من 60 من أولئك الذين أشرف على رسائل الدكتوراه خلال حياته المهنية من جميع أنحاء العالم لتكريم مؤثر له في نيويورك الصيف الماضي. وكان ذلك جزءا من ندوة استمرت يومين تبحث في إرثه الأكاديمي، وكان لا بد من العثور على مكان جديد وبمهلة قصيرة حيث كانت كولومبيا تحت الإغلاق.

 ويقاوم خالدي الأسئلة التي تتطلب أجوبة واضحة، فهو مؤرخ يفضل التركيز على تحليل ما تخبرنا به الأفعال السابقة. 

وسيركز كتابه القادم على أيرلندا، وكيف كانت مختبرا حضرت فيه بريطانيا لتجربة نتائجه في فلسطين. وهذا نابع من زمالة حصل عليها مؤخرا في كلية ترينيتي في دبلن. ويقول خالدي، إنه من أجل فهم فلسطين فعليك أن تفهم الاستعمار البريطاني ككل. 

وهو يأمل بدراسة الشخصيات الرئيسية في الطبقة الأرستقراطية البريطانية التي كانت تجربتها الأيرلندية محورية في كل ما فعلوه بعد ذلك، أشخاص مثل آرثر جيمس بلفور والسير تشارلز تيغارت والجنرال السير فرانك كيتسون. ويأمل في إظهار كيف تم تصدير التجربة الأيرلندية إلى الهند ومصر وفلسطين، ثم عادت إلى أيرلندا مرة أخرى خلال ما يعرف بـ “الاضطرابات” وبعد أن تم تجريبها وتوسيعها في المستعمرات.

 يقول خالدي: “إنه لأمر مدهش كيف يجد الأفراد وتقنيات مكافحة التمرد، مثل التعذيب والاغتيال جذورهم مع البريطانيين في أيرلندا”.

عندما زارت غولدا مائير جامعة ييل حيث تلقت استقبالا حافلا من ألف طالب وقالت حينها إنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وكان خالدي من بين أربعة طلاب وقفوا في وجه هذا الحشد على الجانب الآخر. 

 وقد علمه تاريخه الشخصي وأعماله الأكاديمية والبحثية ودوره كمستشار في محادثات مدريد في تسعينات القرن الماضي أنه طالما لم تغير الولايات المتحدة من دعمها الكامل غير المشروط لإسرائيل ، فإن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي شيء قريب من السيادة. يقول: “إنها ليست دولة أبدا، إنها ليست أبدا تقرير المصير” بل و” امتداد لمستقبل الوضع الراهن مع عسكر”. 

وعندما ينظر خالدي للوراء، إلى تسعينات القرن الماضي تذكره بما واجهه الفلسطينيون ولماذا لم يكن لديهم فرصة ولماذا كانت جهود السلام في ذلك الوقت محكوم عليها بالفشل.و لم يكن لإسرائيل محاموها الخاصون فحسب، بل قاموا بفحص كل التفاصيل، بل حصلت إسرائيل على دعم الولايات المتحدة أيضا. 

ويدرك الخالدي أن الخطأ الجوهري كان من  ياسر عرفات وفريقه عندما اعتقدوا أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون وسيطا نزيها. 

ويؤكد على هذه الرؤية بالقول: “لا تستطيع إسرائيل القيام بأي من هذا – قتل هذا العدد من الفلسطينيين [أكثر من 40,000 في وقت كتابة هذا التقرير] من دون الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية. الولايات المتحدة تعطي إسرائيل الضوء الأخضر، وهي طرف في الحرب على فلسطين. هذا ما يدفعني كأمريكي. فأنا لست فلسطينيا فقط في هذا بل ولأنني أمريكي. ونحن مسؤولون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول boumediennehamidou:

    هذا الامر مؤكد، دون أن ننسى الدعم الذي تقدمه الرجعية العربية لامريكا وربيبتها الكيان، لأجل ديمومة الابادة ،وافشال كل محاولات ادانتها في مجلس الأمن ومن ثم التخاذ اجرائات ضد الكيان الصهيوني ومجرميه…

اشترك في قائمتنا البريدية