المئة يوم الأولى لترامب: سياسات جذرية وصدامات داخلية وخارجية

في البدء يجب أن نطرح تساؤلا عن الجذر التاريخي لتقليد تقييم أداء الرئيس الأمريكي بعد 100 يوم من دخوله البيت الأبيض. من أين جاء هذا التقليد، ولماذا لا يزال الكتاب والصحافيون يتحدثون عنه؟ تشير الكتابات التاريخية إلى أن هذا التقليد جاء من رئاسة فرانكلين روزفلت، إذ انتُخب في خضمّ أزمة الكساد العالمية الكبرى، فابتعد عن المعترك السياسي، خلال الفترة الانتقالية الطويلة بين يوم الانتخابات عام 1932 ويوم التنصيب في 4 مارس 1933. ووفقا للمؤرخين، فإنّ حسّه السياسيّ دفعه إلى تجنّب محاولات الرئيس هوفر لإشراكه في التعامل مع الأزمات الساحقة التي كانت تواجه البلاد. وهكذا نجح في تدبير قطيعةٍ كاملةٍ مع الماضي، وبدايةٍ جديدةٍ مع الشعب الأمريكي.
على مدى العقود التي تلت ذلك، واصل الصحافيون والمؤرخون وعلماء السياسة ممارسة البحث عن الإنجازات في الأشهر الثلاثة الأولى من الرئاسة. ومنذ ذلك الحين، يُقيّم أداء الرؤساء في المئة يوم الأولى. ويكفي القول، إن قلة منهم ارتقوا إلى مستوى الرئيس روزفلت.
كانت الأسابيع الأولى من عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مذهلة للغاية. إذ افتتح ولايته الثانية بسلسلة من القرارات التنفيذية، حيث فرض (ثم أجل) حربا اقتصادية عبر تطبيق رسوم جمركية على كندا والمكسيك، ومنع المتحولين جنسيا من الخدمة والالتحاق بالجيش، وألغى العديد من برامج المساعدات الخارجية الأمريكية. وكشف عن خطط لتطهير مكتب التحقيقات الفيدرالي من أعدائه المفترضين، ومنح عفوا شاملا لمؤيديه المتمردين، وتعهد بإطلاق «أكبر برنامج ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية». ويبدو أن الرئيس ترامب عازم على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، بما يراه مناسبا عبر تمكين حليفه إيلون ماسك من إقصاء موظفي الخدمة المدنية، وتقليص وكالات بأكملها، وبث الرعب في صفوف القوى العاملة الفيدرالية.
في خضم تقييم أداء الرئيس دونالد ترامب في المئة يوم الأولى يمكننا القول، إنه تولى منصبه في بيئة عالمية معقدة ومتقلبة. إذ تزداد التوترات الاقتصادية والسياسية مع الصين، مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، هذه الملفات الرئيسية مثلت تحديات كبيرة لإدارة ترامب وما وعدت بتحقيقه سريعا. بينما تهدف أجندة الرئيس (أمريكا أولا) إلى إعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع المؤسسات الدولية ومع الحلفاء والخصوم، على حد سواء. في يوم 4 مارس ألقى دونالد ترامب خطابا صاخبا للغاية، استمر ساعة و40 دقيقة، أمام جلسةٍ مشتركةٍ للكونغرس، وأعلن أن رئاسته (بدأت للتو) بعد عودته السريعة إلى البيت الأبيض، التي شهدت سلسلة من الأوامر التنفيذية، وقلبت البيروقراطية الفيدرالية رأسا على عقب، في إطار إجراءاتٍ جذريةٍ لخفض التكاليف. وقد سجّل الديمقراطيون احتجاجاتهم في هذا الاجتماع برفع لافتاتٍ أثناء حديث ترامب، بينما غادر بعضهم القاعة مُبكرا. وطُرد أحدهم، وهو آل غرين من تكساس، بعد أن صاح قائلا، إن ترامب (ليس لديه تفويض).

تولى ترامب منصبه في بيئة عالمية معقدة ومتقلبة، إذ تزداد التوترات الاقتصادية والسياسية مع الصين، مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط

وفي حربه المستعرة على الهجرة غير الشرعية، اتخذ دونالد ترامب قرارات لم يسبق أن اتخذتها إدارة أمريكية، جمهورية أو ديمقراطية، إذ وقّع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا يطبق بموجبه قانون الأعداء الأجانب لعام 1798 في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وفي استهداف أعضاء العصابات الفنزويلية المشتبه فيهم، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، بدا أن إدارة ترامب انتهكت أمرا قضائيا بإرسال المئات من الفنزويليين المتهمين بالانتماء إلى عصابة الجريمة المنظمة إلى سجن في السلفادور. ونشر رئيس السلفادور نجيب بوكيلي، على مواقع التواصل الاجتماعي أن 238 عضوا من عصابة «ترين دي أراغوا» الفنزويلية و23 عضوا من عصابة «إم إس13» السلفادورية، وصلوا إلى السلفادور وهم رهن الاحتجاز، في إطار صفقة تدفع بموجبها الولايات المتحدة للسلفادور أموالا طائلة مقابل احتجازهم في «مركز احتجاز الإرهابيين» التابع لها، والذي يتسع لـ40 ألف شخص. إلا أن منشور بوكيلي جاء بعد ساعات من قيام رئيس قضاة المحكمة الجزائية الأمريكية في واشنطن، جيمس بواسبيرغ، بمنع عمليات الترحيل، وأمر جميع الرحلات الجوية بالعودة في أمر قضائي صدر يوم 16 مارس الجاري.
كما طلبت إدارة ترامب من المحكمة العليا الأمريكية رفع التجميد الوطني المفروض على الأمر التنفيذي للرئيس، الذي يُنهي منح الجنسية بالولادة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين والمقيمين الأجانب. وتُمثل هذه الخطوة المرة الأولى التي يصل فيها أمر منح الجنسية بالولادة إلى أعلى محكمة في البلاد، بعد أن أوقفت ثلاث محاكم فيدرالية، في ولايات ماساتشوستس وميريلاند وواشنطن، الأمر مؤقتا قبل دخوله حيز التنفيذ. وفي 14 مارس الجاري اقتحم دونالد ترامب (بالمعنى الحرفي للكلمة) وزارة العدل الأمريكية في محاولة منه لترسيخ فكرة سيطرته الفعلية على هذه الوزارة، وجاءت الزيارة الاقتحامية من قبل الرئيس، احتجاجا على القضايا الجنائية التي هزم فيها قبيل عودته إلى الرئاسة. وقد وُصف الحدث بأنه خطاب سياسي للإدارة الجديدة، للترويج لسياسة التركيزعلى مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات، إلا أن غالبية تصريحات الرئيس العفوية في هذه الزيارة ركزت على مظالمه الشخصية تجاه وزارة العدل.
وفي حربه الاقتصادية وفرضه سياسات حمائية، هدد دونالد ترامب بتصعيد حرب تجارية على كندا والمكسيك والصين وروسيا، وكذلك على الاتحاد الأوروبي، قائلا في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إنه قد يفرض رسوما جمركية بنسبة 200 في المئة على النبيذ والشمبانيا الأوروبيين. وجاء هذا الإعلان بعد يوم من كشف الاتحاد الأوروبي عن خطط للرد على مجموعة من الرسوم الجمركية الأمريكية، التي دخلت حيز التنفيذ هذا الأسبوع، على الفولاذ والألمنيوم، بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على واردات الويسكي الأمريكي والعديد من المنتجات الأمريكية الأخرى. ورفض ترامب استبعاد احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، وارتفاع التضخم مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن سياسة التعريفات الجمركية. وقال لقناة «فوكس نيوز»:»أكره توقع مثل هذه الأمور. هناك فترة انتقالية، لأن ما نقوم به ضخم للغاية». وفي ما يخص واحدا من أهم ملفات إدارة ترامب، وهو ملف الحرب في أوكرانيا، الذي ادعى ترامب في حملته الانتخابية أنه سيوقفها في يومه الأول في البيت الأبيض، فقد شهد تصعيدا دراماتيكيا، حيث شهد العالم اجتماعا صاخبا فريدا من نوعه في المكتب البيضاوي جمع الرئيسين ترامب وزيلينسكي، كما حضره عدد من أفراد ادارة ترامب في مقدمتهم نائبه جي دي فانس. وبينما تدعم أوروبا أوكرانيا، صرّح حلفاء ترامب الجمهوريون، بمن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون، بأن زيلينسكي قد يُضطر إلى الاستقالة، وهو اقتراح وصفه السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز بأنه «مروع». كما قال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، إن البيت الأبيض في عهد ترامب أصبح في الواقع «ذراعا للكرملين». وفي تصعيدٍ دراماتيكي لقطيعته مع زيلينسكي، أوقف ترامب جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ما أثار المزيد من القلق لدى حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي. وتفاقمت المخاوف الأوروبية عندما بدا أن نائب الرئيس الأمريكي فانس يُقلل من شأن قدرة بريطانيا وفرنسا على ضمان أمن أوكرانيا في المستقبل. وفي معرض إصراره على إبرام صفقة معادن مع الولايات المتحدة كأفضل ضامن، صرّح جيه دي فانس لشبكة «فوكس نيوز» قائلا: «هذا ضمان أمني أفضل بكثير من 20 ألف جندي من دولة عشوائية لم تخض حربا منذ 30 أو 40 عاما». وقد اعتُبر هذا التعليق إهانة في بريطانيا – التي عرضت، إلى جانب فرنسا، إرسال قوات لحفظ السلام، والتي شاركت قواتها في العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
أما على صعيد السياسات التعليمية، فإن وزارة التعليم الأمريكية أعلنت أنها ستُسرّح أكثر من 1300 عامل، مما يُدمّر فعليا الوكالة التي تُدير القروض الفيدرالية للجامعات، وتُطبّق قوانين الحقوق المدنية في المدارس. وقد تكون هذه التخفيضات نذيرا لترامب لإغلاق الوزارة، وهو ما صرّح بأنه يُريده، على الرغم من استحالة إغلاقها، دون موافقة الكونغرس. وفي 7 مارس أعلنت إدارة ترامب إلغاء منح بقيمة 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا في نيويورك، بزعم فشلها في حماية الطلاب من المضايقات المعادية للسامية. وقد شهد حرم الجامعة في نيويورك – كغيره من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة ـ موجة احتجاجات ضخمة ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ترامب يخسر العديد من مؤيديه !
    البعض ندم في إنتخابه له !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

اشترك في قائمتنا البريدية