يرى عدد من النقاد أن الكتابة للأطفال من أصعب ما يواجهه الكُتّاب في الوطن العربي، منذ أن بدأ الأدباء يتجهون بإبداعاتهم الأدبية نحو الأطفال، أول هذه المصاعب برأيهم :
إن صناعة الكتاب في البلدان العربية كانت ولاتزال في أكثر هذه الدول، متخلفة في طباعتها ونشرها وتوزيعها عن بقية البلدان في العالم. وثانيها: إن الفرد في مجتمعنا، سواء الطفل أو الراشد لا يلقي بالاً للقراءة، إلا إذا كان مؤطرا بإطار المؤسسات التعليمية أو الثقافية (ضمن مجموعة) فنلاحظ أنه من النادر أن نجد أطفالا يقرأون كتبا غير كتبهم المدرسية. ثالث هذه الصعوبات وأهمها :وجود قنوات الفضائيات الخاصة بالأطفال، التي تبث برامجها على مدار الساعة، حيث يجد فيها الطفل الأفلام الكرتونية والبرامج الترفيهية، التي تغنيه عن الكتب الأدبية، سواء كانت قصصا أو أناشيد أو غير ذلك، بل تجذبه بقوة نحوها مستسلما لتلك الرسوم الجميلة المتحركة، أو تلك البرامج التي تأخذه وهو جالس في مكانه نحو النجوم والكواكب، أو إلى عوالم أرضية ترضي فضوله، وتريح ذهنه من تلك القصص المكتوبة، التي تحتاج منه إلى تخييل وما إلى ذلك، ولا ننسى ما تم اختراعه من تكنولوجيا إلكترونية، من أجهزة الموبايلات والآيباد والتابلت
التي تجعله يسافر فيها إلى كل مكان يرغب بالتعرف إليه، بلمسة من أصبعه على سطح هذا الجهاز الساحر، الذي أصبح وصوله إلى أيدي معظم أطفالنا ليس عسيرا.
والمتابع للكتب الصادرة عن دور النشر سيجد أن ما ذكرته في البداية، ليس ضربا من خيال أو حدس، فأرقام كتب الأطفال هي أقل رقما من بين تلك الكتب، ولا يكاد ما ينشر منها يتجاوز عدد أصابع اليدين، وقلة منها ما يكون لافتاً للنظر، فجلها، قصص أو مسرحيات أو أناشيد، هي أقرب إلى الفتيان في توجه كتّابها، منها إلى الأطفال، ولكن، ربما يعثر المهتم في هذا المجال على كتاب مما يصدر عن تلك الدور يكون جديدا في طرحه، وفي إخراجه، وهذا ما حدث معي، حين كنت أبحث عن كتب نوعية للأطفال منشورة إلكترونيا، على الشبكة العنكبوتية، إذ استوقفني كتاب صادر عام 2018 من منشورات مؤسسة خطوات للتنمية الاجتماعية
للكاتب السوري هاني آصف شويخ عنوانه «المفكر الصغير- أدوات التفكير وأنماط الشخصية». وقد أهداه الكاتب إلى أطفال سوريا الرائعين، راجياً أن يكون هذا الكتاب سببا في تأسيس وعي حقيقي وضمير حي لديهم. اتكأ الكاتب في كتابه على عدة مصادر مهمة هي :
– قبعات التفكير الست لأدوارد دي بونو.
– العادات السبع للناس لستيفن آر.كوفي.
– أطر العقل، نظرية الذكاءات المتعددة، لهاوردغاردنر.
مضمّناً بحثه صورا ملونة جميلة متوسلا بها لإيصال أفكاره لمتلقيها من الأطفال.
ضم الكتاب ستة أقسام:
– قبعات التفكير الست
– الخرائط الذهنية
ـ إدارة الوقت
– الأهداف الذكية
– أنماط الشخصية
– الذكاء المتعدد
وقد عرض الكاتب أفكاره بأسلوب لغوي بسيط وسهل، فتراه يخاطب الأطفال في البداية بعبارة يا أصدقائي، وهي من العبارات التي تجعله قريبا ومحببا للأطفال المستهدفين في بحثه، كما نراه يعرض معظم أفكاره في الكتاب بصيغة تعليمية، تحث الذهن على التفكير هي طريقة السؤال، فيخاطب الأطفال مثلا بمثل هذه العبارة، ما هي الخرائط الذهنية؟ معرّفا بها من خلال الأمثلة والتمارين، تعينه في ذلك صور ورسوم ملونة، ليقرّب فكرته ويبسطها، لتصل إلى أكبر عدد من الأطفال الذين هم هدف كتابه، متوخيا الدقة في اختيار كلّ مثال أو تمرين، فنجد أن جميعها لا يتعدى واقع ومحيط واهتمامات الأطفال، كالمدرسة والمنزل والحديقة، وغرفة الجلوس وغرفة الطعام، والكتاب، واللعب، والواجبات المنزلية والمدرسية، مبتعدا في ذلك كلّه عن الخيال، الذي نجده في القصص والمسرحيات التي تستهدف الطفل، بل على عكس هذا، نجده هنا يستثمر الخيال ليجسده لهم بالتخييل المرئي المكتوب، ومن خلال الصورة المرافقة لكل مثال وتمرين، ونستطيع أن نعدّ ذلك أفكاراً مصورة صورا مرئية ثابتة، فنراه يختار لكل فكرة مثالا مكتوبا مع صورة مرئية أو أكثر، وهذا الأمر نراه في جميع تمارينه أيضا.
وهدفه من ذلك كله تثبيت الفكرة في ذهن الطفل، ليكون قادرا في المستقبل على التفكير السليم، الذي سيقوده نحو أهدافه مستقبلا، بحيث بمقدار ما يملك من قدرات على الفهم والإدراك سيكون الوصول إليها سريعا وبدون صعوبة.
ولا بد لنا هنا أن نذكر للقارئ أن هذا الكتاب يتوجه إلى أطفال المرحلة العليا من التعليم الأساسي بين سن التاسعة والثانية عشرة.
كتاب هاني آصف شويخ، جهد ربما يكون غير مسبوق، يريد للطفل أن يحلق في تفكيره، متجاوزاً في ذلك الأدب الذي كان يركز على تنمية مواهب الطفل الأدبية والفنية، وللانطلاق به نحو تثبيت مرتكزات أساسية في التفكير بقضايا علمية قابلة للتنفيذ، انطلاقا من حقائق ونظرات علمية في محيط بيئة ومحيط وواقع الأطفال، ما سيجعلهم ينخرطون في التفكير في حاضرهم، أو ما سيقومون به في مستقبلهم، منصرفا ً من التخييل الأدبي الذي يمتعهم وينمي قدراتهم الأدبية واللغوية لكنه لا يضعهم في أساسيات العصر العلمية الحديثة.
٭ كاتب سوري