المتطرفون الإسلاميون في الغرب: جدلية المعادلة الصفرية

إن تحليلاً رصيناً للفاجعة الإنسانية التي حدثت في مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية يستدعي استحضار مبدئية الاستنكار لهول الواقعة، بالتوازي مع ضرورة التفكر في الأسباب الموضوعية والمتواترة في صياغة تفاصيل عملية صناعة التطرف الإسلامي، وتكوين المتطرفين الإسلاميين من أبناء الجاليات العربية والمسلمة في الغرب.
ويمكن للتفكر المتمعن في الواقع العياني المشخص أن ينطلق من بديهية أن أولئك المتطرفين لم يولدوا متطرفين أصلاً، وإنما تم تكوينهم بشكل تراكمي ومتأثر مع المحيط الاجتماعي الذين يعيشون فيه في الغرب عموماً، بالتوازي مع تمحيصٍ مدققٍ في نموذج ومفاعيل علاقتهم مع النظام المؤسساتي في الدول الغربية، وخاصة دول غرب أوروبا، الذي لا تزال العنصرية المؤسساتية (Institutional Racism) حالة راسخة فيه لم تبذل لها الحكومات الغربية جهوداً فعلياً مؤثرةً لاستئصالها، وذلك لحاجتها العضوية لها في استغلالها الشعبوي لحرف نظر جماهيرها الانتخابية عن حقيقة سلسلة الأزمات البنيوية والعضوية التي تعيشها المجتمعات الغربية، وتقديمها على أنها أزمة تولدت بشكلٍ توأمي مع وفود أولئك المهاجرين الملونين الذين سرقوا الوظائف من مواطني تلك الدول وشاركوهم في قوتهم، ودون أن تتم الإشارة إلى أن الأزمة في المجتمعات الغربية هي أزمة عضوية وبنيوية مرتبطة بنظام الإنتاج الرأسمالي المعولم في تلك الدول القائم على تدني مساهمة الإنتاج الحقيقي الزراعي والصناعي لصالح تعملق نتاجات رأس المال المالي الفقاعي الطابع، والمرتبط عضوياً بالمضاربات المالية غير المستندة إلى إنتاج قيمة مضافة ملموسة في إطار إنتاج حقيقي.
ولقد أدت تلك العنصرية البنيوية فعلياً إلى لفظ أعداد هائلة من اللاجئين العرب والمسلمين في الدول الغربية من سياق الارتباط الفعلي بالمجتمعات التي يعيشون فيها إلى حالة من الاغتراب الدائم عن تلك المجتمعات. فهم في معظم الأحوال عاطلون عن العمل يعيشون في أحياء فقيرة ويكتفون بمعونة اجتماعية بسيطة تكاد تقيهم فقط من الحاجة للتسول في شوارع المال والأعمال في المدن الغربية.
ويفاقم ذلك الواقع الاغترابي التعزيز المستمر والمتواتر لحالة الوعي بالذات الجمعية المهزومة تاريخياً لدى جماهير المهاجرين العرب والمسلمين في الغرب، والشاخص في بعض مفاصله من خلال الاستعلاء السياسي في تعامل الدول الغربية مع مستعمراتها السابقة من منطلق علاقة السيد بالعبد المنفلت من عقاله الطبيعي كما هو الحال في رفض كل الرؤساء الفرنسيين الاعتذار لبلد المليون شهيد عن تاريخ بلدهم الاستعماري، وتورية ذلك الرفض بعبارات دبلوماسية لا تخفي جوهرها الاستعلائي والعنصري في آن معاً، واللذين لخصهما دون مواربة مشروع قانون تمجيد الماضي الاستعماري لفرنسا الذي اعتمدته الجمعية الوطنية الفرنسية في العام 2005 بالأغلبية شبه المطلقة. وعلى الطرف الآخر من جدلية تخليق التطرف الإسلامي يبرز استنهاض كل مركبات القهر الاجتماعي والتاريخي والنفسي في ذوات المهاجرين المهمشين وتحويلها إلى حالة من اليأس النفقي الذي لا يستطيع إبصار أي نورٍ في خبايا النفق المظلم سوى ذلك الخيار الانتقامي البدائي في طبيعته، والتي يقدم أدواته، وتفاصيله، ألوانه، وإخراجاته المنفلتة من كل عقال المارد الداعشي الخارج من قمقم الجحيم السوري، الذي يتلاقى في وعي المتلقي له قبل قبوله واستبطانه وهضمه معرفياً بالخطاب الغربي المزدوج المعايير عن الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية على الصعيد العالمي، والذي يشترط التدخل فعلياً في أي موقع في العالم حين يترافق ذلك بمصالح استراتيجية واقتصادية وسياسية للدول الغربية، وانكفاءً نفاقياً وتبريراً تلفيقياً حينما لا تتقاطع العناوين العريضة لمبادئ شرعة حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي مع مصالح الدول الغربية صاحبة ذلك الخطاب. إذن فإن ذلك المارد الذي تم تركه ليشرئب من بذور اليأس الكلياني في الأرض السورية والعراقية على المذهب الداعشي جدير بالاتباع والانقياد الأعمى له. فهو بتبسيطه الساذج لأزمة العرب والمسلمين يضع الحل في ثنائية مهولة في واقعيتها في ذهن متلقيها المقهور، ومخيفة في عقابيلها على قدرة الشعوب العربية والإسلامية المقهورة والمظلومة على الخروج من نفق اليأس الذي أريد إدخالها فيه عنوة؛ يتمثل في معادلة صفرية مقامها: «ذوقوا بعضاً من الموت الزؤام الذي طالما أذقتمونا إياه»، وهي معادلة صفرية لا يستقيم إبطالها إلا بإبطال عناصرها وترك أبناء الوطن السوري وكل أقانيمهم في الدول العربية والإسلامية لتحقيق حقهم الطبيعي في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية دون تآمر مخاتل ومضمر لغاية في نفس يعقوب لم يعد خافياً على من قضى نحبه من أفواج المقهورين من العرب والمسلمين في الغرب في فواجع مهولة، وهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وعيونهم معلقة على لهيب الجحيم الداعشي الذي لن يبقي ولن يذر ما دامت تلك المعادلة الصفرية قائمة.

٭ كاتب سوري مقيم في لندن

د. مصعب قاسم عزاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نمير نصر:

    مقال عظيم لامس كبد الحقيقة. بارك الله بك و بقلمك.

اشترك في قائمتنا البريدية