تُرسم لوحات المجتمع أحياناً بفرشاة الأمثلة الشعبية التي تعبّر عن موقفٍ صادقٍ ـ هكذا عرفوا المثل ــ ولا يمكن أن نتجاوزه من حيث إنّه منتجٌ أدبي، ووثيقةٌ اجتماعية مهمة، فمن البديهي أن لا تخلو المرأة من الأدب، وهي الركن الاساس في المجتمع، وقد حظيت بحيز واسع منهما، لكنها كانت تارة محظية وأخرى مملوكة حتى نالت شيئاً من الحرية، في المقابل ظلت ذاتها منذورة للسخرية، والنظرة الدونية الاجتماعية المستمدة من روح الحكايات والخرافة، وأحياناً الفكر الديني، وهذه الأفكار زّجت في المثل الشعبي الذي كان شيفرة حادة لجسدها. إن فكرت قالوا عنها: كيّادة حتى صار «إن كيدكن عظيم» مثلا يضرب بالنساء اللواتي يمتلكن ذكاء ومناورة وفطنة.
ولعل الأخطر أن الآية القرآنية خرجت من السياق الربّاني ودخلت في سياق العامة، حتى تناسوا أنها آية وكلّما ذكر الكيد حضرت المرأة معه، بل كلّما تعثروا بامرأة تخرج عن طاعتهم وجهوا لها سهام السخرية، والتهديد كقولهم: «البنية اللي ما كتلتها أكتل خيّالها».
ولأنّها مقترنة بالخطيئة فجاء هذا المثل عن المرأة التي تخطئ ــ بحسب اعتقادهم ــ ولا أحد يملك سلطة عليها؛ ليلجمها عند الخطأ سوى زوجها (خيالها) فيتمّ ضربه حتى هو يضربها ويؤدبها! ونلفت القارئ إلى أن استعمال لفظ خيالها، وليس زوجها أو أبوها، أو.. والخيّال كما هو معروف تطلق على راكب الخيل، فالمرأة هنا سُلبت منها صّفة الإنسّان وصارت في نظرهم حيوانا، فهي المهرة التي تحتاج إلى خيّالٍ محنك، وكلّما كان قويّاً صارت مهرةً مطيعةً.
فالمجاز البلاغي يمارس لعبة المختالة، إذ يظهر استعارته الجميلة، ويضمر عيوبه حتى صور الوأد بصورة مجازية كقولهم: «هم مكروهة وهم جابت بنية»، فهذا المثال يقال عن المرأة المتزوجة التي هي مكروهة عند أهل الزوج وعائلته، فتنجب بنتاً صغيرةً، ويمكن عدّ هذا المثل وأدّاً مجازياً بدل دفنها في التراب، تدفن في الحياة عبر زراعة الكراهية لها، وعندما تكبر البنت تصبح شؤماً على أهلها لذلك قيل: «البنية بليّة» أي أنها مصيبة، وما تجلبه من مصائب مجانية لهم وهذه الأخيرة متعلقة بالشرف؛ لذا قالوا في المثل: «زوّج بنتك وطلّع عارك من بيتك».
لو توقفنا قليلاً عند (طلع عارك من بيتك) هي كناية عن المرأة مع الكيد بمعنى أدق (عار كيد تقابلها امرأة) ونعود إلى العار الهاجس الذي يسيطر على ذويها؛ خشية أن يسّود وجههم إن حصل حادث أو ربما عاشق يعبثُ بشرفها، فيضيع… وشرف الأمم يكون في جسدها وتحديداً الأعضاء التناسلية! ويؤكدون بمثل آخر لا يختلف عن سابقه: «البنت تجيب العار والعدو لباب الدار»، لم يكتفِ القانون الذكوري بـ(طلّع عارك من بيتك) بل زاد (تجيب العار والعدو) فمن أين يأتيان: العار والعداوة وهي حبيسة البيت؟ خاضعة للسلطة الأبوية؟ وما هو العار برأيهم التفريط بالعذرية؟ ومع من تضيع عذريتها أليست مع رجل يحمل أفكارهم ذاتها؟ هذه الازدواجية والتناقض هي داء المجتمعات التي لا دواء لها إلا القانون المدني الذي يحفظ حقّ المرأة، لأنَّ الجماعات البشرية في أغلب المجتمعات التي لا قانون فيها يحمي المرأة تريدها أن تكونَ ثوباً أبيض لا بقعة تلطخه بمعنى: «تستحي من عصافير النبكة» بمعنى امرأة شديدة الخجل إلى درجة العصافير الواقفة على شجرة السدر، لكن هل الخجل والحياء خاص بالمرأة دون الرجل؟ ألا ينبغي أن تكون هذه الصفة عند الاثنين؟ يظهر المثل الشعبي بأنه نسقٌ ثقافي يلسع المرأة من دون أن تشعر بمن لسعها، ويختفي في المجاز البلاغي.
كذلك يمكن قراءة المجتمعات عبر ما تقوله من أمثال: تحط وترفع من المرأة، والأولى كانت الأكثر رسوخاً في التقليل من شأنها إلى درجة العار والكيد صارا كناية عنها، فمتى نتخلى عن هذه الأمثلة ونضعها على رف عالٍ بجانب الأنتيكة من دون أن نستعملها؟
كاتبة من العراق
أحسنت يا موج وضعت الإصبع على الجرح وأصبت الطرح
قليلات من يستطعن التحدث بهذه الجرأة والموضوعية وسط مجتمع بينتِ فيه ان المرأة عار وخيبة وهي محبوسة في بيت اهلها ، فكيف ان ثارت ونطقت عن المسكوت عنه.. وكنت انتِ يا موج تلك الثائرة القوية احييك ايتها الجسر الذي ستمشي عليه النساء للعبور نحو الحرية