السمات التعبيرية
يدأب الشاعر دائماً الامساك بالدلالة من منظور يجعل اللغة التعبيرية الفنيّة معياراً، ولأنَّ الاستهلال مدخلٌ إلى الفن لتحقيق الهدف وتعميق الرؤية، وهذا أقصى ما يرمي إليه الشاعر (نجم خطاوي) ليجسّده في شعره، لذلك يلجأ طوعاً إلى الاستعارة من (توماس ترانسترومر) بقصد الاشادة بدوره الدلالي وتحقيق السمات التعبيرية باختيار مقطع استهلالي منه..
ما يعنينا في تتبّعنا المسألة أن تتبلور رؤية الشاعر في ظلِّ التعبيرية وتأصيل الاحساس بها لتشمل أسلوبه مع الاحتفاظ بالصيرورة الشعرية في ذلك الأفق من الرؤى والاستعارات والإيحاءات التي تولّد نهجاً يستبطن نبوءة الواقع عوض الكشف عنها في كيفية تحابي بها الأشياء الجمالية وتعالج بناء أفضية الحداثة لتخرجها عن أطر واقعيتها..
ومن هنا لا تعالجُ الواقعيةُ الصريحةُ موضوعاتٍ ابستمولوجيةً تحضّ على التأمّل العميق وتُفضي إلى سيمياء النص والولوج في آفاقه، ولذلك فإنّ الأُسلوب الشعري الواقعي عموماً يرصدُ الصورَ الفيزيقيّة الطبيعية أو حالات مماثلة لها لتجميع شظاياها المفتّتة في أمثلة تركيبية تؤسّس من ذلك المنظور أنماطاً ينتزعها الشاعرُ من واقعه في إطار تركيبي وصفي يقوّض اللغة كليّاً ويسلبها تلك الكثافة التعبيرية وحتى الرمزية التي تتحقّق في احتدام الصور الشعرية وكثافة بلاغتها المعهودة..
كلّما توغّلنا عميقاً في معجمِ (نجم خطاوي) أدركنا يقيناً أنَّ أعظم قيمة للفنّ لا ريب تكمن في جمالية أُسلوبه وماهية منظوره، إذا ما صنّفناه كشاعرٍ حداثي يحوز جواز سفر من طبيعة أخرى تعارضُ الصورةَ النمطيّة الاستهلاكية ووعي مقروئيتها وتحوّلاتها المتمثّلة بشكلها التقريري الصريح الذي يسوّغ نمطاً براغماتياً (pragmatism) دون وجود سلطة لغوية ترسم ملامحه، وطبيعيٌّ بعد ذلك أن يلجأ الشاعرُ من ذلك المنظور إلى خلق شكلٍ متفرّدٍ يحمل سماته الدلالية وانزياحه اللغوي المتولّد من رؤيةٍ تعبيريةٍ لا تسمحُ للبنية الخطابية الواقعية المباشرة بالتوغّل في أعطافه إلا لماماً، وهذا التفضيلُ الذي نعتمده يطابق المضمون الذي ارتأينا تبويب بنيته الشعرية ضمن مقاييس الحداثة وطبيعة اللغة التعبيرية الفنية كونها نزعة تحرّرية تقوم بإزاحة الأشكال المرئية وتفكيكها لتبني على أنقاضها شكلاً جديداً نظراً إلى انزياحاتها اللغوية وثوريتها لما تحمل من جمال فنّي باهر يمثّل منطلقاً إلى مآلات استطيقية تعتمد في تراكيبها على متكآت تحتفظ بمخزون ثقافي غير لغوي في معظم سياقاته ليسود الفكر بحمولاته الدلالية بدلاً من اسكتناه الفلسفة المعرفية وما وراء اللغة (Metalangue) أو يستقري الدهشة للتنقيب عن أنظمةٍ وخيالات ورؤى بدلاً من العلوم العربية واللسانيات وما تنبّئ عنه اللغة من مدلولات.
المدخل
ليس كلُّ شعر واقعيّ قادراً على إنجاز وظيفته بيسر، ولن يحسم الجدل الاشكالية، هذا ادّعاء ما دام الاحساس الجمالي بالأشياء يبقى منطوياً على بنية مألوفةٍ لا ندرك خاصيّتها وتنامي وظيفتها إلا في سياق يفجّر اللغة وإحالاتها الدلالية في عالم يحتلُّ فيه كمونُ الشعر فضاءً واسع الرؤية مولَّداً من منبع لساني يستشرف نبوءته..
ما يجتذبنا إلى الشعر خاصة ميكانزمُ اللغة وذلك مع مراعاة التحوّل الدلالي وكثافة التعابير التي تشمل المعرفة عموماً كمبدأ يرمي إليه الشاعرُ الجوهريّ لأنَّ نجاح كلّ شعر إنّما يرتهن بتحقيق الدلالة لتحصين بنيته وتقنين درجات الانزياح في سياقه اللغوي، وأفضل تجسيد لهذا المستوى تفرضه الصيرورةُ الدلاليةُ وتفرعاتها لتقوم بمنع نقل الأفكار المستهلكة والتوغّل في مجازاتها، لا جرمَ أنَّ التصوّر الدلالي يستلزم القرائن في ترسيخ قاعدة صارمة لابتكار عنوانات تواكب الحداثة، فالنص العميق في تعريف الفكر الشعري لا يدخل الغموض في موضوعه ولا حتى الوضوح يمكن أن يميّزه كمعطى استراتيجي تكون اللغة معياره، وهذا المنطقُ بالتحديد ما يقوّم الوظيفة الشعرية ويعزّزها من منظور لساني، وطبيعيٌّ أن يبقى الشعر عصيّاً على الفهم وأنَّ بنيته تعطي دوراً كبيراً للتعبير ليكثّف في دلالته مع أنّنا ندرك أنَّ التعبير النووي لا يمكن قياسه إلا بقوّة الدلالة والمعنى والرؤية في سياق يتّسع باتساع تطوّر البلاغة لأنّها جوهر كلّ شعر.
والحق أنَّ الشعر لا يكتسب بالضرورة صبغته الجمالية ليفرض وجوده من إنتاج وحدات ذات كيانات لغوية مغلوطة ولا من سمات معدومة المعنى ولا يحتفظ بالقوّة عموماً إلا في نطاق تراكيبه الاستعارية وتمايزه الدلالي.
الدهشة الشعرية
الملاحظ في هذه المجموعة الشعرية أنَّ التعبيرية الفنيّة تكاد تمثّل لغتها المنطوقة وكأنَّ هذه الرؤية تُصبح بوصلتها في اكتشاف المخبوء والمستور والمنظور والفراغ والمسافة، ويُعتقد أنَّ البنيةَ التعبيرية الفنيّة تستطيع أن تحتفظ بخاصيتها الجوهرية ولا تخرج من صلبها كتراكيب استطيقية غير محايدة، لكنّها لا تتخلّى في العمق عن سماتها الدلالية السائدة، ما دام الشعر يوحي إليها في سياقها ويؤلّف فنُّ الدهشة موضوعها الاستراتيجي وليس فنّ التفلسف الأيديولوجي، وعلى اللغة ألا تستغني عنها بتاتاً بوصفها قيمة لظاهرة جمالية شائعة تعبّر في كثافتها التعبيرية الرمزية عن قيم الحداثة.
ستتيحُ لنا هذه الدراسة النقدية مزيداً من الفهم لإعادة القراءات كفرصة لتأويل الوحدات الشعرية أو مراجعة النصوص لتمحيصها دون الإخلال بمعاييرها الفنيّة بغية الكشف عن معانيها الدلالية انطلاقاً من مقايسة الشعر في العراق بأنماط من خارجه، ولمعرفة مكمن الفرق بين صيغتين متناقضتين ونظراً إلى التجربة الشعرية وطبيعة النضال الثوري والخصائص الوجدانية في توحيد الكلمة بالوطن يضع الشاعرُ نفسه في فضاء غير بعيدٍ عن ملابسات المشهد العراقي، وهذا التفضيلُ الدلالي لم يمنعه البتّة من انتهاج صيغة تحتفظ بسماتٍ تعبيريةٍ كما يراها من منظوره، وبناء على ذلك فإنَّ القيمة الدلالية لأيِّ مؤلّف شعريّ تكمن في تمثيلاته المعرفية وطبيعة تكوينه الفكري ما يجعل كلّ سياق من واقع رؤيته كياناً خصباً قادراً على التوليد والتوضيب والإحالة ليكون معياراً في موضوع الشعرية كإطارٍ تمثّلُ الرؤى الفنيّة صيرورته ومحرّكه الطبيعي من منظور الشاعر اليقظ.
وإذا كان الشعرُ يرصد وحداتٍ تعبّرُ عنها أفعال غير لغوية متحلّلة فكرياً في سياق رؤية غير متطوّرة تتقاطع الحقبَ الزمنية وتنفصل عنها، فذلك نظراً إلى خصوصية لم تتوفّر بالضرورة على سمة تفرضها معطيات الواقع وتتجاذب وإيّاها صيرورتها في تمثيلات درامية تمسّ السمات اللغوية التي تخصّ الشعر من حيث الجوهر والعناصر التي تكوّنه من حيث المعنى، لذا سيكون من حقّنا أن ننتقدَ ظاهرةً فرديّةً صارت من منظور النقد نهجاً، ومن هنا فلا بدَّ من الاشارة إلى أنماط بدأت تغزو المشهد الشعري وتصوغُ جوهره، والحجّة أنَّ الواقعية الاستهلاكية النمطيّة تساير الواقع وتلبّي أذواق القرّاء انطلاقاً من رؤية ضبابية حتى دون أن يكون لورودها مسوّغٌ يتضمّن قيمةً فنيّةً توازي حلم الحداثة، وطبيعيٌّ بعد ذلك ألا نسلّم بهذا المنظور الذي يخلق كينونةً معبّرةً في جوهرها عن معنى خارج طبيعته، وقد نستطيع أن نعزو هذه المثالب النظرية إلى أسلوب النَظم الذي يحظى برعاية من المؤسّسة ومن الماورائيات أو الميتافيزيقيا (Metaphysics) ليغدو تياراً انفعالياً في أغلبه ويكتفي بدور تتكوّن بناهُ من رؤى متعالية لن تبقى فيها اللغةُ الجوهر والصيرورة والخاصيّة، لأنَّ ظاهرة النَظم إطلاقاً لا تواكبُ القيمَ الجماليةَ الحديثةَ في سياق معانيها وطبيعة انزياحاتها.
تنطلق هذه الاشكالية من تأثير يكشفُ عن شططٍ فكريّ، وأوّل مظاهر التأثير يشفُّ عن انحسارٍ يشمل تراكيب قصيدة النثر في المنظومة الجمالية، لذلك تضحى التراكيب من منظور الشعرية ظواهر بلا خصائص وسمات لا في سياقاتها الأدبية ولا في بناها اللغوية، وصار لزاماً عليها في الوعي أن تنتصر للحداثة المتعمّقة في روح الأدب لا أن تنكفئَ في برجها العاجي ويخبو بريقها كمركز للتعبير داخل اللغة وفي صلبها بالتغّم نفسه، وهكذا وجدَ الشاعرُ النمطيُّ نفسه مورّطاً في الابتذال والتجريد والضبابية، وكيفما كان فهمه للشعر يظلّ في نطاق هذا المفهوم شكلاً محضاً لتجسيدٍ شعوري خارج اختصاصه الفنيّ ومواهبه التي خاطر بها.
الفن والاستعارة
وإذا كانت الرؤية الاستطيقية معياراً للفن، إذاً فلا بدَّ من الاعتراف ضمناً أنَّ الشعرية الحديثة انطلاقاً من النظرة الجمالية تسمحُ بإبراز النصوص الاستعارية استجابة لمبدأ التطوّر في مقابل صخب الشعر وزيفه، وليس على الشاعر الجوهريّ إلا ما يلزمه على التريّث في انسراح خياله بغية ابتكار صيغة توليدية مكتنزة وتأمّليّة تعاكس الأُنموذج السائد وتوائم الحداثة لتكشف عن وحدات قويّةٍ مقايسة بما يحقّق الشعر العالمي من نجاح لا مِراء فيه بفضل تنوّع سماته اللغوية ولاستقائه من منابع ذات مغزى إنساني مكثّف.
وانطلاقاً من هذا المنظور أنَّ المجموعة الشعرية توحي إيحاءً شديداً إلى كيانٍ ثوريٍّ يستنطق النضال بالكلمة والرصاصة، وقد تزداد عبقرية الشاعر في وعيه الفنيّ المتحقّق من قرينة الاستعارة (بالبنية التصوّرية) بما يتلاءم وحلمه وفكره وطبيعة انتمائه إلى الطبقة البروليتارية وتزايد وعيه النضالي وذلك ما يندر وجوده عند آخرين، ما يجعل شعره الحداثي يتجاوز المرحلةَ التأسيسيةَ لما انتهت عندها الأشكال الشعرية المسؤولة عن حقبةٍ متأخّرة، وواضح كذلك فإنَّ كلّ تصوّرٍ للوعي السائد لا يقتضي الأخذ به وجوباً لاختبار الحداثة في مرحلتها المتطوّرة.
ولا غرو أن يفرزَ الواقعُ الشعريُّ نمطاً جديداً من الظواهر الفنيّة ما يناقضُ المنطق القديم ويتحدّاه في صميمه ليبقى مقرّباً استطيقيّاً من مناهل الابيجراما (Epigramma) ومن جوهرها الخالد وهو المنظور الذي نستشرفهُ في رؤية الشاعر وصيرورة القصيدة القصيرة ومستواها الدلالي.
كاتب عراقي
فقط كلمة لكن ادا سمحتم لنا شكرا لكم ومن باب المحبة لشعر لكن في صوره الجميلة المعطرة بالحب والنغمات الموسيقية الهادئة أقول تحت ظل هد ا الموضوع الفني الثقافي التحليلي ان صحت الكلمة شكرا لكم وكدالك الكاتب المحترم الشاعر ورغم أننا لسنا من ركاب سفينة الشعر الكبرى نقول الشاعر ادا رسم قصيدة شعرية يصف فيها حالته فهي تمثل وجهه وادا رسم قصيدة شعرية يصف فيها صورة من صور الطبيعة فهي تمثل وجهها لاوجهه .
أشكرك جدا أنت تبثّ الجمال في هذا الفضاء