المحاكم المغربية ترخّص سنويا 11 ألف طلب زواج للقاصرين

حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: على الرغم من إحراز قانون الأسرة المغربي طفرة نوعية وتقدما كبيرا في تحقيق الالتحام الأسري ورأب الصدع الذي قد ينبثق عن الزواج، فإن الممارسة المهنية والتطبيق العملي لبعض مقتضياتها على مدى 18 سنة من التطبيق، أظهرا أن ما حمله بعض من أحكامها لم يعد يتلاءم مع وتيرة التطور المجتمعي، مثلما لاحظ المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وسجل أن الحاجة إلى مراجعة القانون المذكور تجسدت أكثر مع بزوغ جيل جديد من الحقوق والحريات، تُرجم في دستور سنة 2011، خاصة ما أفرده في مجال حماية الأسرة وكذلك تكريسه لأول مرة لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع المحلي، بما يتوافق والنموذج الحقوقي للمغرب. ومن ثم أصبح لزاما ملاءمة قانون الأسرة مع المقتضيات الدستورية والدولية، تحقيقا لتشريع أسري فعال وناجع؛ وهو ما تعكف عليه حاليا اللجنة المشتركة التي عيّنها العاهل المغربي، في أفق الخروج بصيغة جديدة للقانون المذكور خلال ستة شهور.
المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر تقريرا حول القضاء الأسري في المغرب، تمت الاستعانة في إعداده بمعطيات وإحصائيات تهمّ أقسام قضاء الأسرة خلال الفترة الممتدة من 2017 التي شهدت تنصيب المجلس المذكور إلى غاية متم سنة 2021، وذلك على مستوى غالبية المحاكم الابتدائية، وعددها 72 محكمة، أي بما يقارب 99% من مجموع المحاكم الابتدائية التي تبت في قضايا الأسرة.
من أبرز النقاط التي يتضمنها التقرير الذي حصلت «القدس العربي» على نسخة منه، قضايا زواج القاصرين، حيث شهدت المحاكم خلال الفترة ما بين 2017 و2021 تسجيل 128391 طلبا للإذن بزواج القاصر، بمعدل سنوي قدره 25678 طلبا.
ويظهر أن نسبة طلبات زواج القاصر المقدمة إلى المحاكم خلال السنوات الخمس موضوع هذا التقرير ناهزت 10,88 في المئة (معدل سنوي 25678 طلبا لزواج القاصر من بين معدل يوازي حوالى 235846 طلبا للزواج.) غير أن المحاكم لم تقبل جميع الطلبات المقدمة إليها، ما أدى إلى انحسار نسبة طلبات زواج القاصر في حدود 46 في المئة من طلبات زواج القاصر المقدمة للقضاء والتي تمثل 5 في المئة من مجموع عدد طلبات الزواج المقدمة للمحاكم. أي أن معدل زيجات القاصرين التي أذنت بها المحاكم كان في حدود 11812 إذنا كل سنة.
ويسجل التقرير أن الإحصائيات المذكورة قد لا تعبر بالضرورة عن العدد الحقيقي لحالات زواج القاصرين، باعتبار أن بعض الزيجات قد يتم دون توثيقها أو تقديم طلبات بشأنها إلى المحاكم، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء استمرار تزويج القاصرين. وحسب دراسة ميدانية أعدتها رئاسة النيابة العامة في هذا الصدد، تساهم الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشها بعض الأسر في الدفع في اتجاه تزويج الفتيات بشكل مبكر، حيث خلصت الدراسة المشار إليها أعلاه إلى أن زواج القاصر ينتشر بشكل أوسع في الأوساط الفقيرة والهشة التي تنتشر فيها الأمية والجهل، والتي تتسم في الغالب بمحدودية دخلها ونشاطها في القطاع غير المنظم.
وهو ما يدفع بالأسر التي تنتمي لهذه الأوساط إلى تزويج الفتيات القاصرات بهدف وضع حد للمصاريف المتعلقة بهن أو حتى بهدف تحصيل مداخيل إضافية سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها بعد الزواج بشكل مناسباتي بنسبة 54,73 في المئة، أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها بنسبة 38,69 في المئة.
وتطرق التقرير إلى العوامل الثقافية التي تؤدي إلى هذا النوع من الزواج، إذ أشار إلى أن الأوساط التي تعرف عددا كبيرا من حالات تزويج الفتيات القاصرات بشكل مبكر، تتمسك بالصور النمطية التقليدية التي تحصر دور المرأة في الاعتناء بالبيت ورعاية الأبناء. وفي هذا السياق الثقافي ينمو الزواج المبكر ويتكاثر، فتصبح الأعراف والتقاليد هي الدافع الرئيس له، فقد وصلت نسبته إلى 44,08 في المئة.
من جانب آخر، تؤثر خصائص ومميزات الوسط الأسري الذي تنتمي له الفتيات القاصرات اللواتي جرى تزويجهن بشكل مبكر في تنامي هذه الظاهرة، حيث أبانت المعطيات الإحصائية الواردة في الدراسة الميدانية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أنه كلما غاب الاستقرار والتفاهم والتوازن داخل الأسرة، إلا وارتفعت احتمالية تزويج الفتاة القاصر فيها، حيث بلغت نسبة القاصرات اللواتي نشأن في وسط غير مستقر 74.30 في المئة من مجموع الفتيات المتزوجات بشكل مبكر، بينما تنخفض هذه النسبة بشكل كبير في الأسر التي يسود فيها التفاهم والتعاون ويتشارك كل أفرادها في اتخاذ القرار.
وقد خلصت الدراسة إلى أن «نسبة مهمة من الفتيات المقبلات على الزواج المبكر، كن يعانين من عدم الاستقرار الأسري، إما بسبب وفاة أحد الأبوين أو طلاقهما، أو هجر أحدهما المنزل أو معاناته من إعاقة. وسجلت أيضا أن أغلب أسر القاصرات تغيب عنها فكرة تنظيم النسل، فتعرف ارتفاعا كبيرا في عدد أفرادها، وبين هؤلاء تكون نسبة الإناث مرتفعة أكثر بالمقارنة مع الذكور.
وكشفت الدراسة من جانب آخر، أن زواج القاصر ينتشر بشكل أكبر في الأوساط ذات المستوى التعليمي المتدني والمحدود، حيث أبان التحليل الذي أجري على القاصر وأسرتها والخاطب أنه «كلما ارتفع المستوى التعليمي للقاصر وأسرتها وللخاطب أيضا إلا وانخفضت نسبة الزواج المبكر، وبالتالي فإن الزواج المبكر يدخل في علاقة عكسية مع المستوى التعليمي، فكلما ارتفع أحدهما انخفض الثاني، وهكذا فأغلب حالات هذا الزواج تتم في وسط مستواه التعليمي متدن لم يتجاوز في الغالب المستوى الابتدائي؛ دون إغفال إشكالية الهدر المدرسي والتي اعتبرتها الدراسة بمثابة الرافد الأساسي لزواج القاصرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية