المرحلة الثانية من الصفقة.. بين “نوبل ترامب” وأحلام اليمين المتطرف

حجم الخط
0

فجر الخميس، عندما ظهر وكأن المفاوضات على صفقة التبادل منتهية، ظهرت في قطر مشكلة أخرى في اللحظة الأخيرة. وحسب رواية مكتب رئيس الحكومة، فإن حماس التي تعهدت بإعطاء حق فيتو إسرائيلي على هوية جزء من كبار المخربين الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة، تراجعت عن ذلك.

أمر نتنياهو البعثة في الدوحة بالتصميم على ذلك، لكن ظهرت في هذه الأثناء عوائق أخرى، من بينها نقاشات حول أسماء سجناء معينين، الذين طلبت حماس إطلاق سراحهم. حتى المساء، بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة للتغلب عليها والتمكين من الإعلان النهائي عن الصفقة. عند الفجر، أعلن مكتب رئيس الحكومة بأن المشكلة سويت نهائياً، ويتوقع في هذا الصباح عقد الكابنت للمصادقة على الاتفاق.

قبل ذلك، ازدادت معارضة داخل إسرائيل، أحزاب اليمين المتطرف عادت إلى نشاطها الفعال لتخريب المفاوضات. لم تكن هناك انباء حقيقية في كل هذه التطورات، باستثناء إضافة الحزن والقلق اللذين لا حاجة إليهما لعائلات المخطوفين. ولكن كان يمكننا معرفة أن هذا هو الشرق الأوسط لو لم تتشوش الأمور قبل لحظة من التوصل إلى الاتفاق؟.

بقيت تخوفات أخرى الآن. المخطوفون من المرحلة الأولى في الصفقة الحالية سيعودون إلى بيوتهم رويداً رويداً من الأحد القادم. ربما يكون لدينا تعذيب صيني من جديد كل مرة. من الواضح أن بعضهم سيعودون في حالة جسدية ونفسية صعبة. ستثور مشاكل معينة حول كل نبضة صغيرة من التطبيق، وهذه ليست القلق الأساسي. العائق رقم 1 ينتظر استكمال المرحلة الأولى، بعد ستة أسابيع على بدء تطبيق الصفقة. عندها، في المرحلة الثانية، سيبقى في القطاع 65 مخطوفاً، نصفهم وأكثر ليسوا على قيد الحياة.

قد تحدث صعوبات كثيرة: هل تفي حماس بتعهدها وإعادتهم جميعهم؟ هل تنجح في العثور على كل جثث المخطوفين؟ إضافة إلى ذلك، هل لدى الطرفين، نتنياهو من جهة ورئيس حماس في القطاع محمد السنوار من جهة أخرى، مصلحة في الوفاء بتعهداتهما للأمريكيين وتنفيذ الصفقة بالكامل؟ نتنياهو تجاوز بذلك كل تصريحاته السابقة عندما تعهد بعدم ترك محور فيلادلفيا وممر نتساريم وعدم وقف الحرب قبل تدمير سلطة حماس. بالنسبة للسنوار، فعليه التنازل عن بوليصة التأمين الأفضل لديه، وحزام الأمان خاصته: المخطوفون.

القلق يقسم هيئة المخطوفين الآن بين عائلات الذين سيفرج عنهم في المرحلة الأولى، وبين عائلات الذين سيتم الإفراج عنهم في المرحلة الثانية، والخوف من تعثر تحرير أعزائهم. تم تسجيل إنجاز كبير لإسرائيل في القسم الأخير من المفاوضات: من المفروض أن يعود عشرة رجال أحياء تحت سن الخمسين في المرحلة الأولى، بسبب حالتهم الصحية الخطيرة. ولكن لا أحد يمكنه ضمان وفاء حماس بتعهدها وتنفيذ المرحلة الثانية أيضاً. كثيرون يشككون بنوايا نتنياهو مثلما برهن على ذلك سلوكه أمس. وقيادة جهاز الأمن تشكك باعتباراته. ألا توجد لعبة سياسية، تستهدف لمؤيديه في القاعدة إظهار أنه لم يستسلم بسهولة؟.

في النهاية، من يحسم الأمور هو الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب. يطرح تأثيره على الاتفاق الآن كنوع من قوى الطبيعة التي لا يمكن كبحها. كل ما حاول تحقيقه الرئيس التارك بايدن عبثاً بطريقة ودية، يحققه ترامب الآن بالقوة المطلقة التي وضعها أمام الطرفين وأمام دول الوساطة. أهداف ترامب السامية تشمل اتفاقات إقليمية – فرض حل لكبح المشروع النووي الإيراني بدون الحاجة إلى هجوم أمريكي – إسرائيلي مشترك؛ وتحالف مربح للولايات المتحدة (وعائلة ترامب) مع السعودية؛ وتطبيع بين السعودية وإسرائيل.

كل ذلك يجب أن يحدث بسرعة. لا يملك ترامب الكثير من الصبر حول التفاصيل الصغيرة. في النهاية، تنتظره – حسب رأيه – جائزة نوبل للسلام. وهو يلمح لإسرائيل بأنه من الأفضل السير مع خططه. الموضوع أن هذا التقدم مرهون بدفع ضريبة كلامية على الأقل لحلم الدولتين. التوقيت الذي يقتضيه هذا الأمر سيكون صعباً، ليس فقط من ناحية معسكر اليمين. الكثير من الإسرائيليين يناوئون الآن فكرة الدولة الفلسطينية، ويتساءلون هل هذه هي الهدية التي سيحصل عليها الفلسطينيون عن المذبحة الفظيعة في 7 أكتوبر؟.

اليمين مجموعة مسيحانية تريد مواصلة الحرب وضم الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة الاستيطان في شمال القطاع. في الأسبوع الأخير، يشهد الأعضاء في هذه المجموعة يقظة مؤلمة على واقع لم يسمع فيه ترامب عن أحلامهم. يتبين أن الزعماء ملأوا عقولهم بأحلام عبثية.

أنهت إسرائيل الحرب في الشمال بانتصار واضح على حزب الله. لكنها حتى لم تترجم إلى واقع ثابت وإيجابي من ناحيتها في جنوب لبنان. بعد أسبوع تقريباً، ستنتهي الستين يوماً التي يجب أن ينتهي خلالها انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، وعقب ذلك يجب أن تتبلور قواعد وقف إطلاق النار بعيد المدى. حماس والفلسطينيون في غزة تعرضوا لضربة قاسية أكثر من حزب الله، لكنهم يرفضون تحمل المسؤولية عن ترتيبات الاستسلام. بالعكس، الفلسطينيين يحيكون الآن رواية جديدة تقول إن نظام حماس ما زال واقفاً على قدميه في نهاية الحرب، وهو الدليل على نجاح استراتيجية صموده ضد آلة الضغط العنيف الذي استخدمته إسرائيل.

إنهاء الحرب، إذا تحقق، سينعكس أيضاً على قيادة جهاز الأمن. طلب نتنياهو إنهاء التحقيقات واستقالات واسعة في قيادة الجيش سيدخل إلى حيز التنفيذ، لكن في الوقت نفسه سيطرح السؤال مجدداً: لماذا هو نفسه لا يستقيل بينما يحبس معظم الإسرائيليين الأنفاس على أمل الحصول على أنباء جيدة من قطر، ويستمر الانقلاب النظامي في المضي قدماً؟ هذا الأسبوع، صادقت الكنيست في جلسة ليلية على استمرار أعمال النهب، هذه المرة بواسطة قانون وظائف للحاخامات. وزير العدل ياريف لفين، ما زال ينشغل بتسويق تحركات شاملة ضد المحكمة العليا. مع ذلك، تظهر هذه الأمور وكأنها أنباء الأمس.

يحاول ترامب فرض تغيير على إسرائيل من الخارج، الأمر الذي لن ينهي الحرب فقط، بل سيقوض التحالفات القائمة هنا ويعيد تنظيم المستوى السياسي حسب خطوط عريضة مختلفة كلياً.

عاموس هرئيل

هآرتس 17/1/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية