يعيش المجتمع الإسرائيلي هذه الآونة حالة من القلق والخوف وعدم الشعور بالأمان والاستقرار، وصلت في بعض الأحيان إلى حالة من الهستيريا وفوبيا المقاومة عند الكثيرين، ما دفعهم إلى الخضوع لجلسات المعالجة النفسية. تعود هذه الحالة إلى تردي الوضع الأمني والعسكري والسياسي في الكيان الصهيوني، الذي شهد تسارعاً في الأحداث والتطورات، وتزايداً في التهديدات، بما يدفع إلى مزيدٍ من الانزلاق نحو صراعٍ مفتوح لا ينتهي بحربٍ محدودة، كما يراها الإسرائيليون، بل إلى حربٍ قد تكون شاملة وواسعة ومدمّرة.
ولعل العامل الحاسم والمؤثر في هذا التسارع هو التعنت المتواصل لرئيس وزراء الكيان نتنياهو، إزاء عقد صفقة تبادل الأسرى، وشن المزيد من المجازر ضد المدنيين، سواءً في قطاع غزة أو لبنان، وسعيه إلى شن عملية واسعة في الشمال، تحت ذريعة إعادة المستوطنين إلى بيوتهم، وتغيير الوضع هناك. ويندرج في هذا الإطار ما يخطط له الوزراء اليمينيون المتطرفون من توسيعٍ للاستيطان ومصادرة الأراضي، وما يرافق ذلك من عمليات القتل والتدمير الممنهج للبنى التحتية، والتهجير والاعتقال.
70% من الإسرائيليين يشعرون بأن الأمن مفقود، وبأن حياتهم باتت مهددة لأن «إسرائيل تواجه حرباً على عدة جبهات؛ ما يضع قدرات الجيش الإسرائيلي على المحك
ونقلاً عن القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، فإن نحو 70% من الإسرائيليين يشعرون بأن الأمن مفقود، وبأن حياتهم باتت مهددة لأن «إسرائيل» – حسب القناة – تواجه حرباً على عدة جبهات؛ ما يضع قدرات الجيش الإسرائيلي على المحك، خاصةً بعد مرور قرابة عامٍ على فشله الاستراتيجي في تحقيق أهدافه في غزة. تتلخص دلالات هذه المخاوف في الشارع الإسرائيلي بعدة عوامل أبرزها الرّد الإيراني «المنتظر طويلاً والذي لمّا يأتِ بعد» والذي أضحى هاجساً يؤرق حياتهم اليومية، ووضع كل أجهزة الدولة ومؤسساتها في حالة استنفار وتأهب. وثانيها عدم قدرة المنظومات الدفاعية الصاروخية الإسرائيلية على اعتراض الصاروخ اليمني الذي أصاب هدفه قرب مطار بن غوريون قاطعاً نحو 2040 كم، خلال إحدى عشرة دقيقة ونصف الدقيقة، وتأخر إطلاق صفارات الإنذار، وهذا ما يؤكد هشاشة قوة الردع الإسرائيلية وعدم قدرة الجيش على حماية المستوطنين. وثالث هذه العوامل التطور النوعي لعمليات المواجهة للمقاومة في الضفة وقطاع غزة التي رفعت فاتورة القتلى والمصابين الإسرائيليين، وأحبطت مخططات وأهداف الجيش الإسرائيلي. ورابعها تزايد المواجهات في جبهة الشمال، وإطلاق عشرات الصواريخ والمسيّرات على المواقع الإسرائيلية الحساسة، ومراكز القيادة والسيطرة والاستخبارات، وما نتج جرّاء ذلك من نزوح الآلاف من المستوطنين إلى الملاجئ والفنادق وتعطيل المدارس وشل جوانب الحياة كافة. وهناك خامساً المظاهرات الحاشدة والغاضبة في عدة مدن والتي شارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين المطالبين بوقف الحرب، وعقد صفقة التبادل لإعادة الأسرى، واستقالة نتنياهو وحكومة الحرب. ومما زاد القلق والمخاوف في صفوف الإسرائيليين، هو الخلاف المتفاقم بين نتنياهو وإدارة بايدن بشأن توسيع الحرب، وخطورة امتدادها إلى دول المنطقة؛ والتي حرصت الولايات المتحدة على أن تُبقيها مستقرةً وهادئة وتحت السيطرة. ولربما سحب المدمّرة الأمريكية روزفلت، زاد من المخاوف وبأن ذلك يبعث برسالة إلى الكيان مفادها أن القوات الأمريكية لن تتدخل في أية مواجهة جديدة في المنطقة؛ على الرغم من التطمينات التي أطلقها مسؤولون عسكريون أمريكيون بأن هذا لا يعني عدم أخذ تهديدات إيران بعين الاعتبار. وكان لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين من ضباط الاحتياط والقيادات العسكرية والأمنية والسياسية السابقين أمثال، بارك وأولمرت وإيتسحاق بريك وليبرمان وغيرهم، أثر بالغ في زيادة المخاوف والقلاقل لدى الإسرائيليين؛ خصوصاً ما ذُكر عن عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على الاستمرار في هذه الحرب، وفشله في تدمير قدرات حماس، والنقص الكبير في العدة والعتاد، وتهاوي الاقتصاد الإسرائيلي، وخطورة اتساع المواجهات على جبهات عدة مما يعرض الدولة العبرية إلى خطرٍ كارثي وجودي، وما دأب هؤلاء على المطالبة باستقالة نتنياهو وحكومته، وعزم قادة آخرين إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا سعياً جوهرياً في هذا الاتجاه لإنقاذ البلاد.
وكان للخلافات الداخلية والانقسامات بين مختلف المستويات العسكرية والسياسية والامنية، وما نتج عنها من استقالات واتهامات، وآخرها نية نتنياهو إقالة وزير الدفاع غالانت، نصيب وافر في تأجيج مخاوف المجتمع الإسرائيلي من فقدان الأمان والاستقرار. ومع اقتراب حلول الذكرى الأولى لبدء عملية طوفان الأقصى وما تحمله من خطر وتهديد متواصل للمستوطنين القريبين من غزة، ومن مناطق شمال الضفة الغربية، يزداد خوف هؤلاء من تعرّضهم لهجمات مماثلة على غرار ما حدث في السابع من أكتوبر. من ناحية أخرى، ما زاد وضع الشارع الإسرائيلي سوءاً وتأزماً هو ما أقدمت عليه دولة الإجرام بالأمس عند ارتكابها جريمة تفجير أجهزة الاتصال (البيجر) التي تعتبر شكلاً آخر من مجازر الإبادة الجماعية، راح ضحيتها اثنتي عشرة شهيدا وثلاثة آلاف جريح. وهذا ما يترتب عليه المزيد من الترقب والانتظار من جانب اللبنانيين، تقابله حالة هيستيرية واستنفار عسكري وسياسي وتقني لما ستؤول إليه الأمور شمالاً. كل هذه العوامل تلقي ظلالها على المشهد الإسرائيلي. فهل يغيّر حزب الله من معادلة المشاغلة والاستنزاف في مواصلة دعم وإسناد المقاومة إلى ردٍ قوي ساحق؟ أم أن «إسرائيل» ستبادر إلى عمليةٍ استباقية تؤدي إلى اتساع المواجهات إلى حربٍ تشمل المنطقة برمتها تشارك فيها كل ساحات المقاومة؟
من نافل القول، إن اندلاع مواجهة واسعة في الجبهة الشمالية يعني دق آخر مسمار في نعش إبرام صفقة تبادل الأسرى، حسب رأي الشارع الإسرائيلي. إن تمسك نتنياهو بشروطه التعجيزية ورفضه الانسحاب من محور فيلادلفيا لعقد هذه الصفقة، واستمرار إطلاق التهديدات سيزيد المشهد الإسرائيلي تأزماً، ويضع المنطقة على حافة الانفجار. وهذا يشكل أيضاً مصدر قلق لإدارة بايدن التي لا ترغب في توسيع الحرب إلى حرب إقليمية؛ لكونها في خضم الاستحقاق الانتخابي.
كاتب فلسطيني
اشهر قليلة وتنتهي رءاسة بايدن والذي من الموءمل ان تشهد تغيير في موقف الادارة الامريكية من الحرب الاسرائيلية على فلسطين. ولكن على الدول العربية والاسلامية العمل على دفع مجلس الأمن للامم المتحدة لاتخاذ قرار ملزم لوقف الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني وانسحاب اسراءيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وممارسة الدولة الفلسطينية سيادتها على كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة وتثبيت أسس السلام العادل في الشرق الأوسط.