تدرجت الدعوات السياسية الحضرمية على اختلاف المنابر، بما فيها المطالبة بدولة مستقلة لدرجة صار البعض يحمل راية سلطنة كانت قائمة في حضرموت قبل الاستقلال.
صنعاء ـ «القدس العربي»: تصاعدت مطالبات حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع في الشهور الأخيرة من مطالب خدمية تم ترجمتها في بيان «الجامع» في 13 تموز/يوليو، ومن ثم ارتفعت نبرة الخطاب وشملت مطالب سياسية، كما جاء في بيان «الحلف» في 31 تموز/يوليو، والذي تحدث عن «تثبيت حق حضرموت في ثرواتها ونفطها» متوعدًا «بوضع اليد على الأرض والثروة»؛ ليأتي بيان «الحلف» في 27 تشرين الأول/أكتوبر مؤكدًا استمرار التصعيد حتى «تحقيق الحكم الذاتي» لحضرموت باعتباره «حاجة ملحة».
وتدرجت الدعوات السياسية الحضرمية على اختلاف المنابر، التي عبّرت عنها في السنوات الأخيرة، بما فيها المطالبة بدولة حضرمية مستقلة لدرجة صار البعض يحمل راية سلطنة كانت قائمة في حضرموت قبل الاستقلال، ويتم معه الاحتفاء بنشيد وطني مغاير للنشيد الوطني للبلاد، فيما هناك أصوات تطالب باعتماد حضرموت إقليمًا مستقلًا إداريًا ضمن دولة اتحادية، كما ورد في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم 2014 على أن يضم ذلك الإقليم محافظات حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى، لاحقا ظهرت الدعوة لمنح حضرموت حكما ذاتيا كإقليم مستقل في سياق ما هو قائم حاليًا من شتات يمني.
وظهر بالتزامن مع تلك الدعوات مجلس حضرموت الوطني بدعم من الرياض في العام 2023 لكن هذا المجلس انحصر نطاق اختصاصه السياسي بحدود محافظة حضرموت فقط، وهو ما لبى دعوة بعض الحضارم الذين يتحدثون عن حق أبناء المحافظة في ثرواتهم النفطية والإدارة الذاتية لشؤونهم. وكانت الحكومة المركزية قد منحت حضرموت نسبة 20 في المئة من عائدات مبيعات نفط حقولها، وارتفعت هذه النسبة لاحقا إلى 25 في المئة قبل توقف التصدير منذ تشرين الأول/اكتوبر 2022 بفعل هجمات «أنصار الله» (الحوثيون).
ومن أجل تعزيز رؤية امتداد إقليم حضرموت ليشمل محافظات (حضرموت، شبوة، المهرة، وسقطرى) ظهرت دعوات باسم إقليم المحافظات الشرقية، أو الإقليم الشرقي، على أن يكون مرتكزه محافظة حضرموت، في ظل حساسية المحافظات الشرقية الأخرى من التماهي ضمن إقليم يحمل اسم إقليم حضرموت، وهو ما تم معالجته في مكون سياسي ظهر عقب ظهور مجلس حضرموت الوطني بفترة قصيرة؛ وعُرف بـ«المجلس الموحد للمحافظات الشرقية» الذي يطالب بإقليم المحافظات الشرقية، ويضم المحافظات الأربع سالفة الذكر، باعتبارها تتمتع بمشتركات عديدة ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. وأكدَّ بيان هذا المجلس، الذي تأسس مستهل العام 2024 أنه «سيكون مشروعًا سياسيًا ومجتمعيًا فاعلًا ورافعة للإقليم الواعد، ومصدر إلهام لبقية المحافظات» ويهدف «إلى تعزيز الندية والشراكة في إدارة السلطة».
إزاء دعوة الإقليم الشرقي ظهرت أصوات في محافظتي شبوة والمهرة ترفض دعوة هذا الإقليم، وفي مقدمة الرافضين برز المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، حيث أعلن رئيسه، محمد عبد الله آل عفرار، رفضه أن تكون المهرة وسقطرى جزءًا من الإقليم الشرقي، مؤكدًا مطالبتهم بإقليم خاص بالمهرة وسقطرى؛ وهو ما أوضحه في مقابلة مع «القدس العربي» في وقت سابق.
قبل أن نتحدث عن ماهية الحكم الذاتي الذي يطالب به حلف قبائل حضرموت، ما زال السؤال قائمًا: ما هي حدود أقليم حضرموت، الذي يتطلع الحلف أن يتمتع بالحكم الذاتي، هل هو إقليم محافظة حضرموت بجغرافيتها الراهنة، أم إقليم حضرموت، كما تضمنته أدبيات مؤتمر الحوار الوطني، الذي يضم محافظات شبوة والمهرة وسقطرى بجانب حضرموت؟ وفي حال كان الأخير فإن المسألة تحتاج إعادة نظر؛ لأن المطالبة بالحكم الذاتي، في حال افترضنا وضعًا مستقرًا تتوفر فيه دولة يمنية متكاملة السيادة والإدارة ودستور يكفل تحقق هكذا مطالب، لابد أن تعبر عنه غالبية مكونات المحافظات الأربع، وفي حال كان في حدود جغرافية محافظة حضرموت الحالية، فهذا المطلب يتعارض كلية مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وسيفتح الباب لمحافظات أخرى تطالب نفس المطلب، وقبل هذا وبعده، لا يوجد نص في الدستور اليمني الحالي ينص على منح حكم ذاتي لأي محافظة، أما إقليم فلا يوجد في اليمن تقسيم إقليمي في الوقت الراهن كما لا يتوفر توضيح قانوني لماهية الحكم الذاتي المطلوب؛ مع الايمان بحق أي مكون أن يطلب ما يراه متفقا مع قناعاته وقناعات من يمثلهم؛ ويبقى الفيصل هو وجود دولة حقيقية ودستور فاعل وسيادة كاملة لقرار الدولة في مناخ مستقر.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ذلك: ما حيثيات منح الحكم الذاتي لأي جغرافيا؟ وهل المرحلة الراهنة مناسبة لطرح مثل هذا؟ وهل هذا هو الحل المناسب؟ وماذا يحتاج مثل هذا الحل ليكون واقعًا وإيجابيًا لصالح مكون الدولة؟
يقول عادل دشيلة، وهو باحث بمركز الشرق أوسطي للأبحاث، جامعة كولومبيا، لـ «القدس العربي» إن «الحكم الذاتي يُمنح لأقلية عرقية أو قومية تختلف عن باقي مكونات الشعب؛ وذلك من أجل الحفاظ على سيادة الدولة ووحدة ترابها الوطني، ومن أجل معالجة النزعة الانفصالية عند أقلية ما، كما هو الوضع في الحالة العراقية، وتحديدًا في حال إقليم كردستان العراق، وأيضًا الحالة المغربية من أجل استيعاب التيار الانفصالي في أقليم الصحراء المغربي».
ويقول: «بالنسبة لنا في اليمن، لا توجد أقلية عرقية أو قومية تختلف عن باقي الشعب، حتى تُمنح الحكم الذاتي، ومثل هكذا مطالب سيفتح الباب لمحافظات أخرى تطالب بالحكم الذاتي، وبالنسبة لحضرموت فلديها خصوصية، وهذا صحيح، لكن كل المحافظات لديها خصوصية، ولكن أبناء هذه المحافظة أو من يدير هذا التوجه يرى أن حضرموت واسعة جغرافيًا ولديها موارد، وبالتالي هم يرون أنه يجب أن يكون هناك حكم ذاتي لهذه المحافظة يجعلها تدير نفسها، لكن السؤال ما هو نوع هذا الحكم الذاتي؟ هل هو حكم ذاتي في إطار دولة اتحادية؟ أم دولة مركزية؟ وكيف سيتم التعامل مع الدولة المركزية أو الاتحادية؟ وهل هناك قانون ينظم مثل هكذا حكم؟ وهل هذا الحكم الذاتي هو في الجانب الإداري، أم في الجانب التنفيذي، أم في الجانب المالي، أم أنه يشمل الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية؟».
ويرى دشيلة، أن فشل الدولة في الحفاظ على وحدة البلاد، وظهور الجماعات المسلحة، ممثلة في جماعات ما دون الدولة في أكثر من مكان، هو ما أدى إلى ظهور مثل هذه الأصوات، التي تطالب بالحكم الذاتي. «الحضرمي يستبق الأحداث ضد القوى التي تحاول إعادة تشكيل الخريطة السياسية بالقوة العسكرية سواء جنوبا أو شمالا بهذه المطالب».
وأشار إلى ما اسماه التوجه الإقليمي تجاه اليمن، الذي لم يعد خافيًا على أي طرف محلي، «فهناك توجه إقليمي واضح، وهذا التوجه بكل تأكيد ليس في صالح سلامة سيادة الأراضي اليمنية، وإقامة نظام سياسي قوي يحكم البلاد بالنظام والقانون، ومن يقول غير هذا الكلام فهو كمن يحرث في الماء، لكن ما هي خطة القوى اليمنية في الداخل؟ لا توجد رؤية للحل لدى القوى اليمنية لا شمالا ولا جنوبا، وحتى من يطالب بالحكم الذاتي لا يوجد لديهم رؤية لحل الاشكالية اليمنية».
وخلص إلى أنه «من الطبيعي أن نشهد في اليمن مثل هذه المطالب، لكن هل هذه المطالب ستكون حلا لمشاكل اليمنيين شمالا وجنوبا؟ لا أعتقد ذلك، بل ستفتح الباب على مصراعيه لصراعات أكثر دموية مما هو حاصل، ولهذا الحل في اليمن هو في وجود دولة قوية تحافظ على مصالح اليمنيين، ومستقبلا بالإمكان الحوار والحديث عن نوع الحكم».