هناك حديث عن إمكانية إجراء حوار وطني في القريب بين السلطة والمعارضة والمنظمات الوطنية الفاعلة لتجاوز الخلافات وتحصين الجبهة الداخلية بوجه الرياح العاتية التي تهب على المنطقة.
تونس ـ «القدس العربي»: عاد الحراك المعارض للسلطة في تونس إلى النشاط بمناسبة العيد السابق للثورة التونسية، أي يوم 14 كانون الثاني/يناير من كل عام وهو التاريخ الذي غادر فيه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تونس باتجاه المملكة العربية السعودية بسبب الضغط الشعبي. فقد وجدت التظاهرات الاحتجاجية يومها قمعا من قبل السلطة الحاكمة بشارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة رغم الوعود بإطلاق الحريات في آخر خطاب ألقاه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ولم يجد التفاعل الإيجابي الذي أمل به من قبل المحتجين.
وكان الرئيس الحالي قيس سعيد قام بتغيير عيد الثورة من ذلك التاريخ المشار إليه، إلى 17 كانون الأول/ديسمبر وهو التاريخ الذي اندلعت فيه الاحتجاجات على نظام بن علي في مدينة سيدي بوزيد بوسط البلاد، والتي رفعت شعارات وقع تبنيها لاحقا من قبل متظاهري باقي الولايات. واعتبر سعيد أن التأريخ للثورات يبدأ من يوم اندلاعها لا من يوم تتويجها، وأن تاريخ اندلاع الاحتجاجات في سيدي بوزيد كانت فيه الثورة شأنا وطنيا صرفا، لكن تأريخ التتويج، الذي تحتفل فيه المعارضة اليوم، تدخلت فيه أياد خارجية قامت برأيه بالسطو على ثورة الشعب ووجهتها نحو الوجهة التي أرادتها.
وللإشارة فإن المعارضة التونسية باتت في السنوات القليلة الماضية تتظاهر في هذا التاريخ بالنظر إلى رمزيته باعتبارها ترى أن البلد تخلص من النظام المشار إليه ودشن لمرحلة جديدة في تاريخه خصصها للبناء الديمقراطي. وبالتالي فإن رمزية ذلك التاريخ بنظرها لا يمكن أن تضاهيها رمزية أخرى، حيث دشن التونسيون في ذلك التاريخ عصر الديمقراطية والحريات وترسخ حقوق الإنسان واقعا في البلد وليس شعارات كما كان الأمر في عصر الديكتاتورية.
وذهب البعض من المنتمين إلى المعارضة إلى حد المطالبة باستبدال اسم شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد تظاهرات كانون الثاني/يناير 2011 بشارع الثورة، وهو الشارع الذي كان اسمه شارع البحرية عند تشييده في العهد الملكي الحسيني، ثم أطلق عليه المستعمر الفرنسي شارع «جول فيري» نسبة إلى رئيس حكومة فرنسا الذي اتخذ قرار غزو تونس والإطباق عليها من الأراضي الجزائرية ومن البحر، لتنسبه دولة الاستقلال لاحقا إلى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وبالتالي فلهذا الشارع رمزية هامة لدى النخب التونسية في العاصمة التي يتهمها البعض بأنها قامت في بداية سنة 2011 بتلقف الحراك الشعبي الاجتماعي الذي انطلق في الجهات الداخلية المهمشة نهاية سنة 2010 وتحويل وجهته نحو مطالب سياسية جعلت سكان المناطق الداخلية يعانون إلى اليوم ولم تقع الاستجابة إلى مطالبهم في التشغيل والتنمية لحفظ الكرامة.
وكانت منظمة «هيومن رايتش ووتش» قد أعلنت في وقت سابق أنه يوجد في تونس أكثر من 170 شخصا موقوفين لأسباب سياسية أو بسبب ممارسة حقوقهم الأساسية على حد تعبيرها، وهي عادة مواقف تتبناها المنظمات الحقوقية التونسية وعلى رأس هذه المنظمات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وتكذب السلطات التونسية في العادة هذه الانتقادات الصادرة عن المنظمات الحقوقية وتعتبر أن من هم مودعون في سجونها من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين والمحامين وغيرهم هم سجناء حق عام ارتكبوا جرائم اقتضت تتبعهم عدليا وإيداعهم السجون.
الحريات والإفراج عن المساجين
تعتبر الاحتجاجات الأخيرة للمعارضة التونسية، التحرك الثاني اللافت للقوى المناوئة لرئيس الجمهورية وسياساته بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي وذلك بعد البيان الذي أصدرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. وكانت الأخيرة في بيانها المشار إليه قد طالبت النظام بعدم التضييق على الحريات وبإلغاء المرسوم عدد 54 الذي يضيق على حرية التعبير وإطلاق سراح سياسيين وإعلاميين، ومدونين ونقابيين ومتحزبين وغيرهم أودعوا بالسجون بسبب قضايا مختلفة.
وقد شارك أنصار المعارضة التونسية محتجين على سياسات الرئيس قيس سعيّد من خلال شعارات قاموا بترديدها مطالبين بالإفراج عن العديد من الموقوفين المنتمين إلى المعارضة أو المحسوبين عليها. ورفع المتظاهرون أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بمدينة تونس العاصمة صورا للموقوفين في حركة تضامنية عبروا من خلالها عن مساندتهم المطلقة لزملائهم ووقوفهم معهم في هذه المحنة.
وتطالب أطياف هامة من المعارضة بالوفاء لثورة 14 يناير 2011 وأهدافها ومنها التمتع بالحقوق والحريات وإرساء نظام تعددي يقوم على المؤسسات والفصل بين السلطات مع تنمية اقتصادية واجتماعية. وتطالب المعارضة أيضا السلطة بالدعوة إلى حوار وطني شامل يجمع كل الأطياف ولا يقصي أحدا ويساهم في حل مشاكل البلاد السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية.
ويشار إلى أن هناك حديثا عن إمكانية إجراء حوار وطني في القريب بين السلطة والمعارضة والمنظمات الوطنية الفاعلة لتجاوز الخلافات وتحصين الجبهة الداخلية بوجه الرياح العاتية التي تهب على المنطقة من كل حدب وصوب. لكن لم تؤكد أي جهة رسمية حصول هذا الحوار الذي دعا إليه في وقت سابق الاتحاد العام التونسي للشغل ولم يجد آذانا صاغية من قبل السلطة التي كانت ترى أن الحوار يجب أن يتم تحت قبة البرلمان وبين من انتخبهم الشعب باعتبار أن تونس خرجت من المرحلة الانتقالية ودخلت في مرحلة المؤسسات الدائمة التي فوضها الشعب لحل مشاكله من خلال صناديق الاقتراع.
ويلوم البعض على المعارضة التونسية عدم مشاركة أنصارها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وترك أنصار الرئيس قيس سعيد يتحولون فرادى تقريبا إلى صناديق الاقتراع وهو ما دعم حظوظ الرئيس لخلافة نفسه والحصول على ولاية رئاسية جديدة والفوز فوزا ساحقا منذ الدور الأول. فالأحزاب المعارضة بدا وكأنها لا تصوت إلا لمرشحيها ولا تساند المرشحين المستقلين أو من ينتمون إلى أحزاب أخرى ليست في تحالف معها وهو ما حصل مع عياشي الزمال الذي لم تصوت له أحزاب المعارضة شأنه شأن زهير المغزاوي.
عزوف شعبي
يرى الباحث السياسي وليد عبد المقصود في حديثه لـ«القدس العربي» أن ما يفسر الحضور غير الكبير عدديا لأنصار المعارضة أمام المسرح البلدي يوم 14كانون الثاني/يناير هو عزوف التونسيين عموما عن الشأن السياسي بعد خيبة الأمل التي أصيبوا بها جراء عدم تحسن أوضاعهم المعيشية بعد الثورة وجراء الفوضى التي شاهدوها طيلة السنوات التي تلت الثورة وهم الميالون إلى الهدوء والسكينة والاستقرار. فلو كانت التظاهرات تخص أنصار الموالاة، حسب محدثنا، ما كانوا ليخرجوا أيضا بأعداد كبيرة لأن الهم التونسي اليوم بات معيشيا بالأساس والكل يحبذ الذهاب للبحث عن قوت يومه وحل مشاكله مع مختلف الإدارات ومشاكل أطفاله الدراسية وغيرها، عوض التظاهر في الشارع والانخراط في العمل السياسي.
ويضيف محدثنا قائلا: «أن الحاجة إلى حوار وطني جدي يجمع كل الأطراف أمر ضروري اليوم في تونس حتى تكون الجبهة الداخلية موحدة وقادرة على الصمود بوجه الأخطار الخارجية الجمة في هذا المحيط الإقليمي المتقلب الذي يبدو أنه يشهد تحولات كبرى قد تغير من خريطته في قادم السنوات. وحسب ما رشح من أنباء يبدو أن هناك نية لإجراء مثل هكذا حوار لكن التوقيت والأطراف المشاركة والقضايا التي سيقع التطرق إليها ما زالت لم تعرف بعد، وكذلك مبدأ إجراء الحوار نفسه قد يتم التراجع عنه وليس هناك شيء مؤكد إلى حد الآن.
وتبقى برأيي مسألة المساجين من السياسيين والإعلاميين ورجال القانون والمدونين وغيرهم هي التي تسيء بالدرجة الأولى إلى العلاقة بين المعارضة والسلطة الحاكمة وهي العقبة الحقيقية التي تحول دون حصول تفاهمات بين هذا الطرف وذاك. ولربما لن تقبل بعض الأطراف الجلوس إلى بعضها البعض بسبب هذا الملف الذي بات حديث القاصي والداني ويسيء إلى سمعة تونس لدى بعض الدوائر في الخارج خاصة تلك التي تربط التعاملات الاقتصادية بالوضع الحقوقي وبمدى احترام البلد للحقوق والحريات والممارسة الديمقراطية وفي مقدمتها شريك تونس الأول والرئيسي أي الاتحاد الأوروبي».
لا أحد فوق القانون، هذا مبدأ راسخ لن يتراجع عنه الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي، في كل انحاء البلاد و بكل طباقاته الإجتماعية، من أسفل السُّلُّم إلى أعْلاه، فلا الإسم و لا الموقع و لا المال و لا الإستقواء بالخارج يستطيع أن يكون حصن منيع لمن اجرم في حق تونس ، هذا لا سبيل إلَيْه ..