صدر عن مطابع الرباط نيت في المغرب (2023) كتاب من القطع الصغير يقع في 79 صفحة، يحمل عنوان «من الرباط إلى جزيرة العبيد ملاحظات مواطن افريقي» للباحث المغربي المهتم بالشؤون الافريقية أشرف بولمقوس. ويتضمن ثلاث رحلات قام بها الكاتب على شكل محاولات تتحدى الموالية سابقاتها، منحت الكتاب نوعا من التشويق خلقه بولمقوس عبر تحدّيه لامتداد الأمكنة من الرباط إلى جزيرة العبيد في السنغال، مرورا بالصحراء المغربية والموريتانية وتحدّيه لنفسه أيضا.
كانت الرحلة الأولى من الرباط إلى أخفنير عبر «الأوتوستوب»، وبالوسيلة نفسها جاءت الثانية من الرباط إلى الداخلة، أما الرحلة الثالثة فكانت من الرباط إلى جزيرة العبيد، لكن هذه المرة على متن سيارة من نوع رونو 4، انطلاقاً من شغف يروم اقتحام المجالات والنبش في الثقافات، اقتضى من الكاتب اعتماد طريقة أساسها التشويق فعلاً وكتابة.
يلاحظ قارئ رحلات أشرف بولمقوس الثلاث، وجود مقومين مؤسسين لفعلي السفر وتلفيظه وهما التسلح بالمغامرة في تجربة السفر والرغبة في الاكتشاف في عملية تحويل هذه التجربة إلى نصوص رحلية.
1- روح المغامرة
تعدّ المغامرة واحدة من مقومات الرحلات عبر العصور، نظراً لكون النصوص الرحلية في أغلبها تحكي مغامرات أصحابها عبر الأمكنة والثقافات. وكان محرك أشرف بولمقوس في رحلاته الثلاث رغبة قوية في تجاوز المألوف في وجهات الرحالين، بالتوجه جنوبا في افريقيا، متسلّحا بروح المغامرة وتحدي الذات، رغم قلة حيلتها، والمكان بامتداده وطبيعته القاسية ومفاجآته، من خلال اختيار وسائل سفر محفوفة بالمخاطر؛ «الأوتوستوب» في الرحلتين الأولى والثانية والسفر عبر سيارة قديمة معرّضة للأعطاب في الرحلة الثالثة (وهو ما حصل فعلاً قبل الوصول إلى مدينة الداخلة)، دون اعتبار لما قد يخبّئه السّفر من محن ومفاجآت وأخطار.
جعلت روح المغامرة رحلات بولمقوس الثلاث مفتوحة على مجموعة من المفاجآت، بعضها ذاتي وبعضها فرضته طبيعة السفر ووسائله، وكان بعضها الآخر محكوما بطبيعة الأمكنة التي تم عبورها وأيضا طبيعة الأشخاص الذين التقاهم على امتداد سفره (مسافرون، ومكلفون بخدمات وموظفون…)، ليحكي لنا عن مجموعة من التجارب واجهها بمفرده أو بمساعدة آخرين.
تشير «المغامرة» إلى كل المخاطر التي واجهها أشرف بولمقوس قبْل وصوله إلى جزيرة العبيد، والحيل التي دبرها للخروج من أكثر المواقف خطورة (طبيعية أو بشرية)، والشجاعة المطلوبة لمواجهتها. وبالتالي كانت المغامرة عند الكاتب وسيلة لتحقيق رغبة الذات في تحدي نفسها، وفي تحقيق رحلة غير مسبوقة، وهو ما يسلط الضوء على البُعد الشخصي لرحلاته الثلاث. يتعلق الأمر بمغامرات لم يحالفها النجاح في الرحلة الأولى والثانية، لكنها كللت بالنجاح في المحاولة الثالثة، على الرغم من الصعوبات العديدة التي واجهتها نظرا لقوة رغبة الارتحال وشغف الاكتشاف.
2- شغف الاكتشاف
تتميز النّصوص الرحلية بكونها تقدّم تقارير عن الـ»هناك» تروم الاستكشاف والاكتشاف من قبَل مدوّنها والسعي إلى تقاسمه مع القراء. وبحكم ولعه بافريقيا وثقافاتها حرص أشرف بولمقوس على التقاط جملة من الملاحظات شملت مجموعة من المجالات. سجّل الكاتب على المستوى الاجتماعي عدة ملاحظات عن البطالة، والتهميش نتيجة غياب الاستثمار وانعكاساتها على الساكنة في مجموعة من المدن المغربية التي عبَرها. وعلى المستوى السياسي، أبدى ملاحظات عن العلاقات المغربية الموريتانية في ارتباط بقضية الصحراء من جهة، وعن العلاقات الموريتانية السنغالية من جهة أخرى، وأثر الاستعمار الفرنسي عليها وتبعات ذلك. وعن التقاليد والعادات، توقّف عند اللباس وطريقة تحضير الشاي وطقوس شربه في المغرب وفي موريتانيا، وفصّل الحديث عن بعض الأطعمة ومكوناتها، وكيفية تحضيرها في كل من موريتانيا والسنغال، دون نسيان الحديث عن الاحتفالات واللغة والعرق والدين في موريتانيا والسنغال والروابط الدموية بين الموريتانيين والمغاربة. وتوقّف أيضا عند مستوى الخدمات المقدمة للمسافرين على امتداد طريق الرحلة، وشملت طبيعة الطرق والمقاهي والمطاعم والفنادق، والأسواق وصرف العملة. كما لم يسكت عن سوء تعامل السلطات في المناطق الحدودية، المتمثل في التعامل المتشدد للعسكر الموريتاني، وبطء عمله والرشوة وغيرها من الظواهر كالنصب والاحتيال في المعبَر الحدودي بين السنغال وموريتانيا.
هكذا عمل أشرف بولمقوس على تلفيظ تجربة سفره برا نحو السنغال، مرورا بموريتانيا، عبر اعتماد أسلوب التشويق فرضته روح المغامرة التي كانت محركا ومحرضا على فعل الارتحال في تحد للذات والجغرافيا من جهة، والسعي إلى اكتشاف بعض الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والسياسية على طول مسار رحلته من الرباط إلى جزيرة العبيد في السنغال.
كاتب مغربي
شخصيا قرأت الكتاب وبصراحة أعجبتني طريقة سرد الكاتب لرحلته نحو السنيغال وما عاشه من مغامرات تجعل القارئ يعيش مع الاحداث.
انصح بقراءته خصوصا القراء اصحاب التشويق والمغامرات.