زادت التعديلات المحدودة من فجوة الثقة بين المواطنين والحكومة، ما يضعف قدرة الأخيرة على مواجهة التحديات المستقبلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها بعد حوالي سنتين.
الرباط ـ «القدس العربي»: ضمن أبرز الأحداث السياسية التي شهدها المغرب خلال عام 2024، طفح على السطح التعديل الحكومي الذي سعى إلى تعزيز أداء الجهاز التنفيذي وتجويد تنفيذ البرامج التنموية، وذلك في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متعددة تواجه البلاد.
وبرزت عدة أسباب وراء هذا التعديل، من بينها الحاجة إلى تحسين تنفيذ السياسات العمومية، وتعزيز ثقة المواطنين في الحكومة، ومواجهة الانتقادات المتعلقة بعدم تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية المعلنة.
وجاء التعديل في سياق يتسم بتحديات اقتصادية مثل ارتفاع التضخم وارتفاع معدلات البطالة، كما تزامن مع مطالب مجتمعية بتعزيز الكفاءة الحكومية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولتحقيق هذه الأهداف، شهدت الحكومة تغييرات شملت عدداً من الوزراء المسؤولين عن القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والزراعة، بالإضافة إلى تعيين كتاب دولة (وكلاء وزارات).
وأثار التعديل الحكومي موجة من الانتقادات وردود الفعل المحبطة بين الأوساط السياسية والشعبية، إذ وصفته أحزاب المعارضة بـ«الشكلي» وبأنه «لا يُعالج المشاكل الجوهرية التي تواجهها الحكومة»، كما اعتبرت أن التغيير شمل فقط أسماء محدودة ولم يقدّم رؤية جديدة لتحسين الأداء أو معالجة التحديات مثل ارتفاع المعيشة وأزمة التعليم والصحة. وعلى المستوى الشعبي، عمّت حالة من الإحباط بسبب بقاء العديد من الوزراء الذين اعتُبروا غير فعالين في مناصبهم، بينما لم يُلاحظ أي تحوّل ملموس في الاستراتيجيات الحكومية لمعالجة القضايا الكبرى، من قبيل البطالة وارتفاع الأسعار. كما انتقدت النقابات العمالية عدم إشراكها في صياغة أي سياسات جديدة، خاصة في ظل استمرار الغلاء وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وكما كان متوقعا، فقد استمر التوتر السياسي، ذلك أن التعديل الحكومي لم يُسهم في خفض حدة الانتقادات أو تحسين صورة الحكومة. كما زادت التعديلات المحدودة من فجوة الثقة بين المواطنين والحكومة، ما يضعف قدرة الأخيرة على مواجهة التحديات المستقبلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها بعد حوالي سنتين.
إن التعديل الحكومي في المغرب، رغم كونه شكل فرصة لإعادة تصحيح المسار، أصبح موضوعًا للجدل حول مدى جدية الحكومة في تحقيق الإصلاحات الموعودة، والحال أن بقاء قطاعات حيوية كبرى على حالها، دون تغييرات ملموسة، يضع الحكومة أمام تحديات متزايدة لاستعادة الثقة الشعبية.
وبما أن «المشكلات لا تأتي فرادى»، على حد قول شكسبير، فقد وجدت الحكومة نفسها في مأزق جديد، عنوانه «تنازع المصالح والتشريع والدعم على المقاس»، بحسب مؤاخذات حزب «العدالة والتنمية» المعارض، الذي يرى أنه «في مواجهة أزمة المياه أعلنت الحكومة عن مخطط لبناء محطات لتحلية المياه لم تسلم صفقاتها من التمكين لشركات هولدينغ رئيس الحكومة التي فازت بصفقة بناء وإدارة محطة تحلية المياه بالدار البيضاء لمدة 30 سنة».
وأكد عزيز أخنوش أمام مجلس النواب حصول شركة يمتلكها على الصفقة نفسها، ودافع عن ذلك بقوة وبالتفاصيل، وهو ما يثبت حالة تنازع المصالح الممنوعة بمقتضى الدستور، يؤكد بيان للحزب المذكور، مشيرًا إلى «وجود خروقات جسيمة تمس بالشفافية والتنافسية وتكافؤ الفرص».
على صعيد آخر، شهد المغرب خلال عام 2024 زخماً شعبياً كبيراً في التعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا سيما مع استمرار حرب الإبادة على غزة. فقد عكست المظاهرات والمسيرات التي نُظمت في مختلف المدن المغربية مدى ارتباط الشعب المغربي بالقضية الفلسطينية، التي يعتبرها قضية وطنية وعربية وإسلامية مركزية. وبرزت هذه المواقف الشعبية من خلال مظاهرات حاشدة وفعاليات مجتمعية نظمتها جمعيات مدنية وهيئات حقوقية، مطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
كما أظهرت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من المغاربة ترفض أي شكل من أشكال التطبيع، معتبرة أن ذلك يمثل تنكرا للمبادئ الوطنية والتاريخية للمغرب في دعمه للقضايا العادلة. وبالرغم من محاولات رسمية لدفع عجلة التطبيع، فإن الشارع المغربي أكد مراراً وتكراراً رفضه لهذه الخطوات، معبّراً عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني عبر المسيرات والوقفات الاحتجاجية.
ويشير هذا الحراك إلى عمق الوعي الشعبي في المغرب بأهمية القضية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من الهوية العربية الإسلامية، وإلى استمرار التزام المغاربة بنصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تصريحات:
خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في البرلمان المغربي، وجّهت البرلمانية نبيلة منيب، عن حزب «الاشتراكي الموحد» انتقادات شديدة لوزير الأوقاف أحمد التوفيق بخصوص موقف الوزارة من خطباء الجمعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. واستنكرت ما وصفته بـ«محاصرة المساجد»، مشيرة إلى أن خطباء الجمعة لا يستطيعون الدعوة إلى الجهاد في فلسطين بسبب السياسات المتبعة من الوزارة. وأضافت أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية ودينية يجب أن تكون أولوية، منتقدة محاصرة المناهج الدراسية والخطاب الديني الذي يحول دون تناول موضوع الجهاد. في المقابل، أوضح الوزير أن الخطاب الديني يجب أن يراعي المصلحة الوطنية والتوازن، مؤكدًا أن دعم القضية الفلسطينية يتم بأسلوب يناسب التحولات السياسية الحالية ويجنب المغرب أي تبعات سلبية.
راحلون:
توفيت الأميرة للا لطيفة، والدة العاهل المغربي محمد السادس، وحرم الملك الراحل الحسن الثاني.
وتوفي أيضًا محمد الخالدي، مؤسس حزب النهضة والفضيلة وأمينه العام، وبرز الراحل مع حزبه في انتخابات 2011 التشريعية، حين كان الحزب «الإسلامي» الوحيد في تحالف «جي 8» بقيادة التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، في مواجهة حزب العدالة والتنمية. كما كان الخالدي وحزبه وراء مبادرة لإدماج مجموعة من السجناء السلفيين السابقين والمنتمين لهذا التيار في العمل الحزبي بالمغرب.
وشهدت الساحة السياسية كذلك خلال العام رحيل المقاوم والسياسي محمد بنسعيد أيت إيدر، عن عمر ناهز الـ 100 عام. واشتهر الراحل بمساره السياسي البارز، سواء في فترة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، أو في النضال السياسي ضمن صفوف منظمة «23 مارس» قبل أن تتحول إلى «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي» التي ساهم في تأسيسها وترأسها (أمين عام) سنة 1983. وكان البرلماني الوحيد عن حزبه ممثلا لمسقط رأسه أشتوكة آيت باها.
كما غادرت الدنيا الإعلامية الشهيرة فاطمة الوكيلي التي سبق لها أن أجرت حوارات تلفزيونية مع شخصيات بارزة، من أبرزها الراحل ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن يصبح رئيسا لدولة فلسطين. ورُزئت الساحة الفنية المغربية برحيل الممثليْن البارزيْن مصطفى الداسوكين ومصطفى الزعري.