المغرب والصحافة المنتقدة «تهم الجيم والخاء»

حجم الخط
10

هكذا يسمي بعض الصحافيين المغاربة التهم التي اعتادت السلطات المغربية توجيهها للصحافيين والنشطاء المنتقدين للنظام سواء مباشرة، عبر الأمن والقضاء، أو بطريقة لا مباشرة عبر الإعلام التابع والذباب الإليكتروني. الجيم تشير إلى الجنس وما إليه والخاء إلى خيانة الأمانة خصوصا في معناها المالي أو خيانة البلاد بالتعاون مع الأجنبي.
فعلا، وبالكاد قد مر يومان على صدور تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية يتهم السلطات المغربية بالتجسس الإليكتروني على المعارضين والمنتقدين للسلطة، أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في بلاغ سقط كالصاعقة على رؤوس ما تبقى من الحقوقيين والإعلاميين المستقلين بالمغرب، أن عمر الراضي، وهو الصحافي موضوع التجسس، قد تم استدعاؤه من لدن الشرطة القضائية. «في إطار البحث الجاري حول اشتباه تورطه في قضية الحصول على تمويلات من الخارج لها علاقات بجهات استخبارية».
يومان بعد استدعاء الراضي والذي اُحتفظ به لمدة ست ساعات كاملة بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، «سيصدر» بلاغ رسمي شديد الغرابة وهو يتعلق بتقرير منظمة العفو الدولية حول التجسس على الراضي وعلى المواطنين الآخرين السنة الفارطة. نضع الكلمة بين مزدوجتين لأن وكالة الأنباء الرسمية أخبرت بوجود البلاغ الرسمي لكنها لم تنشره، كما يحدث عادة، ولم تعط أي دليل على وجوده بل إنها لم تشر من قريب أو بعيد لهوية المسؤول أو المؤسسة التي أصدرته أو حررته أو وقعته. هذا دليل قوي على الإحراج الذي تشعر به السلطات العمومية حيال تقرير أمنيستي خصوصا وقد نشرته أو استشهدت به عشرات الصحف العالمية خلال الأيام التالية لإصداره ومنها لوموند وإيلباييس وواشنطن بوست والغارديان بالإضافة إلى القنوات التلفزية المهتمة بالمنطقة كهيئة الإذاعة البريطانية وفرانس24 وتيليسينكو وغيرها.
وعندما ننظر إلى محتوى فقرات البلاغ المنشورة نفهم لماذا لم يجسر أحد على توقيعه. فهو يكذًّب جملةَ وتفصيلا محتوى تقرير المنظمة الحقوقية الدولية متحدثا عن حقدها على المغرب. وهذه تهمة تستعملها كل الأنظمة السلطوية التي تخرق حقوق الإنسان ولم نسمع يوما أن دولة ديمقراطية، حتى تلك التي تنتقدها أمنيستي، تتحدث عنها بهاته الطريقة نظرا للمصداقية الكبيرة للمنظمة ولمهنيتها ولإدلائها بالحجج الدامغة في تقاريرها.

«تهم الجيم والخاء» هكذا يسمي بعض الصحافيين المغاربة التهم التي اعتادت السلطات المغربية توجيهها للصحافيين والنشطاء المنتقدين للنظام سواء مباشرة، عبر الأمن والقضاء، أو بطريقة لا مباشرة عبر الإعلام التابع

يقول البلاغ إن العفو لم تقدم للرأي العام وللسلطات المغربية الدلائل المادية على ادعاءاتها، والكل يعرف أن الدليل المادي هو هاتف الصحافي موضوع التجسس والتطبيقات الخبيثة التي اخترقته والتي أعطى التقرير كل تفاصيلها التقنية والزمنية. فماذا تريد السلطات بعد هذا؟ هل تريد من المنظمة أن تتحول إلى عميل لها بتقديم يد بيد هاتف معارض معروف ومتابع…؟
المضحك أن البلاغ الرسمي يظهر وكأنه يعتمد مقاربة «ماركسية» بدائية في تحليل مبررات تقرير أمنيستي وحقدها المزعوم على المغرب. يقول البلاغ بالحرف الواحد: «إن اتهامات منظمة العفو لها علاقة بالتنافس بين مجموعات اقتصادية على تسويق معدات تستعمل في الاستخبار». واه عظيم ! ! لم نعلم يوما أن المغرب الرسمي قد اهتدى إلى بعض من خطاب الصين أو كوريا الشمالية لتحليل انتقادات منظمات غربية «معادية».
ولنرجع إلى لب الموضوع. فرغم أن هاته التهمة أصبحت مبتذلة، وقد وصفها الصحافي المعارض بالسخيفة، فإن الإعلام المقرب من السلطة كان قد بدأ يشكك منذ أيام في ذمة المعني وفي وفائه للوطن والمشاركة في التجسس عليه لصالح قوى خارجية معادية. ولنتذكر أن مواقع إعلامية من نفس الطينة كانت قد اتهمت صحافيا آخر هو سليمان الريسوني بالاعتداء الجنسي على شخص. وكما حصل مع عمر الراضي تم فتح بحث انتهى في ما يخص الريسوني باعتقاله. وللتذكير فإن الريسوني هو رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم التي كان قد اعتقل صحافيان آخران بها خلال السنتين الأخيرتين بتهم جنسية كذلك. ولنتذكر أيضا أن ما سمي بقضية النشطاء السبعة والتي انطلقت منذ حوالي أربع سنوات ونصف توبع فيها صحافيون ومعارضون بتهم تشبه تهم الراضي والريسوني أي –حسب الأشخاص ـ تلقي أموال من الخارج أو عدم التصريح بها أو التعامل مع قوى خارجية معادية للمغرب أو نسف ولاء المواطنين لمؤسسات الدولة. بل إن أحد المتابعين السبعة وهو الصحافي هشام منصوري، اللاجئ حاليا بأوروبا، كان قد اُتهم رسميا بإعداد وكر للدعارة.
يا إلهي هل بعض من يحكموننا وصلوا إلى هاته الدرجة من الإسفاف وانعدام الحس الأخلاقي! والمثير أن الصحافي منصوري وبعد أن قضى عشرة أشهر بالسجن بدعوى المشاركة في الخيانة الزوجية سيتهم بتهمة جديدة، وهو لازال رهن المعتقل، وهي خيانة الوطن أي التعامل مع منظمة معادية للمغرب. والغريب أن وثائق التهمة الرسمية لا تشير لا إلى اسم ولا جنسية المنظمة المزعومة. وإذا ظهر السبب بطل العجب فالمنظمة المدنية الهولندية المعروفة، أي بريس ناو، كانت تتعاون كذلك مع المعهد العمومي لتكوين الصحافيين ومع بعض المؤسسات الصحافية التابعة للسلطات العمومية أو القريبة منها فهي منظمة إعلامية مهنية تتعامل مع الكل وتعمل خصوصا في ميدان تكوين الصحافيين.

كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد علي:

    هذا ما يحصل أيضا في مصر. سلمت يداك.

  2. يقول هيثم:

    المغرب ليس جنة للحريات والحقوق لكنه ليس جحيما لها. الصحفي الراضي متهم بالتخابر مع ضابط بريطاني محترف في M6. والحكومة المغربية تدعو امنيستي للمرة الثانية إلى بيان أدلتها حول التجسس وإلا فإن تقريرها يفتقد المصداقية ويعتبر تحاملا على المغرب. لماذا يصر الكاتب على الدفاع عن أصدقائه الصحفيين؟ لماذا يقدم لنا السيدين بوعشرين و الريسوني ملاكين معصومين من الخطأ ومن النزوات؟ هل ضحايا بوعشرين والشاب المثلي كلهم عملاء وأدوات المخابرات المغربية؟ هل كل من انتقد الدولة يعتبر مزعجا يجب سجنه بتهم ملفقة ؟ أصبحت عندنا في السنوات الأخيرة تخمة حقوقية نتيجة تضخم حقوقي إلى حد أن عدد الحقوقيين أكبر بكثير من القضايا التي ينبغي الدفاع بها. السبب طبعا يتجلى في أن مجال حقوق الإنسان أصبح في المغرب الدجاجة التي تبيض ذهبا.

    1. يقول الركوع لله:

      لم يقل أحد أن بوعشرين و هاجر و المهداوي و الريسوني…ملائكة فلا داعي للمغالطة يا هذا…

  3. يقول أحمد السنوسي:

    تداولت صحف عالمية نبأ شراء بلدان عربية لبرامج التجسس بيكاسوس منذ سنة 2016 الذي يستهدف بالأساس الهواتف الخلوية, أكد بعدها مختبر *سيتيزن لاب* الكندي في تقاريره بعد مسح أجراه خبرائه توصلوا إلى نتيجة مفادها أن من البلدان العربية التي سجل فيها نشاط لهذا البرنامج الخبيث هناك الإمارات والسعودية ومصر والجزائر والمغرب. فلا غرابة في استعماله في هذه البلدان لتقصي خلسة المعلومات الخاصة بالمعارضين, أما ما كشفته الصدف من استهداف ذاك الصحافي المعارض أو ذاك الحقوقي المشاكس فهو مجرد قمة جبل الجليد العائم, وما خفي أعظم!

    1. يقول هيثم:

      في جميع الدول ديموقراطية أو غير ديموقراطية المخابرات الأمنية يمكنها أن تتجسس على المواطنين وعلى غيرهم في الداخل والخارج.الفرق يكمن فقط في أن الدول الديموقراطية تمارس التجسس وفق مسطرة قانونية يبيحها ويتيحها القضاء داخل البلد. لا غرابة في ذلك…ها هو الصحفي الراضي متابع بتهمة التخابر مع عميل محترف في المخابرات البريطانية. هل نكذب سلطة الاتهام في المغرب ؟ وهل يمكن أن نكذب وزراء المغرب الذين أدلوا أمس بتصريحات تطلب من امنيستي تقديم أدلتها ؟ وهل يمكن أن يتورط هؤلاء الوزراء كلهم في تصريحاتهم حول علاقة الصحفي الشاب مع الجاسوس البربطاني؟ مؤكد أن الرغبة في الإثراء السريع والبحث عن الدولس فيتا dolce vita أي الحياة الرغذة تدفع الكثيرين إلى المغامرة نحو المجهول.

  4. يقول رشيد الصنهاجي:

    كان هذا الصحافي الشاب عمر الراضي من الذين نشروا وثيقة ما اصطلح عليه في يوليو 2016 بفضيحة تفويت أراضي عمومية لموظفين سامين بثمن بخس, من بين المستفيدين حينها محافظ ولاية في الجهة الغربية من المغرب بثمن يقارب 30 دولار للمتر المربع وهو ثمن أقل من 10٪ من قيمتها الحقيقية, فارتفعت على إثرها ضجة في الأوساط الشعبية مستنكرة استفحال سياسة الريع وانتشر وقتها هاشتاغ “خدام الدولة* عبر فيه النشطاء عن سخطهم من إغماض السلطات المعنية أعينها عن غياب الشفافية و سوء توزيع الثروة واحتكار المقربين من دوائر القرار للترقيات والمناصب والعطايا بدون موجب حق.
    في الوقت الذي كانت تنتظر فئات واسعة من الشعب تحرك الجهات النافذة لفتح تحقيق ومحاسبة المتورطين, خرج قرار بترقية المحافظ المتورط في القضية لمنصب وزير دولة مما اعتبره الكثيرون استخفاف بالإمتعاض الشعبي وتكريس لسياسة الريع وتوزيع المغانم بين أفراد الفئة المنعم عليها من طرف البلاط! الأدهى والأمر هو استمرار التستر على نهب المال العام في مقابل استمرار التضييق على الصحافيين والحقوقيين!

  5. يقول رشيد رشيد من المغرب:

    فعلا
    اصبحت الدولة في المغرب عدوا حقيقيا للصحافيين المستقلين.
    لكن اتسائل دائما، اين رئيس الدولة من هذه الميوعة و هذه الشوهة التي يضعنا فيه دائما اعداء الحرية و الديموقراطية في السلطة؟؟؟؟

  6. يقول المغربي_المغرب.:

    عندما نكون صادقين في محاربة السلبيات ومظاهر الفساد …فالمطلوب ان لا ننتقي المواضيع والاشخاص…وان يكون توجهنا عاما شاملا….لايجامل هذآ..ولا يداري على ذاك…وان يكون الجميع سواسية…من المستغل للسلطة…الى المختلس…الى المزور…الى المستغل لوضعه الاعتباري للتحرش واستغلال بنات الناس لارساء نزواته…الى المستقوي بالسفارات الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان التي لاترى الا ماتريد رؤيته والحسابة بتحسب…..لحمايته من المتابعة حول اصل وفصل اموال نزلت عليه صدفة وبدون مقدمات…الى المتهرب من التصريح من الضرائب ومصدر الثروة..رغم انه تاجر كلام…وليس عقارات او غيرها…اما ادعاء المظلومية…ونعت كل من انتقد او استنكر بانه من سدنة معبد السلطة ومن الذباب الالكتروني …فهذا أسلوب لايختلف عن منهج عتاة البصريين…الذين كانوا يطلقون نفس الكلام الان هيمنة سيدهم …ولا حاجة لمزيد من الشرح…

  7. يقول المغربي_المغرب.:

    اضافة…ربما يعتقد البعض ان تلبيس الاشياء هو اسهل الطرق نحو خلق راي عام مساند…وخاصة عندما يكون الطرف المستهدف ممن لايعيش تفاصيل الواقع …وينصرف بسرعة إلى انزال أشياء مرتبطة بنطاق اخر على سبيل القياس…الافتراضي وليس الواقعي…الا ان هذا الأسلوب لن يجدي عندنا يكون المطلوب هو تدقيق المعطيات…وتقديم الوقائع بالشكل المطلوب من الناحية الوصفية وأيضا القانونية….ومن غير الدخول في متاهات التفاصيل المتعلقة بقضية معروضة امام القضاء…فان هناك أسئلة ملحة نزل قائمة بالحاج ومنها ….ما قام به الرفاق والاخوان على حد سواء من استثمار كارثي للتواجد في المشهد السياسي…والانتخابي..والسلطوي ايضا..؛ ومنها ايضا ما قام به من باعوا الجامعة المغربية البصري وأتباعه وقبضوا الثمن …مما أصابهم لادمان القبض..اتخذوا ينتقدون كل شيء يرون فيه نقيض ما كان يفعله البصري….ومنها ايضا مراكز البحث المتخصصة في كل شيء ماعدا البحث العلمي..والتي اصبح اصحابها من كبار الاثرياء…من دون ان يساهموا ولو بسنتين واحد لمساعدة المحتاجين……مع الاسف الدفاع عن المكاسب…لن يكون نضالا باي شكل من الاشكال حتى ولو تم تغليفه بكل ادوات التلبيس…

  8. يقول هيثم المغربي . المغرب:

    الصحافة مهنة المتاعب والذي يدخل غمارها في بلدان تعيش تحت رحمة أنظمة حكم غير ديموقراطية يعرض نفسه للملاحقة والأذى مما يسبب الضرر أيضا لعائلته وأطفاله, كنت مناضلا في سابق عهدي وعايشت مسار صنفين من زملائي في النضال, فريق منهم آثر التشبت بمبادئه فكان مصيره ومصير عائلته الضنك والمشقة والقسم الثاني التحق بصف الصامتين أحيانا والمبررين لتجاوزات السلطات الحاكمة أحيانا أخرى فنال نصيبه من العيش الهنيء واستقرار أوضاع عائلته, قلت في نفسي لماذا أعرض أطفالي للشقاء بسبب قناعتي فما ذنبهم فيما اقترفت؟ فاخترت الإنضمام لصف المسالمين والمساندين للفرقة الغالبة. فما فائدة التشبت برجاء تحول ديموقراطي وتغيير شامل في الوعي الشعبي لن يقع أبدا في المستقبل المنظور؟

اشترك في قائمتنا البريدية