المغرب يقرر دعم وقف تنفيذ عقوبة الإعدام ويصل إلى ختام رحلة امتدت 20 عاما من النضال الحقوقي الطويل

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
2

الرباط-“القدس العربي”: لقي الموقف المغربي الذي أعلن عنه وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بخصوص التصويت لفائدة القرار الأممي القاضي بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، ترحيبا واسعا، إلى درجة قال عنه “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” (مؤسسة رسمية)، إنه الوصول “إلى اختتام رحلة امتدت على مدى 20 سنة من زمننا الراهن”.
الإعلان عن دعم المغرب لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، بالتصويت لأول مرة لفائدته، جاء جوابا على سؤال تقدمت به عدد من الفرق النيابية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، وتمحور حول “إلغاء عقوبة الإعدام”.
وهبي اعتبر القرار “خطوة تاريخية حقوقية هامة تنسجم والتقدم الكبير الذي يعيشه المغرب على مستوى حماية حقوق الإنسان وتعزيز ثقافتها وطنيا ودوليا”، ويأتي “تعزيزا لمساره الحقوقي المتقدم”، لذلك قررت المملكة التجاوب “اليوم مع هذا الرهان بشكل إيجابي”.
وحدد الوزير الـ 15 كانون الأول/ديسمبر الجاري، تاريخا منتظرا لتعبير المغرب عن قراره الذي “ما هو إلا تعبير عن التزام بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام طيلة المدة المشمولة بالتصويت، كما أنه سيكون مجرد انعكاس للواقع لأن المغرب لم ينفذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1993”.
ولم يفت الوزير سرد بعض الأرقام الخاصة بالمحكومين بالإعدام في سجون المغرب، والبالغ عددهم اليوم 88 شخصا، توجد من بينهم امرأة واحدة، مشيرا إلى أن عدد المحكومين بالإعدام، الذين استفادوا من العفو من هذه العقوبة وتحويل عقوبتهم نحو المؤبد والمحدد، بلغ منذ سنة 2020 إلى اليوم حوالي 161 حكما.

الوصول إلى ختام رحلة

“المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، سارع إلى التعبير عن ترحيبه بالقرار، مؤكدا أن “عقوبة الإعدام لا تحمي أحدا”، وفي بيان اطلعت “القدس العربي” عليه، اعتبرت رئيسة المجلس، أمينة بوعياش، قرار المغرب “تتويجا لعشرين سنة من مسار هيئة الإنصاف والمصالحة، التي دعت في إحدى توصياتها إلى إلغاء عقوبة الإعدام والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام. وكذا تتويجا للمسار الحقوقي الذي نهجته المملكة لإعمال حقوق الإنسان”.

عدد المحكومين بالإعدام في سجون المغرب 88 شخصا، بينهم امرأة واحدة

وأوضحت بوعياش أنه بقدر ما اشتغل المجلس على أن تتجاوب الحكومة مع توصية إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام، بقدر ما سينتظر تجاوب السلطة التشريعية مع توصية المجلس من أجل الإلغاء. وأضافت ارتباطا بالوضع الدولي الحالي، أن المجلس يسجل اليوم إدانته واستنكاره “للاستخفاف بالحق في الحياة في مناطق متعددة، وخاصة منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وعدد من المناطق الأخرى”، واستطردت بقولها “لكننا في المغرب نجدد وندعو ونضم صوتنا إلى المدافعين عن الحق في الحياة في كل بقاع العالم”.

تتويج لنضال طويل

على مستوى المجتمع المدني وهيئاته الحقوقية، كان الترحيب واسعا، وتعالت أصوات عدد من أبرز الوجوه الحقوقية التي كانت وما زالت تسير في درب حقوق الإنسان، معلنة ارتياحها للقرار المغربي المتعلق بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، واعتبرته “مكسبا حقوقيا هاما ينضاف إلى عدد الخطوات التي خطاها المغرب اتجاه ترسيخ وتعزيز حقوق الإنسان”، كما ورد على لسان الحقوقية لطيفة جبابدي، المؤسسة لجريدة “8 مارس” والتي كانت تعنى بحقوق النساء.
وفي تصريحها لـ”القدس العربي”، قالت لطيفة جبابدي، العضو السابق بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وبهيئة الإنصاف والمصالحة، إن قرار المغرب “يأتي تتويجاً لنضال طويل، وترافع رصين ومسؤول قامت به هيئات وطنية وخاصة (الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام)، إضافة إلى عدد من الهيئات والشبكات المناهضة لهذه العقوبة وكل مدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان”.
وحسب أول رئيسة لـ”اتحاد العمل النسائي”، فإنه كان من المنتظر يتم هذا القرار منذ 2007، خاصة وأن (هيئة الإنصاف والمصالحة) وضعت ضمن توصيتها الأساسية المصادقة على البرتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، وكانت هذه من التوصيات الأساسية”.

يشكل وقف تنفيذ عقوبة الإعدام جزءًا من السعي نحو احترام الحق في الحياة

المعنى وفق لطيفة جبابدي، أن المجتمع الحقوقي المغربي كان ينتظر “بفارغ الصبر قيام الحكومة باعتماد وتفعيل هذا القرار”، واعتبرت المتحدثة أن “إيقاف التنفيذ خطوة هامة أساسية قد تعبد الطريق لخطوات أخرى تسير في اتجاه المصادقة المنتظرة على البرتوكول الاختياري الثاني، خاصة وأن دستور المملكة لسنة 2011 وضع الحق في الحياة على رأس الحقوق الإنسانية الأخرى، وأعتبره الحق الأول الذي يتعين أن تحميه وتدافع عنه القوانين المغربية”، وفق قول المتحدثة.
وأوضحت جبابدي أن “هذه محطة أساسية تقدمنا خطوات للأمام نحو المزيد من تعزيز دعامات الديمقراطية وحقوق الإنسان”، وأبرزت أن “المغرب كان قد أوقف تنفيذ عقوبة الإعدام منذ 1993، كما أن عدد القضايا المحكومة بالإعدام بدأ يتقلص”، لكن طموح الحقوقيين المغاربة، يبلغ سقف “مغرب بدون عقوبات الإعدام”.
وعبرت الحقوقية المغربية عن الأمل في أن “يتم إلغاء هذه العقوبة بالنسبة للمحكومين حاليا على الأقل”، وخصت بالذكر المرأة الوحيدة المحكومة بالإعدام “من ضمن الحالات التي تقبع في السجون وتنتظر العبور من (ممر الموت)”.
وسجلت جبابدي “بإيجابية كبيرة وباستبشار هذا القرار مع التنويه بطيّ هذه المرحلة في أفق الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام”.

خطوة تدعم الحوار المجتمعي الداخلي

سيل الاستبشار بالقرار شمل معظم الهيئات الحقوقية المحلية، ومنها “العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان”، التي قال رئيسها عادل تشكيطو، إن قرار المغرب “خطوة بالغة الأهمية في مسار تعزيز حقوق الإنسان وإصلاح النظام القضائي، خاصة في ظل الجدل المستمر حول هذه العقوبة على الصعيدين الوطني والدولي”، كما أنه “يعكس التزام المغرب بتطوير منظومته الحقوقية والمواءمة مع المعايير الدولية، حيث يشكل وقف تنفيذ عقوبة الإعدام جزءًا من السعي نحو احترام الحق في الحياة كحق أساسي يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
وأوضح تشكيطو متحدثا لـ “القدس العربي”، أن هذا بالإضافة إلى كونه “إحدى التوصيات الرئيسية التي تصدرت تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، كما يتزامن القرار مع الدعوات المحلية والإقليمية لتعزيز حقوق الإنسان، ومع النقاشات التي أثارها المجتمع المدني المغربي على مدار السنوات الماضية حول الحاجة إلى إلغاء العقوبة تماما”.
وسجل المتحدث أن “لهذه الخطوة إشارات إيجابية للداخل والخارج، فعلى المستوى الوطني، يعد القرار استجابة للتوصيات التي قدمتها منظمات حقوقية مدافعة عن إلغاء عقوبة الإعدام وعلى رأسها (الائتلاف المغربي لإلغاء عقوبة الإعدام)”، كما أن هذه “الخطوة تدعم الحوار المجتمعي الداخلي بشأن القضايا الخلافية وتعزز النقاش حول إصلاح منظومة القانون الجنائي المغربي”.
وفيما يتعلق بالإشارات المرتبطة بالمستوى الدولي، قال تشكيطو إن “من شأن هذا التقدم ان يضع المغرب في مصاف الدول التي تتبنى سياسات تقدمية في مجال حقوق الإنسان، ويساعد على تحسين صورة المملكة في المحافل الدولية، خاصة مع التحديات التي تواجهها فيما يتعلق بملاحظات الأمم المتحدة بشأن قضايا أخرى مثل حرية التعبير والمعاملة داخل السجون”.

التحدي الأكبر يكمن في إحداث توافق سياسي ومجتمعي حول الإلغاء التام لعقوبة الإعدام

“ورغم أن هذه الخطوة تعد جريئة في المجمل”، يوضح الحقوقي المغربي، “فإن المناسبة شرط للتأكيد على ان هناك تحديات جمة أمام تنفيذ القرار من ضمنها إصلاح القوانين الوطنية التي ما زالت تتضمن نصوصًا تسمح بتطبيق الإعدام. ثم ان التحدي الأكبر يكمن في إحداث توافق سياسي ومجتمعي حول الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، في ظل وجود أصوات ترى أن الإعدام ضرورة في بعض القضايا المتعلقة بالإرهاب أو الجرائم الخطيرة”.
وحسب تشكيطو، فإن “خطوة التصويت على وقف تنفيذ الإعدام قد تكون مقدمة لمراجعة شاملة للقوانين الوطنية بما يتناسب مع هذا القرار”، كما أنها “من المتوقع أن تسهم في تحفيز المجتمع المدني والسياسي لتبني مزيد من الإصلاحات، مع فتح حوار أوسع يشمل جميع الأطراف المعنية”.

تعزيز الرصيد المنجز

ووصف الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم قرمان القرار بـ “الخطوة الهامة” التي تعزز “مبدأ حقوق الإنسان وتكريس العدالة الجنائية الإنسانية”، كما انه “يظهر التزام المغرب بالانفتاح على التطورات العالمية في مجال حقوق الإنسان”، على “الرغم من أنه سيحتاج إلى مراقبة التطبيق وتقديم التوجيهات اللازمة للمؤسسات المعنية”.
واسترسل الباحث في العلوم السياسية موضحا، أن القرار يعد “تطوراً ملموساً في السياسة الجنائية الوطنية”، وحسب قرمان، فإن دستور المملكة بما أنه يقر ويكرس مبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا، “فإن المغرب ينخرط موضوعيا في ركب الأمم المتقدمة والتي تتطلع لتعزيز القيم والمبادئ المرجعية الأممية عبر تعاطيه مع القضايا الحقوقية المرعية بموجب المعاهدات والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب”.
ويضيف المنسق الوطني لتأسيسية حزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، أن “المغرب يولي اهتماما كبيرا لحقوق الإنسان، ويشارك في المنظمات الدولية التي تدافع عن هذه الحقوق، ومن خلال هذا القرار، يسعى إلى تعزيز رصيده المنجز في مجال رعاية وتعزيز حقوق المواطنين المغاربة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية كما هو مبين في الفصل 19 مثلا، ويعكس التزامه بإنفاذ واحترام التزاماته الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يدعو إلى احترام الحق في الحياة”.

إلغاء الإعدام يشير إلى وجود بدائل عقابية أكثر تأثيراً وقوة في ردع الجريمة

وعلى الصعيد الداخلي، قال قرمان، إن “هناك تزايدا في الوعي العام حول ضرورة مراجعة السياسات الجنائية لضمان التوازن بين حماية الأمن العام وحماية حقوق الأفراد، كما أن الرأي العام في المغرب بدأ يميل إلى تبني المواقف المناهضة لعقوبة الإعدام، خاصة في ظل غياب الأدلة القطعية التي يمكن أن تضمن أن الإعدام هو الحل الأنسب لردع الجريمة”.
وحسب المتحدث، فإن “هذا القرار يعكس تحولاً نحو العدالة الإصلاحية التي تركز على إعادة تأهيل المجرمين بدلاً من الانتقام منهم، وإلغاء عقوبة الإعدام يفتح المجال أمام سياسات أكثر إنسانية، مثل السجون التي تركز على التعليم وإعادة التأهيل، وتقديم الفرصة للمدانين للتوبة والاندماج مجدداً في المجتمع”.
من جهة ثانية، يوضح قرمان، “يأتي القرار كخطوة هامة في مسار تعزيز حقوق الإنسان في المغرب، في وقت تشهد فيه المنطقة العربية والعالم مزيداً من الضغط على الحكومات لإلغاء عقوبة الإعدام”، كما أنه “يعكس تغيراً في فهم وتطبيق العدالة الجنائية بحيث يصبح الإنسان محوراً أساسياً في السياسات القضائية”.
واستشهد قرمان بمباشرة المغرب لإصلاحات قانونية مثل اعتماد العقوبات البديلة، ليؤكد أن “إلغاء الإعدام يشير إلى وجود بدائل عقابية أكثر تأثيراً وقوة في ردع الجريمة من دون الحاجة إلى التعارض مع مبدأ (الحق في الحياة)، مثل السجن المؤبد، وهو أيضاً يتيح المجال للمحاكم للنظر في الحالات الفردية بشكل أكثر مرونة، مما يساعد على تحسين النظام القضائي”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إنه “يمكن اعتبار التصويت لفائدة وقف تنفيذ عقوبة الإعدام يعكس تحولاً في الوعي الاجتماعي تجاه القضايا الجنائية، حيث يساهم في رفع مستواه حول القيم الإنسانية والعدالة”، ومن الناحية النفسية، يوضح قرمان، “فإن الإعدام يُعد من العقوبات القاسية التي تزرع الخوف والتوتر في المجتمع، وبالتالي فإن إلغائها قد يساعد على تعزيز ثقافة التسامح والرحمة”.
ولم يفت المتحدث الإشارة إلى الناحية الاقتصادية، معتبرا “إلغاء عقوبة الإعدام قد يؤدي إلى تقليل التكاليف المرتبطة بتطبيق هذه العقوبة، مثل تكاليف محاكمات القضايا الكبيرة والإجراءات الخاصة بالإعدام، كما أن هذا القرار يساهم في تخفيف العبء على النظام القضائي، حيث يمكن التركيز على تطوير برامج إصلاحية أكثر فعالية”.
وقال “رغم أن القرار يعكس تقدماً كبيراً في مجال حقوق الإنسان، فإن المغرب لا يزال يواجه تحديات تتعلق بتحقيق التوازن بين التحولات الدولية والمخاوف المحلية”، وحسب قرمان فإن الموطن قد يشعر بتخوفات حول فعالية هذا القرار في ردع الجريمة، لكنه يعكس في الوقت ذاته التزام المغرب بتطوير نظام قانوني أكثر عدلا وإنسانية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة الجزائر:

    خطوة الى الوراء ومعارضة لأحكام الشريعة وإرضاء لأعداء الاسلام.

    1. يقول مسلم:

      و هل من الاسلام ان يقاتل المسلم اخاه المسلم تحث مسميات تقرير المصير ووو انسيت ان كل المسلم على المسلم حرام عرضه و دمه و ماله. و هل الاستعانة بغير المسلم لقتال المسلم لا يدخل في خانة ارضاء الغرب

اشترك في قائمتنا البريدية