المفكر الروسي ألكسندر نازاروف لـ”القدس العربي”: إسرائيل تخوض معركة ديموغرافية على أرض فلسطين ستنتهي بخسارتها

حسن سلمان
حجم الخط
2

تونس – “القدس العربي”:

قال المفكر الروسي ألكسندر نازاروف إن إسرائيل استغلت عملية طوفان الأقصى لحل مشكلتها الديموغرافية مع الفلسطينيين، وهذا ما يفسر حرب الإبادة التي تخوضها حاليا ضد سكان غزة، لكنه اعتبر أن هذه الخطوة لن تضمن لها البقاء على الأراضي الفلسطينية، معربا عن ثقته بعودة الفلسطينيين في نهاية المطاف إلى أرضهم.

كما نفى أي علاقة لموسكو بعملية طوفان الأقصى، مشيرا إلى أن اندلاع حرب “مفيدة” لروسيا في الشرق الأوسط لا يعني أنها طرف فيها.

وأكد أيضا أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الرمق الأخير للشراكة الاستراتيجية العربية الأمريكية، لكنه اعتبر -في المقابل- أن الاقتصاد يدفع العرب بشكل سريع نحو المعسكر الصيني، الذي لا تملك إسرائيل أي فرصة للانضمام إليه.

“الاتحاد الأوروبي على بعد خطوة واحدة من الانهيار الاقتصادي، والولايات المتحدة على شفا حرب أهلية، مع انخفاض مستويات المعيشة وهرم الديون العالمية”

ويُعتبر ألكسندر نازاروف من أبرز المنظرين في السياسة الخارجية الروسية، وهو معروف بقربه من دوائر صنع القرار في موسكو، وعادة ما يستخدم قناته الرسمية على تطبيق تلغرام للتعبير عن أفكاره، ولا يفضّل التعامل مع وسائل الإعلام، باستثناء مقال أسبوعي يكتبه في موقع “روسيا اليوم”، لكن “القدس العربي” تمكنت من إجراء حوار خاص معه حول رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي والوضع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بعد التواصل معه عبر تطبيق تلغرام.

وخلال الحوار، اعتبر نازاروف أن الهجوم المدمر الذي تقوده إسرائيل على قطاع غزة بحجة قِتال حركة المقاومة الفلسطينية حماس هو “في واقع الأمر، محاولة لحل إحدى مشكلتيها الاستراتيجيتين، وهي التغير التدريجي في التوازن الديموغرافي على أراضي فلسطين التاريخية لصالح السكان العرب، وفي إطار مفهوم “الدولة اليهودية”، فإن هذه المشكلة قاتلة بالنسبة لإسرائيل، ولا يوجد لها حل سلمي (وفق الرواية الإسرائيلية)”.

وأوضح بقوله: “ستتحول إسرائيل، عاجلا أم آجلا، إلى فلسطين (في إشارة إلى خسارة الاحتلال المعركة الديموغرافية على الأراضي الفلسطينية)، والسبيل الوحيد لمنع ذلك هو ما نشهده الآن في غزة، وبما أن إبادة السكان غير مرحّب بها في العصر التاريخي الراهن، وتنطوي على تكاليف غير مقبولة، فإن إسرائيل تستخدم التدمير الكامل للمنازل والبنى التحتية المدنية في غزة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة المنطقة، إنه تطهير عرقي مكتمل الأركان. وبعد انتهاء العملية العسكرية، تستطيع إسرائيل أن تقف جانبا وتعرض على جيرانها العرب إما قبول الفلسطينيين أو التسليم بـ”انقراض” سكان غزة بسبب الجوع والمرض”.

“اندلاع حرب “مفيدة” لروسيا في الشرق الأوسط لا يشير إلى جهود موسكو فيها، وإنما إلى ضعف الولايات المتحدة”

وقال إن إسرائيل “خلقت ضغوطا كبيرة وطويلة المدى للهجرة داخل غزة ومنها نحو الخارج، فليس لدى السكان مأوى يعيشون فيه، ولا مكان للعمل، وليس لديهم ما يأكلونه. وسوف يتدفق السكان من غزة في السنوات المقبلة، أو بالأحرى في العقود المقبلة، وبدون أي إجراء إضافي من جانب إسرائيل، ومع أدنى ضعف في العقبات سيتدفق السكان من غزة إلى خارجها”.

حقبة من الاضطراب والفوضى

واعتبر نازاروف أن “العالم يدخل حقبة من الاضطراب والفوضى، بما في ذلك الوضع المالي الضعيف لمصر، وهناك احتمال كبير جدا أن يختفي حاجز الهجرة الجماعية الفلسطينية في لحظة ما”.

“هجمات الحوثيين أكدت أن السلاح الأكثر فعالية ضد إسرائيل هو الحصار الاقتصادي، ومع تطور تكنولوجيا المسيرات، سيكون من السهل وقف التجارة البرية والبحرية إليها”

وأضاف: “نظرا للأزمة الاقتصادية العالمية التي تلوح في الأفق، فإن الجميع (بما في ذلك الرعاة الرئيسيون السابقون لفلسطين كدول الخليج الغنية وأوروبا) سينشغلون أكثر بقضايا بقائهم على قيد الحياة، ولن تكون هناك أموال لإعادة إعمار غزة، ولن يعاد إعمارها في السنوات القليلة المقبلة. بالتالي، أعتقد أن النزوح الجماعي لمعظم سكان غزة أصبح أمرا لا مفر منه، على الرغم من أنه من المرجح أن يكون ذلك مؤقتا على المدى البعيد”.

واستدرك بالقول: “لكن القضية الأخرى، هي أن إسرائيل لن تتمكن من الاستفادة من ذلك، لأن بقاءها في حد ذاته هو موضع شك”.

وفيما يتعلق بعودة طرح مبدأ حول الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال نازاروف: “لا أرى أي سبب قد يدفع إسرائيل إلى الموافقة على حل الدولتين. فمثل هذه النتيجة للحرب لا توفر الأمن لإسرائيل، وأعتقد أنه، وعلى المدى القصير، ستكون هناك عودة إلى الوضع السابق غير المؤكد. بمعنى أنه، وبعد الإعلان عن “تدمير البنية التحتية للإرهاب”، و”تحطيم القدرات العسكرية لحماس” (وفق الرواية الإسرائيلية)، تستطيع إسرائيل أن تسحب قواتها، وكما قلت سابقا، تعهد ببقاء الفلسطينيين في مصر ودول عربية أخرى”.

“تحييد إيران هو الهدف الاستراتيجي الثاني لإسرائيل، وقد تقوم تل أبيب بشن هجوم مباشر ضد طهران بعد انتهاء حرب غزة، وفي حال فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية”

وأضاف “ربما يستمر البحث الفاشل عن صيغة سياسية لغزة أو ما يشبه ذلك، ثم ينساها الجميع على خلفية مشكلات عالمية أكبر بكثير. كما أن مفهوم دولة “إسراطين” التي اقترحها العقيد معمر القذافي بين الفلسطينيين واليهود قد يبدو جميلا، إلا أنه غير واقعي”.

كما اعتبر نازاروف أنه “لا يمكن، من حيث المبدأ، الحديث عن أية نتائج للحرب (في قطاع غزة)، فأي نتيجة في السنوات المقبلة ستكون متوسطة ومؤقتة. كما أن العالم من حولنا يتغير كثيرا، وفي عالم المستقبل لن تظل إسرائيل تلعب دور الطفل المدلل المحبوب للقوة العظمى الوحيدة التي تسمح لها بكل شيء”.

وأوضح بقوله: “على الأرجح، سيكون كل شيء عكس ذلك، فقد أظهرت حركة “أنصار الله” اليمنية (الحوثيين)، على نحو نموذجي، أن السلاح الأكثر فعالية ضد إسرائيل، والقادر تماما على تدميرها، هو الحصار الاقتصادي. وأعتقد أنه مع تطور تكنولوجيا المسيرات، سيكون من السهل نسبيا وقف التجارة البحرية الإسرائيلية وإعاقة التجارة البرية بشكل كبير على الأقل. ولن تكون الأسلحة النووية الإسرائيلية فعالة ضد الطائرات المسيرة. وحتى لو حدثت معجزة، وتغلبت الولايات المتحدة الأمريكية على مشكلاتها المستعصية، واحتفظت بمكانتها كقوة عظمى، فلن تتمكن من مكافحتها”.

الصراع العربي الإسرائيلي والمواجهة الأمريكية الصينية

وفيما يتعلق بتأثر حرب غزة على الصراع العربي الإسرائيلي، فضلا عن اتفاقيات التطبيع مع تل أبيب، قال نازاروف “الأمر نفسه (فيما يتعلق بالحلول المؤقتة وهشاشة النتائج) ينطبق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج الغنية. سيتسم العقد القادم بتراجع قوي في مستويات المعيشة في كل مكان، دون استثناء، وستفقد بسبب ذلك النخب الحاكمة في الخليج، على الأقل، جزءا من شرعيتها، وستضطر إلى توسيع قائمة الإجراءات والخطوات التي تؤكد حقها في السلطة، وأعتقد أن الصراع مع إسرائيل دفاعا عن المقدسات الإسلامية سيكون من بين هذه التدابير”.

“تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الرمق الأخير للشراكة الاستراتيجية العربية الأمريكية، فيما يدفع الاقتصاد العرب دفعا نحو المعسكر الصيني، الذي لا تملك تل أبيب أي فرصة للانضمام إليه”

وأضاف: “وفي ظل ظروف الفوضى العالمية وبعد الثورة الإسلامية في إحدى الدول العربية (لم يسمّها)، والتي لن يستطيع العالم حيالها فعل أي شيء، فإن الشعار اليمني “الموت لإسرائيل، النصر للإسلام” سينتشر سريعا كالنار في الهشيم ليصبح الشعار الرسمي لمعظم الدول العربية”.

وتابع بالقول “علاوة على ذلك، كان تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الرمق الأخير للشراكة الاستراتيجية العربية الأمريكية، فيما يدفع الاقتصاد العرب دفعا نحو المعسكر الصيني، الذي لا تملك إسرائيل أي فرصة للانضمام إليه. لهذا فإن الحرب العربية الإسرائيلية ستستأنف في إطار المواجهة الصينية الأمريكية إذا لم تكن الأسباب الأخرى كافية”.

لا علاقة لروسيا بطوفان الأقصى

ونفى نازاروف “وجود علاقة لروسيا بأي شكل من الأشكال في عملية طوفان الأقصى”، مضيفا “قناعتي هي أن حماس خططت لهذه العملية بالأساس كعملية محلية محدودة، تهدف إلى تبادل الأسرى الإسرائيليين بأسرى فلسطينيين. لكنها لم تتوقع أن تستغل إسرائيل هذه “الفرصة” لحل أولى مهمتيها الاستراتيجيتين (المشكلة الديموغرافية الفلسطينية).

“حماس خططت لطوفان الأقصى كعملية محلية محدودة، تهدف إلى تبادل الأسرى، لكن إسرائيل استغلت الفرصة لحل مشكلة التوازن الديموغرافي على أرض فلسطين”

واستدرك بالقول: “وبالطبع، حتى لو نسج المرء نظريات المؤامرة، وبحث عن دور روسيا، فلن يكون هناك مكان كبير للقوى العظمى في عمليات حماس المحلية. ولم تكن حماس، بل إسرائيل من أعطى هذه الحرب نطاقها الواسع، وإذا بحثنا عن الدور السري للقوى العظمى، فإنه سيكون إلى جانب إسرائيل وبين حلفائها”.

وتابع نازاروف بقوله: “بشكل عام، فإن اندلاع حرب “مفيدة” لروسيا في الشرق الأوسط لا يشير إلى جهود روسيا، وإنما إلى ضعف الولايات المتحدة، وهو ما يشجع كل معارضي الولايات المتحدة على تحديها، بصرف النظر عن الدول الأخرى. وقطعا، فإن كلا من هؤلاء المعارضين مهتم بالمزيد من مثل هذه الصراعات، لكننا لا نبحث، على سبيل المثال، عن دور “أنصار الله” (الحوثيين) في الحرب الأوكرانية، فيما تستفيد موسكو من تشتت القوات الأمريكية، إلا أن روسيا لا علاقة لها بالحرب لا في غزة ولا في البحر الأحمر”.

لكنه أشار إلى ما سماه “حربا بالوكالة” تخوضها طهران ضد تل أبيب، مستغلة معركة طوفان الأقصى، مشيرا إلى أن “إسرائيل ستبذل قصارى جهدها لإثارة حرب مباشرة مع إيران، بمشاركة أمريكية على الأرجح”.

“مفهوم دولة “إسراطين” التي اقترحها القذافي بين الفلسطينيين واليهود قد يبدو جميلا، إلا أنه غير واقعي”

واعتبر أن “تحييد إيران هو الهدف الاستراتيجي الثاني لإسرائيل، إلى جانب حل المشكلة الديموغرافية الفلسطينية. لذلك، فإنني أنطلق من حقيقة أن إسرائيل مهتمة بشن عملية ضد إيران، وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل، وربما يحدث ذلك العام المقبل، بعد انتهاء العملية في غزة، وفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية”.

انهيار اقتصادي وحرب أهلية

واعتبر نازاروف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “على بعد خطوة واحدة من الانهيار الاقتصادي، ما سيؤدي إلى تفاقم مشاكلهما وصراعاتهما السياسية الداخلية بشكل كبير”.

وأوضح بقوله: “ليس لدي أدنى شك بشأن انهيار الاتحاد الأوروبي. فقد كان النموذج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي يرتكز على حقيقة مفادها أن صناعات شمال أوروبا ابتلعت وأزاحت صناعات الجنوب، وهو ما تم تعويضه بإعانات الدعم من قبل الاتحاد الأوروبي وقروضه من البنوك الألمانية والفرنسية إلى بلدان PIGS (البرتغال وإيطاليا واليونان وإسبانيا). وقد وصل هذا النموذج إلى نهايته، ومن غير الممكن أن ينمو هرم الديون إلى الأبد. وقد تناولت هذه القضية في مقالات سابقة”.

“إسرائيل تستخدم التدمير الكامل للمنازل والبنى التحتية المدنية في غزة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة المنطقة، إنه تطهير عرقي مكتمل الأركان”

وأضاف: “الولايات المتحدة بدورها أصبحت الآن على شفا حرب أهلية، ومع انخفاض مستويات المعيشة أثناء انهيار الدولار وهرم الديون العالمية، فإن الفرصة سانحة لأن تصبح الحرب الأهلية المشتعلة ساخنة”.

وختم بالقول: “باختصار، ليس الشرق الأوسط فحسب، بل العالم كله على وشك التغيير. ولا نعرف ما الذي سيحدث، لكن بإمكاننا تخمين ما لن يحدث بالتأكيد. على أية حال، سيعيش الفلسطينيون في نهاية المطاف على أرضهم، وأنا متأكد من ذلك بنسبة 100 في المئة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    صحيح جدا جدا 🇵🇸🤕☝️🔥🐕🔥🐕

  2. يقول عبدالفتاح عزوز:

    نحن نعلم من تاريخ البشرية أن القوى العظمى بقالها مؤقت وستنحدر قوتها وسيطرتها على العالم عاجلا أو اجلا.

اشترك في قائمتنا البريدية