قصيدتان

حجم الخط
2

المكتبة الوطنية

أحكي لإخوتي
عن أيام الجمعة
التي قضيناها نُشيِّد مكتبة البيت
للمرة الثانية
بعدما اضطررتَ إلى بيع نصفها
من أجل حليب لأطفالك
لم تفسر من ذا الذي اشترى
كتبك خلال الحرب
كيف وجدته
وكيف كان واثقاً
بأن الحرب ستنتهي والأدب يستمر
تحكي كأنهم لم يسمعوك
تكرر القصة وفي عينيك تلتمع
مشاعر ملتبسة من الفخر والخجل، يخطر لك في كل مرة
عنوان من مكتبتك القديمة
أين اشتريته وشكل غلافه
وكيف أنه من الطبعة الأولى
التي بمجرد أن فقدتها
فقدتها العرب معك
هي ليست بحكاية، بل ذكرى
تنفرط من فمك كمسبحة
لم يبق منها سوى الخيط
الكتب التي اشتريتَها
وأخرى سرقناها نكايةً
بصاحب المكتبة
أو كفعل مقاومة
في سبيل مشاعية المعرفة
تقول «مكتبتنا»
ثم توصد البابَ
وتجلس معها وحدك،
تنظر إلى الرفوف
التي رتبتها مع أطفالك الشغيلة
وتفكر: الله.. العالم!
في مواسم الكساد المعرفي
يجن جنونك
فتقرر أن تصنيف المكتبة
حسب المؤلف خطأ فادح.
تستدعي طاقم العائلة
إلى عملية فرز جديدة:
«الجنس العنوان فالمؤلف»
تصدر قرارك
كأننا في مكتبة وطنية
يديرها رجل «بدون»
كانت حملات الترتيب الشعواء هذه
هي التي شكلت صداقتنا
على الرغم من أن الأبوة قاسية بطبعها
وعلى الرغم من «جندري» الذي توقعت
أن أخفي شؤونه عنك
أحكي لهم أنك اشتريت
نسخة جديدة من «الأمير الصغير»
لكل واحد منهم:
«أظن أنه استفاد
من هجرة الطيور ليفرّ»
أحياناً أحس أنهم يغارون من صداقتنا:
الأفكار الكبرى التي نمررها
على طاولة الطعام
والنميمة الأدبية التي تختار منها
ما يليق بعمري
ينسون كيف كنت تغضب
إن وجدت أثراً لي في صفحة،
والمرات التي تسببت
كتبك المكعبة بكدمة لي
حين تبادلتها وأمي كنيران صديقة،
وكيف – إن تخاصمنا –
تقول «مكتبتي»
تُذكرني بأنك رأس المال
الإقطاعي
وأني لست حتى شجرة
تأتي منها الصفحات
ولا عاملاً يؤلف
أو يرسم
يغارون من ذاكرتنا المشتركة
قصة دخول كل كتاب إلى بيتنا
وينسون كيف
بعدما رَحَلتُ عنكُم
بِعتَ «مكتبتنا» قصةً قصةً
وجلست تنظر إلى الرفوف الخاوية:
الله.. العالم!
ثم لم تشيدها ثالثة

حركيات

أستيقظ وعلى صدري يجثو يوم الراحة
يحدق مترقباً:
كيف سأقضي عليه هذا الأسبوع؟
أود لو أضيعه نصف نائمة في السرير
كي أسمح لعضلاتي – التي تنتحر
من مشارف الثلاثينيات –
أن تتشكل مرة أخرى، أن تفاجئني
فتجعل مني سلحفاة
كسلحفاة بودلير
التي كان يخرج بها
وحول عنقها طوق
مواجهاً المدينة
بأقسى درجات البطء
أصعدُ قطار «مانهاتن»
متمسكة بعمود الركاب
كأنه آخر حبل يربطني بالعالم
أسير لساعات
أقطع الساحات كلها:
النصر والوحدة والنحاس والوقت
نهاية بكولمبوس
حيث يقف منذ عام 1894
تحت المطر والشمس والثلج
بينما تفوت الحياة من أمامه
سنوات مرت في المنفى
ولا زلت مأخوذة بفعل المشي
أستدعي ذات المشهد من طفولتي
لعمال شاهدتهم من نافذة المركبة
يسيرون على حافة «الدائري الخامس»
في حارة الأمان
غير آبهين بصهد الكويت
ولا صهيل السيارات
ينزلون عبر مخرج لولبي
ليختفوا في العالم السفلي
هكذا أقضي وقت الراحة
أحسد الرب الذي علَّم نفسه الركود
في أيام السبت
وعلَّمني تعويض سنواتي المسروقة
بتقطيع المسافات.

* شاعرة “بدون”

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الغريب:

    ُوأني لست حتى شجرة
    تأتي منها الصفحات ”
    هناك الكثير منا بدون

  2. يقول بلي محمد من الدار البيضاء المملكة المغربية:

    بريشة الطائر المهاجر أرسم رغم اننا لسنا من ركاب سفينة الشعر الضخمة الواسعة من الداخل المملوءة بالشعراء والشاعرات ولكل أساليبه وقضاياه المتنوعة تحت ظل هده اللوحة الشعرية المعبرة نعم الشعر عقلية لاتعرف لانحياز سمح للكل بأن يقول كلمته لكن بلغته فلابأس أضع هده التغردة وهي من ثمرة جهدي قديما لكن .
    وقالت /*.
    وقالت
    أصابك سهم
    من
    سهام الشعر
    فقلت لها
    وكيف
    وليس بي
    ي
    ي
    جرح
    ح
    ح
    فضحكت.

اشترك في قائمتنا البريدية