ترأست حركة «معاً من أجل سوريا حرّة ديمقراطية» وسريعاً وجدتها تجربة بلا أمل
بيروت ـ «القدس العربي»: شكّل عقد التسعينيات من القرن الماضي بداية انطلاقة الفنانة عزّة البحرة في عالم الدراما والسينما في سوريا. بدايات مشجعة ساهمت بترسيخ حضورها، وتسجيل اسمها في مسلسلات تركت أثراً مميزاً في الذاكرة. من بين تلك المسلسلات «دائرة النار» و«إخوة التراب» و«التغريبة الفلسطينية» و«باب الحارة» وغيرها. كما عملت مع مخرجين بارزين، يصنّفون من بين أوائل الأسماء التي ساهمت بترسيخ الدراما السورية في المراتب الأولى على صعيد الوطن العربي.
واقع عزّة البحرة حالياً كما الآلاف من السوريين من الذين أبعدتهم الثورة وتالياً الحرب عن وطنهم قسراً أم طوعاً. فهي اختارت المعارضة بترؤسها حركة «معاً لأجل سوريا الحرّة الديمقراطية». لكنها لم تصمد طويلاً حتى اكتشفت أن الحراك المشروع لكل الشعوب طلباً للديمقراطية، كان يحتاج لدراسة متأنية وبعد نظر.
مع عزّة البحرة هذا الحوار:
○ ممثلة من سوريا تعيشين في لندن. هل يتساوى مهنياً أثر الابتعاد عن الوطن بين تمثيل ومهنةٍ أخرى؟
• ثمة مهنٍ تصبح ممارستها حرجة بعيداً عن الوطن. بنظري التمثيل والصحافة يحتاجان لأن يكون أحدنا على أرضه. في الوطن تكون ظروف وإمكانات الإنتاج مختلفة جداً، وفي الوطن يعيش الممثل أجواء خبرها منذ الطفولة، على سبيل المثال ليس لي قدرة التمثيل باللغة الإنكليزية أو الفرنسية. يحتاج الممثل في عمله للغته وحكاياته ليتمكّن من تجسيدها بشفافية، لهذا يصبح التمثيل مهنة حرجة جداً عندما يبتعد الممثل عن أرضه.
○ وهل هذه وحدها التحديات التي يواجهها الممثل في الغربة؟
• بل تضاف إليها تحديات الممثلين المعارضين، والتي تتمثل بشركة الإنتاج التي تستقبل حضورهم في أعمالها، أي أن تقبل موقفهم السياسي وبالتالي تتجاوزه. ففي الواقع الحالي تكون خيارات الإنتاج حسّاسة لجهة إمكانات تسويق أعمالهم، التسويق لم يتجاوز بعد وجود أسماء لممثلين معارضين، قد يكون هو التحدي الأكبر في الغربة.
○ وهل يعيش كافة الممثلين المعارضين خارج الوطن الظروف نفسها؟
• طبعاً. إنما بعضهم يعمل من ضمن علاقاتهم الخاصة وأسمائهم الكبيرة، يبقى أن الأكثرية لا تمتلك تلك العلاقات ولا تلك النجومية، لهذا تواجه صعوبة كبيرة في إيجاد عمل.
○ هل يمكن القول إن المعارضين يدفعون ثمن معارضتهم؟
• بالتأكيد.
○ كيف وصلت إلى لندن في ظل الأهوال التي يعانيها اللاجئون في البحر ثم البر؟
• لجأنا أولاً إلى السويد، ولم نعش ظروفاً مؤلمة، وصدف أن وجد زوجي عملاً في لندن فالتحقت به. لم أعش تحدي وآلام اللجوء، إنما عاشته عائلتي الممتدة، من أهلي وإخوتي وأبنائي، جميعهم اختبر التجربة القاسية جداً. لقد مرّت تسع سنوات على تلك الذكريات المرّة.
○ حمداً لله على سلامتهم. عندما بدأ الحراك في سوريا هل خطر لك بأن دولاً وأفراداً من كل العالم ستشارك في الحرب المدمّرة؟
• في سوريا عشنا حال إبعاد كبير عن السياسة، وتالياً كنّا على درجة عالية من السذاجة بحيث اعتقدنا أنّ مجرد التعبير من قبل الناس، سيحقق التغيير. ولم نكن مدركين على الإطلاق إلى أين نحن ذاهبون. الآن يعيرني أبنائي ضاحكين على تصوري السابق، ورؤيتي بأنه وبمجرد ثلاثة أو أربعة أشهر ونحقق مطالبنا. في بدايات الثورة كنت من المتحمسات جداً، وأعطيت كل وقتي للعمل السياسي من مؤتمرات واجتماعات إلى ترؤوس حركة «معاً من أجل سوريا الحرة الديمقراطية» وبلغ نشاطنا ذروته، إنما في الواقع وقبل مغادرتنا لسوريا بدأت تشغلني سلباً الشعارات الدينية.
○ ما سمي بثورات الدول العربية حاول التمثّل بالغرب وديمقراطيته. مع بدء الإبادة في غزّة نسألك رأيك بكم الأفواه؟
• بعد سنة متواصلة من العمل السياسي اكتشفت أن الديمقراطية تشبه المطاطة، نثبّتها بين أسناننا ونمطها قدر المستطاع، وعندما نتركها تتراجع للخلف وتخبط وجوهنا بكل قوتها. تحتاج الديمقراطية للوعي، والثقافة، والفكر، وبغير ذلك تنقلب علينا.
○ وهل ترين ديمقراطيات الغرب بدون وعي وفكر؟
• ديمقراطيات الغرب محكومة بالسياسة. والمصالح والسياسة لا ينفصلان، وهكذا تصبح الديمقراطية محكومة بهما. قد تكون الديمقراطية سارية المفعول في مكان، في حين يصار لإلغائها في مكان آخر تبعاً للمصالح، إذاً للديمقراطية معايير مزدوجة.
○ أين ومتى كانت صدمتك من الديمقراطية الغربية؟
• الصدمة الكبرى التي ما نزال نعيشها تتمثل بموقف الديمقراطيات الغربية من الإبادة الجماعية المتواصلة في غزّة منذ 10 أشهر. لست من مؤيدي حماس، ووجدت فيما قامت به في 7 أكتوبر في غير صالح الشعب الفلسطيني، وهذا لا يعني مطلقاً الموافقة على الإبادة الجماعية.
○ وهل الأمل ما يزال قائماً بأن حركة التغيير نحو الأفضل ستتمكن من النهوض مجدداً؟
• ممكن، إنما ربطاً بحركة المصالح، فالمصالح هي التي ستحكم حركة التغيير.
○ بعد ما وصلنا إليه كيف تصفين نشاطك من أجل التغيير وخاصة ترؤوسك لحركة «معاً من أجل سوريا حرّة ديمقراطية»؟
• باختصار كانت تجربة غير مجدية وبلا أمل، ولن أستعمل تعبير الفشل أو عدمه. لم تتطابق التوقعات مع الواقع، فنحن لم نكن ندركه جيداً.
○ هل هو سوء التقدير؟
• سوء تقدير، أو عدم قدرة على إدراك المرحلة بحد ذاتها، وعدم إدراك للظروف العامة المحيطة. يمكن القول أننا كنّا مغيبين عن ما يجري في العالم.
○ وهل كانت حركة التغيير بحاجة لمزيد من الوعي والفكر؟
• بالطبع أي حركة تغيير تحتاج للوعي ولتقييم الواقع بشكل دقيق وهذا ما كنّا نفتقده.
○ هل من ندم؟
• لا أندم إنما أحزن.
○ مسلسل «ابتسم أيها الجنرال» الذي شاركت به تناول غواية التوريث في أنظمتنا العربية. الغرب بدأ سياسة التوريث فما رأيك؟
• لسنا وحدنا المبتلين بغواية التوريث، الهند مثال وغيرها. لم يتوقف التوريث يوماً، وهذا يعود للثقافة والفكر.
○ في بداياتك كان لك دور في فيلم «ناجي العلي» ماذا تقول لك فلسطين في هذه المرحلة؟
• الراحل عاطف الطيب أخرج فيلم «ناجي العلي» بالنسبة للقضية الفلسطينية أشعر بأنها انتهت بعد اتفاق أوسلو، وإزداد حالها تعقيداً في وضعنا الحالي. استرجاع بدايات القضية الفلسطينية والفصائل التي كانت تعبّر عنها، وتالياً مقارنتها مع ما حدث في سوريا، والإنحناءات والإلتواءات التي شهدناها على صعيد الفصائل الإسلامية، وفي المجلس الوطني، والائتلاف الذي شهدته سوريا، عندها نكتشف أن الأمور بشكل أو بآخر تعيد إنتاج نفسها، بأشكال ووجوه جديدة.
○ مثّلتِ بإدارة ألمع المخرجين وفي عشرات المسلسلات. مع من تشتاقين تجديد العمل؟
• صراحة أحب تجربتي مع زوجي المخرج ثائر موسى، وأرغب بتجديدها. سبق وشاركت معه بمسلسلات «المؤودة» و«الهروب» و«لورانس العرب» وفيلم «الغفران» كما وأحب تجربتي مع الراحلين شوقي الماجري وحاتم علي.
○ بات واضحاً وجود صراع حاد بين الممثلات وملامح العمر. هل من الضروري أن تبقى الممثلة في عمر الشباب برأيك؟
• سنة 2009 زارت كاترين دونوف الممثلة الفرنسية سوريا لتشارك في مهرجان دمشق السينمائي كرئيسة لجنة تحكيم. ومن ثم بعد أشهر كانت رئيسة لجنة تحكيم في مهرجان كان. بفارق أشهر قليلة رأينا ممثلة تختلف عن التي شاهدناها في دمشق. ومن ثمّ شاهدت لها فيلماً تلا خضوعها للتجميل. حين زارت دمشق أعطى شكلها عمرها الذي تراوح بين الـ70 والـ80 عاماً. بالنسبة لي بقيت الممثلة بحدود عمرها المعروف، إنما بمشاهدتي لها وجدت أنها أصبحت بصورة أجمل، وأنها صغُرت ظاهرياً. وممثلاتنا السوريات أو العربيات اللواتي أمضين في المهنة عقوداً طويلة وخضعن لعمليات تجميل صغرن ظاهرياً بالنسبة لنا، بينما الأجيال التي تتابعهن تعرف أعمارهنّ على حقيقتها. برأيي عمليات التجميل يفترض أن يحكمها التوازن بحيث لا تدخل في المبالغة. بالمحصّلة ما المانع من أن يكون الإنسان أجمل شرط الاعتدال؟
○ هذا يعني بأن الممثلة محكومة بصورة نمطية تفرض عليها التميز بشباب دائم؟
• لم أقصد الشباب بكلامي، بل أقصد التعامل بلطف مع الخطوط الفجّة بالوجه بحيث تتراجع.
○ هل بين يديك مشاريع عمل؟
• نأمل ومن دون خوض في التفاصيل.