ليس من السهولة النظر لأعمال جبران طرزي (1944- 2010) بعيدا عن مساحة تأمل من نوع مختلف تفرضها علينا، فهي تمتلك قدرة وانتظاما شكليين سيعود بنا إلى التجريد والهندسة ومعرفة مفهوم المربعات والأشكال الرياضية وسنعرف بوجه خاص أنه امتلك خبرة ورثها من عائلته، مع حرفة تعد اليوم من التراث الشرقي وهي صناعة السقوف والدواوين الدمشقية.
واللافت في هذه الحرفة أنها عززت وعيه وثقافته، ومثلت له طريقا فنيا تطور على يديه ليكون المحتوى في الأشكال ذات طابع جمالي يلبي حاجة المتلقي لرؤيته، مع أن الكثير من الأشكال التي ترافق لوحاته وبناءها الشكلي خارجة عن الشرح، أو إبداء التفاصيل، ما جعلها تمتلك تنوعا دلاليا مغايرا، الغاية منه فرض مزيد من الرواسب الروحية لقيم الأشكال التجريدية، ونقول روحية لأنها تمتلك في منجزها الأخير طابعا شرقيا كأنه هنا يمسك بسلطة هويته المشرقية، ولأنه محاط بأحلام بيئته فهو لم يتمرد في الفن من أجل المعنى بل تمسك بنمط بنائي ووحدات صورية تتجلى فيه قيم الشرق روحيا، فكانت رغبته الاشتغال ضمن منظومة معرفية تجلب للمتلقي أمرين، أولهما النضارة في النماذج المنجزة، وثانيهما ترسيخ الهوية الشرقية وكل ذلك التصور جاء من خلال توازن بين الخبرة المكتسبة والرؤية التي يمتلكها هذا الفنان، إذن نحن أمام نوع من مقاومة التغريب في الفن والعودة إلى الأصول، مع أن الحاجة اليوم تكمن في أن نتماشى مع التجديد في كل مظاهر يومياتنا وذائقتنا وتقبلنا لخطاب المغايرة، إلا أن النظر إلى لوحات جبران طرزي توحي بشيء مختلف يتعزز في العودة والانتماء إلى الأصول، واستعادة الثقة بكل ما أنجزه الأسلاف من فنون وأساليب تتمتع بنمط من تجريدية هندسية.
قيمة التجريدات التي رأيناها في لوحاته فتحت مجالا وتأملا خاصين تنطوي عناصرها أمام عمق رؤية معينة وابتكار لأشكال لم تكن غائبة عن عين المتلقي، إلا أن المختلف فيها يكمن في دقة الحسابات الرياضية لكل تلك الوحدات والعناصر الراسخة في السطح التصويري، وهو حساب لم يتجرد من مخيلته ومعرفته بقيم الفن وتوسيع رقعته وإيقاعه جماليا وتعبيريا، بالإضافة لكونه يستند إلى انتظام شكلي بكل ما يحمله من شيفرات سيميائية أو وظيفية، فنحن هنا نلتقي بوحدات ذات طابع له جذور راسخة في الثقافة العربية تتآزر مستوياتها بقوة مضمرة ليس من السهولة أن يكون التكوين منخرطا في مدرسة الرسم لوحدها، بل ثمة تعالق هندسي بين قيم الأشكال واصطفافها، ومرجعياتها، وأحسب أن من ينظر ويسترق السمع لكل محتويات تلك الوحدات الخالصة في تجريداته، سيلتفت إلى نداء روحي عبر بوصلة الفن الإسلامي والفنون الشرقية القديمة، ولعل توسيعا كهذا سيشير إلى علاقات قائمة بين عناصر العمل، وبما يناسب ما يريده هذا الفنان من مدلول انه يلجأ إلى نظام هندسي، بينما ذخيرته المعرفية تتوسع إلى فضاء يلقي أمام المتلقي سيلا من التصورات عن أهمية هذه التجريدات، إنها لعبة فن لم تكن معروضة للمعاينة، إنما تصور ذهني له وظائف جمالية وتعبيرية ومرجعيات معرفية حاول وسعى جبران طرزي لأن ينتمي إلى روحها مهما كلفه الأمر من حسابات، وأيضا علينا أن نعيد التركيز، على أن تجريداته التي جاءت في المربعات والأشكال الثانية ربطت بين ما هو روحي وحسي وفقا لرمزية الشكل ومثالية التكوين ببعده الكامل، ونحن هنا أمام محاولات تبدي للمتلقي تعريفا حول أهمية الفن الشرقي وموضوعاته، فكل تلك الهيئات التي نراها في اللوحة إنما تعد ميدانا لاكتشاف المعرفة، لكنها معرفة خاصة بشعوب معينة ستبقى دائما بحاجة إلى الإشهار مثلما تبقى أعمال الشرق بحاجة إلى قراءة وإعادة اكتشاف.
ما الذي تريده لوحات جبران طرزي؟
لوحات يغمرها البعد الثقافي والهندسي ليس لها أن تكون بعيدة عن مظاهر الأصالة في الفن، هذا ما نتوصل إليه في كل قراءة نلفت أنظارنا إليها من أعمال طرزي، إنها تترك آثار الإبداع وتهبنا موقفا شديد الترابط بينها وبين الماضي، ومما يوسع فعلها وتأثيرها، أنها قابلة للدرس المتواصل ولها سمات تعبيرية وسيعد الالتفات إليها أمرا وإنجازا متواصلا، لما تحمله من مصدر إغراء للتلقي وللتأويل والريادة. ولا أخفي سرا اذا ما قلت إن لوحاته تقدم هباتها الجمالية دون كسل، أو تردد، إنها لا تمجد سلطة معينة ولا تجمع بين واقعي وتعبير مختلف كل ما تتشبث به جاء نتاج مسؤولية أخلاقية واجتماعية وانتسابا للمحيط ولتمنح المتلقي مزيدا من الثقة في الفن الإسلامي والشرقي معا، لقد بقيت تجريدات هذا الفنان العربي وعلى مدى سنوات طويلة تحمل ملامح النبل والصرامة معا، وعدت من ذلك اليوم أمثولة حية لفن يأبى النسيان، فن لا يمكن أن يكون مستثنى من امتيازه أو ظروفه ومقدرته على التأثير والحفظ عبر كل هذا السنوات.
كاتب من العراق
أولا ادا سمحثم شكرا تحية لكل الشعراء والتشكليين والكناب العراقيين نعم وقلنا اكثر من مرة ان ثربة العراق ولدت ولازالت وستظل مادام هد ا الوجود نحن نقول دائما ان الشعر والتشكيل أخويين لايمكن الفراق فاكلاهما يغوص وبعمق في بحر الخيال فالاول يخرج الكلمات مثل اللؤلؤ في اللمعان والثاني اللوحات بالالوان وكلاهما معاني تختلف على حسب الزمان والمكان وكلاهما دكي وخبير