«المنفى في لغة السلطة أم في لغة الأشياء»: أصوات متعددة ومتنوعة في قراءات شعرية بالإنكليزية

الصّادق الرضي
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: لغةُ الشّعر هي الأنقى، الأعلى في أيِّ لغة في العالم؛ هي اللغة الأمّ للشّاعر؛ اللغة التي يتنفَّسُ بها الوجود ويحلم بها؛ اللغة التي لا يتقنُ لعبتها فحسب بل هو خالقها من العدم، يحطمها تماماً ويعيد تركيبها وفق ما يشتهي؛ اللغة التي يرسم بها وجهاً ماكراً بعينٍ غامزةٍ (العين اليُسرى على وجه الخصوص) وهو يلوّح للعالم من نافذةِ كوكبه المَرِحِ والفَريدْ. كيف يكتبُ الشّاعرُ، يفكّر ويحلم بلغة ثانية، وفي اللغة روائح أشجار الطفولة وبساتين اللغو التي تعجز عن كشف أسرارها فصاحةُ الكلمة في نحوها الواضح، تعثّرُ اللّسانِ وهو في درج السلّم المكسور قبل أن يكتمل صعوده إلى أعلى درجات البيان؛ الكتابة في لغة ثانية كانت هي موضوع الحوارية- الشعرية، ضمن مواضيع أخرى ذات صلة، في الأمسية التي نظمتها «جمعية المؤلفين» في بريطانيا، بالتعاون مع مؤسسة «حبر لكتُّاب المنفى» مساء الأربعاء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022م، وشارك فيها الشعراء: حسام الدين محمد، ليو بويكس وبروانا فاياز، وقدّمتها شيرين رضافيان.
مديرة منظمة «حبر لكتّاب المنفى « جينفر لانجر رحبت بالحضور وقالت: « المنظمة عملت منذ تأسيسها سنة 2000م على عدد من المشاريع التي صممت لدعم الكتاب في المنفى اللاجئين والمهاجرين، من خلال ورش العمل والتدريب، والمسرح والترجمة وكذلك الندوات والمسابقات الشعرية والعروض الترويجية» وأضافت: «من أهدافنا توفيرهذا الدعم للكتاب في المنفى وتوفير فرص النشر في محاولة لتخفيف الشعور بالعزلة وصدمة الحياة في المهجر وتأسيس منبر لمن عانوا من الحياة في ظل الأنظمة القمية وفي ظل الحياة التي مزقتها الحروب، ولتشجيع الحوار بين الثقافات، كيف يمكن للكتاب المنفيين أن ينقلوا بقوة تجاربهم في الكتابة؟ كيف يمكنهم جعل أنفسهم مسموعين ومفهومين؟ كيف يمكنهم عرض أفكارهم على الناشرين؟!»

حسام الدين محمد، ليو بويكس وبروانا فاياز

شيرين رضافيان مقدمة الأمسية قرأت مقطعا شعرياُ قصيرا وعرفت بالشعراء المشاركين في الأمسية: الأفغانية بروانا فاياز والأرجنتنيني ليو بويكس والسوري حسام الدين محمد، وطرحت ثلاث أسئلة أو محاور تناوب الشعراء المشاركون في التداخل عليها، وبعدها فتحت الفرصة للجمهور للمشاركة في طرح بعض الأسئلة التي تداخل عليها الشعراء وكانت فاكهة الأمسية هي القراءات الشعرية التي تنوعت فيها أساليب الكتابة الشعرية وتعددت فيها الأصوات من حيث المحتوى وطريقة التناول؛ ثلاث قصائد لثلاثة شعراء يكتبون جميعاُ بالأنكليزية لكن من خلفيات وفضاءات ثقافية ولغوية مختلفة.
الشاعرة الأفغانية بروانا فاياز قالت: «بدأت تجربتي في المهجر في سن الـ (19) وتعلّمت الإنكليزية عن طريق كتابة الشعر، كتبت كثيراً لكن لم أنشر، كنت أحسّ بأن عائلتي ستكون في خطر في (كابل) إذا نشرت أعمالي، كل ذلك قبل أن أحضر إلى جامعة كمبريج في بريطانيا، بدأت نشر أعمالي بعد حضوري هنا.»
الشاعر الإرجنتيني ليو بويكس قال: «نشرت مجموعتين شعريتين باللغة الإسبانية قبل أن أغادر الوطن، وحين حضرت هنا شعرتُ بالضياع وبالوحدة كشاعر، ولم أفكرّ في الكتابة بالإنكليزية في البداية لكن بعد المشاركة في عدد من ورش العمل في الكتابة بالإبداعية وبتشجيع من مايكل سميث كتبت بالإنكليزية ونشرت بعض النصوص في أنثولوجيا، وكذلك في بعض الصحف والمجلات ومن ثم بدأت في تطوير الكتابة وتحسينها، ومن خلال هذا النشاط بدأت التعرف على الناشرين؛ وقال أنه حين يكتب بالأنكليزية لا يفكر بالإسبانية ولا يحاول ترجمة أفكاره خوفاً من التغيير الذي ربما يحدث في إبداع النص بالإنكليزية ومع ذلك اعترف بأنه يحرص على استحضار الوطن في كتابته من خلال أسماء الأماكن، المدن، القرى، أسماء الأشجار والنباتات وأسماء الطيور… إلخ.

السوري حسام الدين محمد قال: « في خصوص احتمال الاستفادة من اللغة العربية وإيقاعاتها في الكتابة بالإنكليزية راجعت بعض القصائد لإعطاء أمثلة فوجدت مثلا أنني استبدلت جملة: الزوجة التي تصعد جبلا شاهقا دون دليل (بالعربية) إلى: الذي يعيش مع زوجة لها روح نمر (بالانكليزية). تفسير هذه «الترجمة» لن أجده، على الأغلب، في مسائل الإيقاع واللغة، بل في أعماق الوعي الباطن.» هذه بداية القصيدة المذكورة: «حلم شخص أنه أنا: الرجل الذي يرسم بجعات سوداء ثم يطيرها./ الزوجة التي تصعد جبلا شاهقا دون دليل./ الطفلان الماكران، واحد من قش وآخر من زجاج./ الأسلاف الذين ذبحوا واحدا بعد الآخر،/ والأحفاد الذين اختبلوا وهم يحاولون فك الشيفرة.»
أختتمت الأمسية بدعوة الشعراء المشاركين في الأمسية لتوقيع كتبهم الشعرية الصادرة حديثا في اللغة الانكليزية، وتبقّت أسئلة كثيرة لم يسمح وقت الفعالية للتداخل عليها، وربما نصوص لم يسنح للشعراء المشاركين قراءتها على الحضور، وسيظل سؤال «المنفى هل هو في اللغة أم الجغرافيا أم في الفضاء الثقافي؟!» مفتوحاً؛ للشعراء والحضور في مقبل الأمسيات المماثلة أو الكتابة والحوار على الفضاء العام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية