بيروت ـ «القدس العربي»: تبحث السعودية عن أي طريقة في محافظة المهرة اليمنية، تستطيع من خلالها الضغط على قبائلها وتياراتها الاجتماعية الرافضة لوجودها فيها، والذي باتت تعتبره القبائل «احتلالاً» في بياناتها المنددة بالتوسع السعودي داخل المحافظة. وبعد فشلها في فرض وجودها بالقوة، أو من خلال المساعدات و«المكرمات»، تسعى الآن الى ذلك عبر استغلال ورقة «الإرهاب».
وفي هذا السياق، أعلن المتحدث الرسمي باسم قوات «التحالف» السعودي ـ الإماراتي، تركي المالكي، الثلاثاء، أن «القوات الخاصة السعودية ونظيرتها اليمنية نفذت عملية نوعية ناجحة بالداخل اليمني، ألقت خلالها القبض على أمير تنظيم الدولةالإرهابي في اليمن، الملقب بـ«أبو أسامة المهاجر»، وعدد من مرافقيه بينهم المسؤول المالي للتنظيم وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس». ولم يذكر المالكي تفاصيل وافية عن العملية باستثناء أنها حصلت يوم الثالث من يونيو في تمام الساعة التاسعة وعشرون دقيقة صباحًا، بعد مراقبة مستمرة لأحد المنازل، من دون ذكر اسم المنطقة التي تم فيها القاء القبض عليهم. لكن وبالعودة الى يوم الثالث من يونيو/حزيران الجاري، وهو اليوم الذي حدثت فيه العملية، وفق ما ذكرته قوى «التحالف» السعودي ـ الإماراتي في بيانها.
ويبدو لافتًا الخبر الذي أورده «المركز الإعلامي لمحافظة المهرة» والتابع للمحافظ، راجح باكريت، المقرب من السعودية، في هذا اليوم، حيث أفاد المركز أن قوات «التحالف» والشرطة العسكرية بمحافظة المهرة، نفذت عملية وصفها بـ«النوعية» استهدفت منزلاً بمدينة الغيضة يستخدمه حسب التفاصيل التي أوردها «إرهابيين مطلوبين للعدالة وكراً لتنفيذ مخططات إرهابية وتخريبية»، وانتهت العملية بالقبض على «أخطرهم دون اللجوء إلى استخدام القوة».
وأفاد المركز الإعلامي في وقتها أن «العصابة تنتمي لتنظيم القاعدة وكانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية بالمحافظة وإقلاق سكينتها واستقرارها»، موضحًا أن العملية جاءت «بعد سلسلة من التحريات التي أجرتها الأجهزة الأمنية بناءً على بلاغات بوجود عناصر مشبوهة». وقال سكان محليون إن «قوات الشرطة طوقت المكان وداهمت المنزل دون استخدام القوة وسيطرت على الوضع بهدوء».
ويلاحظ التطابق في الشكل مع اختلاف المضمون، بين ما قاله «التحالف» عن تفاصيل العملية، في الخامس والعشرين من يونيو، وبين ما ذكره المركز الإعلامي في الثالث من يونيو، إن من حيث اليوم الذي تمت فيه العملية، أو من حيث المستهدفين، أو من حيث تقاطع ما ذكره السكان المحليون مع ما ذكره المركز، من جهة «عدم استخدام القوة».
وفيما لم تذكر قوات «التحالف» أي دورٍ للقوات البريطانية والأمريكية فإنه بالعودة ايضًا الى يوم العاشر من حزيران/يونيو الجاري، فقد تداولت المواقع والقنوات الإخبارية خبرًا نقلته عن مصادر محلية يمنية مفاده أن «فرقاً عسكريّة أمريكية بريطانيةً سعودية ترتدي الزيّ العسكريّ اليمنيّ دهمت في الثالث من الشهر الجاري منزلاً في حيّ قطر بالغيضة واعتقلت ثلاثة يمنيين وسعودياً يُعتقد بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة»، مشيرة إلى أنّ «عملية الاقتحام تمّت بحماية قوات كبيرة من الشرطة العسكرية بقيادة قائدها العقيد محسن مرصع»، وهي رواية تتطابق من حيث الشكل مع بيان «التحالف». وهنا، تُطرح تساؤلات عديدة حول أسباب التكتم الإعلامي الذي اتبعه «التحالف» طوال هذه المدة، تجيب عن بعضها، الاختلافات الواضحة في المضمون، لا سيما وأن المعلن في حينها كان «عناصر من تنظيم القاعدة» ليتحوّل الأمر الى إلقاء القبض على أمير «تنظيم الدولة» في وقتٍ لاحق، وكأن الرياض سعت الى ترتيب معيّن لتظهر عمليتها الأمنية كإنجاز تحاول من خلاله «شرعنة» وجودها في محافظ المهرة، التي لم تهدأ احتجاجات سكانها منذ أكثر من عام، مطالبين قوات «التحالف» بالانسحاب منها. ويذكر أن العملية جاءت بالتوازي مع تهديد وجهته قبائل المهرة، للقوات السعودية المتواجدة بالمحافظة، بالتصدي لها عسكريًا، في حال لم تنسحب.
على خطٍّ موازٍ، تتقاطع معلومات ذكرتها مواقع يمنية لتكشف أن العملية كان مخططًا لها، وأن ما قيل عن «اعتقال أمير داعش» كان أمرًا مدبرًا بين محافظ المهرة وقوات «التحالف»، تم خلاله استدراج «المهاجر» من قبل المحافظ. فقد جرى، حسب مصادر إعلامية يمنية، استدعاء «المهاجر» من إحدى ضواحي مدينة مأرب، واستئجار شقة سكنية تم تأثيثها له بمدينة الغيضة في محافظة المهرة، عبر محافظها راجح باكريت الذي استأجر المنزل من امرأة تعمل موظفة عامة، وقام بتأثيثه وتجهيزه ليسكن فيه «المهاجر»، ما يشي وجود علاقة وطيدة سابقة بين باكريت و«المهاجر»، دفعت الأخير الى الوثوق به والقدوم الى المهرة بناءً على طلبه.
وأكدت مصادر محلية تواصلت مع مالكة المنزل الذي تم استئجاره أن المنزل لم يكن معروضا من قبل للإيجار، في حين ترفض مالكته الحديث عن طبيعة التنسيق الذي تم معها في عملية الاستئجار، وما إذا كانت تعلم عن انتماء «المهاجر» لتنظيم «داعش» أم لا.
وقد جاءت قوات سعودية واقتحمت المنزل الذي كان يتواجد فيه «المهاجر» بعد أيام قليلة من نزوله في تلك الشقة مع آخرين كانوا برفقته بينهم سعوديون، واقتادت الجميع إلى مطار الغيضة الذي تتخذه قاعدة عسكرية لها في المهرة، والذي تتواجد فيه قوات أمريكية وبريطانية، قبل أن يتم ترحيلهم إلى العاصمة السعودية الرياض. ويذكر، أن محافظ المهرة توجه الى الرياض في تلك الفترة، حيث التقى خلال الزيارة بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، قبل أن يعود إلى المهرة مجددًا عقب إجازة عيد الفطر المبارك.
ويذكر أنه لم تتأكد حتى اللحظة هوية «المهاجر»، وإذا كان هو فعلًا أمير تنظيم الدولة في اليمن، فاسمه لم يرد في أي تحقيق أو تقرير سابق يؤكد ذلك وقد ظهر لأول مرة في بيان «التحالف».