“المقاتل 88″، كان هذا لقبه في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية. الجاسوس الأكبر، رجلنا في دمشق، ايلي كوهن.
بعد 54 سنة من القبض عليه وشنقه، انتهت مؤخراً في الموساد كتابة تقريرين شاملين عن نشاط كوهن. يستند التقريران إلى آلاف الوثائق التي في الملفات، وهما يسمحان بإطلالة مشوقة إلى داخل العالم المهني والمعقد لمعتقده، وتأهيله، وخلق الغطاء وتفعيله لهذا “المقاتل الهدف” – رأس حربة الموساد.
أجزاء واسعة من التقارير والصور النادرة من ملف تفعيل ايلي كوهن وصلت إلى “يديعوت احرونوت” وتلقي ضوءاً جديداً على القضية.
هكذا يبدو إعداد وتفعيل الجاسوس ايلي كوهن. حتى اللحظة التي دقت فيها قوات الأمن السورية باب بيته، في قلب دمشق.
في إطار إجراء إعداد نقل كوهن لمدة ثمانية أشهر (من أيار 1960 وحتى كانون الثاني 1961) إلى شقة عملياتية في تل أبيب، هناك بدأ يعمل على تغطيته، في سرية تامة حتى عن زملائه المقاتلين. “أقل من عشرة أشخاص كانوا يعرفون هويته الحقيقة”. روى لي جدالي خلف، أحد المدربين ومن سيصبح لاحقاً أحد المسؤولين عن كوهن.
القلائل الذين شاركوا في تجنيده وتأهيله رووا أن وداع كوهن لزوجته ناديا وابنته الصغيرة صوفي لم يكن سهلاً. فناديا لم تكن تعرف وجهة سفره. بالتنسيق، لغرض التغطية على مكان وجوده في الخارج، تقرر أن ينقل مندوب الوحدة الرسائل بين ايلي وعائلته. معظم هذه الرسائل كتبت مسبقاً، بينما لا يزال ايلي في البلاد، وأشار إليها بتواريخ مختلفة.
في ملف الموساد المنكشف الآن، يسجل ما لا يقل عن 50 اسماً من المسؤولين السوريين الكبار الذين نجح كوهن في خلق اتصال معهم في أثناء جولته الأولى في دمشق (كانون الثاني – تموز 1962). هؤلاء الشخصيات، حسب التقرير، “كانوا له كمصادر للمعلومات”، وساعدوه على التعرف على دمشق والانخراط فيها. وكانت القائمة مثيرة للانطباع حقاً وتضمنت: جلال السيد الذي كان في الماضي نائب رئيس الحكومة السورية، ومعاذ ظهر الدين ابن أخت رئيس أركان الجيش السوري، وشغل لاحقاً منصب حاكم لواء إدلب في الجيش السوري، وآخرين.
كانت هذه جولته الأولى في دمشق، وكان يفترض أن تستمر ثلاثة أشهر فقط، ولكن كوهن طلب تمديدها. “الرجل يجلس بقوة في دمشق”، كتب في تقرير قيادة 188، “يصنع الكثير من المعارف ويشعر بشعور ممتاز”.
في أيلول 1964 صار له ولزوجته ابنتان، صوفي وايليت، وكانت ناديا في أواخر حملها بالابن شاي. اتفق على تمديد مكوث كوهن في البلاد كي يتمكن من المشاركة في طهور ابنه ويكون إلى جانبه. وكانت الاستعدادات في البلاد للجولة التالية اعتيادية. ووجهت التعليمات لكوهن لجمع المعلومات عن محاور مختلفة في سوريا، وضع خريطة لخطوط الهاتف، ومعلومات عن حزب البعث، واستقرار النظام، وغيرها. لم يلمح أي شيء بأن هذه ستكون الجولة الأخيرة.
وبالفعل، بدأت الجولة مثل كل سابقاتها: كوهن سافر إلى أوروبا وبدأ يثبت التغطية لتغيبه الطويل عن دمشق. وشهد مسؤوله على أن كوهن خرج إلى الهدف “وهو في معنويات عالية”، وحرص على أن يبقي رسائل وهدايا لأبناء عائلته. تجدر الإشارة بأن لناديا رواية مختلفة عن معنوياته. “أقدامي في النار”، تعيد ما قاله لها، وهذا يؤشر إلى أنه يعتقد أن أحداً ما في سوريا يشتبه به.
وكان البث الأول من دمشق في هذه الجولة في بداية كانون الأول 1964. ومن البرقيات التي بثها حتى 20 كانون الثاني 1964 (29 في عددها) يمكن أن نتعرف على أنه واصل مهماته الاستخبارية، دون أن يرى حاجة لتناول أي مشكلة أمنية. في 19 و20 كانون الثاني، بث كوهن برقية بلا مضمون: رسالة بأنه يعلق في ضائقة. في 26 كانون الثاني بث السوريون لإسرائيل برقية افتراضية – وحشية، فهم منها أن كوهن في أيديهم. “المقاتل 88” مقبوض عليه.
بقلم: رونين بيرغمان
يديعوت 11/9/2019