يبدو أن اجتماع جنيف بين وزير الخارجية الإيراني ووزراء خارجية الترويكا الأوروبية قد وفر الفرصة للأوروبيين للعودة للعب دور في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. فبعد أن كان لدول (5+1) دور مهم في تحقيق الاتفاق بين إيران والمجتمع الدولي عام 2015 والذي نظم مسألة عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية، عبر فرض رقابة منظمة الطاقة الذرية الدولية على البرنامج النووي الإيراني. هذا الاتفاق الذي أنجزته إدارة الرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما، لم يكن مقنعا بأي شكل من الاشكال لتل أبيب، وقد اعتبرته حكومة نتنياهو هزيمة للإرادة الدولية. وعملت حكومات اليمين الإسرائيلي جاهدة على تقويض الاتفاق، حتى نجحت في ذلك إبان العهدة الرئاسية الأولى للرئيس دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق عام 2018.
لكن الدور الأوروبي عاد للواجهة الدبلوماسية في عهدة الرئيس جو بايدن، إذ خاض الأمريكيون مع الأوروبيين عدة جولات تفاوض في فيينا مع الإيرانيين لإحياء الاتفاق النووي، وكان الطرفان على مقربة من التوصل إلى الاتفاق النهائي عندما فاز الرئيس ترامب بولايته الثانية، ودخل البيت الابيض في يناير 2025 ، فعاد مجددا لإغلاق الباب بوجه جولات التفاوض الدولية مع إيران.
يتزايد التشكك في قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية وحدها ويعتقد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين أن إسرائيل لا تستطيع وقف البرنامج النووي الإيراني بمفردها
وبعد أشهر من بدء ولايته الرئاسية فاجأ الرئيس ترامب العالم بإطلاقه مبادرة منفردة لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني، عبر جولات تفاوض أمريكية – إيرانية، وقد تم عزل الأوروبيين من لعب دور في جولات التفاوض بطريقة مذلة، نتيجة عنجهية ترامب في التعامل مع شركائه الأوروبيين.
انطلقت جولات تفاوض رعتها سلطنة عمان، وتحقق في هذا المضمار خمسة جولات توزعت بين مسقط وروما، وكان الطرفان قد اتفقا على جولة سادسة في العاصمة العمانية كان المقرر تنفيذها يوم الأحد 15 يونيو الجاري، إلا أن تخوف نتنياهو من توصل إدارة ترامب إلى اتفاق مع طهران جعله يتخذ القرار بمهاجمة إيران بضربة استباقية نفذها جيش الكيان يوم 13 يونيو، بحجة مفادها اقتراب إيران الوشيك من تصنيع القنابل النووية، وهي الحجة ذاتها التي كررها نتنياهو منذ 1996. والكل يتذكر تصريحه الناري عام 2012 والذي قال فيه أن أسابيع قليلة تفصلنا عن توصل إيران لتصنيع قنبلة نووية. وتجدر الإشارة إلى أن دول الترويكا الأوروبية (المانيا، فرنسا، المملكة المتحدة) لم تكن على علم مسبق بساعة الصفر، التي نفذ فيها الطيران الإسرائيلي ضربته الاستباقية في عمق الأراضي الإيرانية. بينما ذكر الطرفان، الإسرائيلي والأمريكي، أن ضوءا أخضر منح من إدارة ترامب لتل ابيب قبيل تنفيذها الضربة التي اشعلت الحرب. إذ قال الرئيس ترامب في حديث لوكالة رويترز معلقا على الأحداث: «كنا نعرف كل شيء، وحاولتُ جاهدا إنقاذ إيران من الإذلال والموت.. حاولتُ جاهدا إنقاذهم لأنني كنتُ أتمنى لو رأيتُ اتفاقا يُبرم». وأضاف: «لا يزال بإمكانهم التوصل إلى اتفاق، ومع ذلك، لم يفت الأوان بعد. لقد كنا قريبين جدا من إسرائيل. نحن حليفهم الأول بلا منازع». وأضاف: «سنرى ما سيحدث». وذكرت صحيفة «اللوموند» الفرنسية أن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة كانت قد دعت يوم الجمعة 13 يونيو، بطريقة غير متوقعة، بل وبهلوانية، إلى ضبط النفس والدبلوماسية، دون إدانة إسرائيل أو التنصل من ضرباتها. واحدة تلو الأخرى، أيدت الدول الثلاث «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، في مواجهة ما تعتبره تهديدا وجوديا في احتمالية امتلاك طهران أسلحة نووية. وحتى الآن، تحاول باريس ولندن وبرلين، دون جدوى، إقناع بنيامين نتنياهو بالتراجع عن تهديداته لصالح الخيار الدبلوماسي،
وقد أشارالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الجمعة 13 يونيو: نحن»ندعم أمن إسرائيل، وإذا تعرضت إسرائيل لهجوم، فستشارك فرنسا في عمليات دفاعية، إذا كانت قادرة على ذلك»، لكنه أوضح أن فرنسا لن تشارك «في أي عملية هجومية». وأضاف: «لطالما فضّلنا المسار الدبلوماسي على التدخل العسكري، ولذلك لم توصِ فرنسا بشن هجمات من قِبل إسرائيل»، مؤكدا أن فرنسا «لم تُخطّط لهذا القرار مع إسرائيل». وبالمثل، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم 13 يونيو: «حان وقت ضبط النفس والهدوء والعودة إلى الدبلوماسية»، لكن عدم إبلاغ المملكة المتحدة بالهجوم الإسرائيلي على إيران قبل وقوعه، وفشلها في دعم العملية، يُسلّط الضوء على «تدهور العلاقة بين البلدين»، حسبما ذكرت صحيفة «التايمز» اللندنية.
وفي قمة مجموعة السبع التي عقدت في كندا يوم 15 يونيو، ألقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمتها باللوم على إيران، مشيرة إلى ما توصلت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق، من أن طهران لم تمتثل لالتزاماتها. وقالت فون دير لاين: «في هذا السياق، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. إيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي». وقالت إن قمة مجموعة السبع ينبغي أن تناقش الأزمة الإيرانية إلى جانب أوكرانيا، التي تعرضت لهجمات بطائرات مسيرة باعتها طهران لروسيا. وأضافت: «إن النوع نفسه من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، المصممة والمصنوعة في إيران، تضرب عشوائيا مدنا في أوكرانيا وإسرائيل. ولذلك، يجب التصدي لهذه التهديدات معا».
التطور اللاحق في الموقف الأوروبي تمثل في لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية يوم 20 يونيو في جنيف في جلسة بدت وكأنها محاولة جس نبض من الأوروبيين لإمكانية جلوس طهران إلى طاولة المفاوضات مجددا. وقد علقت وكالة رويترز على لسان أحد السياسيين الأوروبيين الذي قال: «لا يستطيع الإيرانيون الجلوس مع الأمريكيين، بينما نستطيع نحن ذلك. سنطلب منهم العودة إلى طاولة المفاوضات لمناقشة القضية النووية قبل السير في أسوأ السيناريوهات، مع التعبير عن مخاوفنا بشأن صواريخهم الباليستية ودعمهم لروسيا واعتقال مواطنينا». وفي بيان مشترك صدر بعد انتهاء المحادثات، قالت الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي إنها «ناقشت سبل التوصل إلى حل تفاوضي للبرنامج النووي الإيراني». وأعربت الدول عن قلقها إزاء «توسع» البرنامج النووي، مؤكدة أنه «ليس له أي غرض مدني موثوق». وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول: «النتيجة الإيجابية اليوم هي أننا نغادر القاعة بانطباع بأن الجانب الإيراني مستعد تماما لمواصلة الحوار حول جميع القضايا المهمة»، مضيفا أن الجانبين أجريا «محادثات جادة للغاية». وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي: «نحن حريصون على مواصلة المناقشات والمفاوضات الجارية مع إيران، ونحثها على مواصلة محادثاتها مع الولايات المتحدة». وأضاف: «كنا واضحين: لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي».
كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: «يمكن للعمليات العسكرية أن تُبطئ البرنامج النووي الإيراني، لكنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال القضاء عليه. نحن نعلم جيدا – بعد أن رأينا ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا – مدى وهم وخطورة السعي لتغيير النظام من الخارج». وأضاف بارو؛ أن الدول الأوروبية «دعت الوزير الإيراني إلى التفكير في مفاوضات مع جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، ودون انتظار انتهاء الضربات». وأوضح وزير الخارجية الفرنسي أنه في المناقشات مع إيران، وافق وزير الخارجية عراقجي على «طرح جميع القضايا على الطاولة، بما في ذلك بعض القضايا التي لم تكن مطروحة من قبل»، و»أظهر استعداده لمواصلة الحوار – الذي بدأناه اليوم – وأن يُساعد الأوروبيون في تسهيله، بما في ذلك مع الولايات المتحدة».
يشير بعض المراقبين إلى جانب ثقافي مؤثر؛ إذ ينظر الكثيرون في أوروبا إلى الصراع الإسرائيلي – الإيراني على أنه صراعٌ بين داود وجالوت. وهناك أيضا انبهار واسع النطاق ببراعة عمليات الموساد الشبيهة بأفلام جيمس بوند. ومثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يُقدّر العديد من الأوروبيين ببساطة الفائز. وقد وجّه المسؤولون الإسرائيليون رسالة واضحة إلى نظرائهم الأوروبيين: إسرائيل تضرب البنية التحتية العسكرية، بينما تستهدف إيران عمدا المراكز السكانية المدنية. باختصار، يمكننا القول إن دعم أوروبا الحالي لإسرائيل مشروطٌ ومؤقت. في الأوساط الدبلوماسية، يتزايد التشكك في قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية وحدها. ويعتقد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين أن إسرائيل لا تستطيع وقف البرنامج النووي الإيراني بمفردها، وستحتاج في نهاية المطاف إلى دعم الولايات المتحدة أو حل دبلوماسي شامل.
كاتب عراقي
هل تقصد الموقف الأوروبي من العدوان الإسرائيلي على إيران بدلاً من ” الموقف الأوروبي من الحرب الدائرة في الشرق الأوسط ” ؟ .
كلهم سواء عصابة الحلف الصهيو صليبي الأمريكي البريطاني الألماني الفرنسي النازي الفاشي الدموي المجرم الذي يبيد البشر والحجر في فلسطين منذ 1948 بواسطة هذه العصابة القذرة التي جلبوها من شوارع أروربا القذرة وزرعوها في قلب فلسطين العام 1948 ظلما وعدوانا وبقوة الحديد والنار معشر الفجار الأشرار الصهاينة الملاعين ✌️🇵🇸🇮🇷☝️🔥🐒🚀