الموقف العربي من حرب غزة… والخطر على فلسطين

حجم الخط
2

يتساءلون عن الموقف العربي المخزي من مذابح الشعب الفلسطيني في غزة، والضفة من قبل الجيش الصهيوني، وماذا حل بالأنظمة العربية وكأن القضية لم تعد تعنيهم، وكأن الشعب الفلسطيني وقضيته لم تعد من أولويات هذه الأنظمة رغم أن الخطر الصهيوني يهدد بعضها وربما معظمها. ما السر في ذلك؟
هل هو الخوف من الراعي الأمريكي باتخاذ مواقف ضد المعتدي الصهيوني المرتكب إبادة جماعية، وجرائم حرب وضد الإنسانية التي لا مجال للشك فيها بدعم منه؟
المسألة أعمق من ذلك، ولها أسبابها، ولكن مهما تكن من أسباب لا يمكن الأخذ بها لأن هناك خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته. وخطر أكبر على أكثر من دولة وعلى الأخص دول الطوق.

الموقف من حماس

تتخذ العديد من الأنظمة العربية مواقف معادية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أو عدم نصرتها في حربها مع الكيان المحتل على أقل تقدير لعدة أسباب: لأنها إسلامية أولا (وهذا يعود لانقلاب موازين هذه الأنظمة بعد انطلاقة الربيع العربي في أكثر من دولة عربية التي هيمنت عليها القوى الإسلامية، وقامت هذه الأنظمة بثورات مضادة لإحباطها وإخمادها لتمنع انتشار الشرارة الربيعية وقد نجحت في ذلك )، ولتحالفها مع إيران ثانيا التي يعتبرها أكثر من نظام عربي المهدد الأول للاستقرار لدول المنطقة، ولأن عملية طوفان الأقصى خلطت أوراقا كثيرة ووضعت هذه الأنظمة بين أمرين أحلاهما مر، إن ناصروا حماس على مضض فإنهم سيغضبون أمريكا وإسرائيل، وإذا انتصرت حماس فإنها ستعطي زخما كبيرا للقوى الإسلامية وإيران، وتكون في موقف لا تحسد عليه، لهذا السبب طلبت بعض الأنظمة من الإدارة الأمريكية ومن دولة الاحتلال الانتصار على حماس بأسرع وقت ممكن لأنه كلما طالت الحرب، كلما تعاظم الحرج، والخوف من انتفاضات جديدة وامتدادها، وعودة الربيع العربي. (حسب المسؤول دينس روس فإن أكثر من زعيم عربي تربطه بهم معرفة قديمة قالوا إنه لابد من تدمير حماس، وصرح موسى أبو مرزوق أحد قادة حماس: إن الكثير من الأجانب أبلغوه أن مسؤولين في السلطة الفلسطينية، ودولا عربية طالبوا الغرب بالخفاء القضاء على حماس).
وفي ظل هذا الصمت العربي المريب يستمر العدوان لدولة الاحتلال وارتكاب المجازر باستخدام أكبر قنابلها لقصف المدنيين بينما يقف العالم متفرجا على أفعال دولة فوق القانون، ونداء المتحدث باسم حماس أسامة حمدان الموجه لوزراء الخارجية العرب بقوله:” إننا وأمام كل هذه الانتهاكات نضع أشقاءنا وزراء الخارجية العرب أمام مسؤولياتهم العروبية الأصيلة ونؤكد أن استمرار العدوان لا يشكل خطرا فقط على الفلسطينيين بل هو خطر يهدد الأمن القومي العربي الجامع”
وطلب حمدان من وزراء الخارجية العرب بوقف العدوان وإبادة الشعب الفلسطيني وإغاثته بفتح المعابر وإدخال المساعدات، وإدانة جرائم الاحتلال، والملاحقة القانونية لدولة الاحتلال وقادتها، وسيصل حمدان قريبا إلى القناعة الراسخة أن نداءه لن يسمعه أحد.

الملف الديبلوماسي

فحمدان لم يطلب من الأنظمة العربية أسلحة، ولا إرسال جيوشها الجرارة لضرب الاحتلال، بل كل ما طلبه يندرج ضمن الملف الديبلوماسي والإغاثي.
وبات من الواضح أن الأنظمة العربية حسمت مواقفها من القضية الفلسطينية منذ الحرب الأخيرة ضد إسرائيل في العام 1973 وهي عدم الدخول في مواجهات مسلحة مع إسرائيل وتكتفي بالمطالبة الكلامية بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
والواقع أنه لم تعد ترى القضية الفلسطينية من منظار أمنها القومي المهدد (كما يحصل اليوم في سوريا حيث الطائرات الإسرائيلية تعربد في أجوائها وتقوم بمئات الضربات كان آخرها ضربة مصياف دون أن تتعرض لها أي مقاومة أو حتى أي رد، ومنذ سنين ونحن نسمع أن الرد سيأتي في المكان والزمان المناسبين)، ولا حتى واجبها تجاه المقدسات الإسلامية، واحتلال أراض عربية.
وهذا ما اتضح خلال كل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين في لبنان، والضفة الغربية، وغزة، وكل الاغتيالات السياسية التي قامت بها وكان آخرها وليست أخيرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. فهي أي الأنظمة العربية لم تحرك ساكنا، بل هناك من أدان عملية طوفان الأقصى كما جاء على لسان وزير الدولة للتعاون الدولي الإماراتية في مجلس الأمن أنها “بربرية وشنيعة” مع أن هذا التصريح تزامن مع الإعلان عن مقتل 5100 فلسطيني منهم 2100 طفل بعد اجتياح جيش الاحتلال غزة.
ووصف ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة عملية طوفان الأقصى بـ”البربرية والمروعة”. وفي شأن محكمة العدل الدولية وتقديم جنوب افريقيا بدعوى ضد إسرائيل لارتكابها جرائم إبادة جماعية فقد انضمت إليها 8 دول أجنبية آخرها التشيلي، ولم تنضم أي دولة عربية إليها.

الأخطار في فلسطين

انسحاب الأنظمة العربية من ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني، وصمتها على جرائمه، أو تكرار زيف البيانات الاستهلاكية، دفع دولة الاحتلال ومن خلفها أمريكا وكل الدول الغربية الداعمة إلى توسيع فرجار جرائمها دون الخشية من الاصطدام بأي معارضة عربية، أو تهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع مثلا، أو حتى سحب السفراء كما فعلت عدة دول من أمريكا اللاتينية، فخلال سنة تقريبا من جرائم الاحتلال في غزة والضفة كانت مواقفها مواقف المتفرجين في صالة سينمائية، وهذا ما فاقم الأخطار التي تهدد فلسطين والتي تخطط لها دولة الاحتلال، والمتمثلة بمجموعة خطط تعمل على تنفيذها في الضفة الغربية وغزة.
فهي تريد أن تقضي على حماس بكل الوسائل الممكنة، وعودة احتلال غزة وبناء مستوطنات فيها كما كانت سابقا قبل العام 2005 عندما قررت الانسحاب منها بعد اتفاق أوسلو، وذلك بعد أن تكمل مخططها في الإبادة الجماعية ( في تاريخ كتابة هذا المقال وصل عدد جرائم القتل في غزة إلى حوالي 60 ألف جريمة، وأكثر من 100 إلف إصابة).
وهي خطة يعمل اليمين المتطرف على إنجازها بشتى الطرق، وتصريحات وزير المال الإسرائيلي المتطرف بتسليئيل سموتريش، ووزير الأمن إيتمار بن غفير، وخريطة فلسطين التي يلوح بها دائما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتم محو الضفة الغربية وغزة منها، وتصريح المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب أن “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها” أكبر دليل على ذلك.

زيادة عدد المستعمرات

والخطة الاستعمارية المخطط لها بموافقة أمريكية، هي زيادة عدد المستعمرات، (مع أن مجلس الأمن قد صوت على القرار رقم 2334 في العام 2016 الداعي لوقف الاستيطان بما فيها القدس الشرقية) وزيادة الحواجز لقطع أوصال الضفة ومنع أهاليها من التحرك إلا في مساحات ضيقة جدا، وتنظيف المخيمات التي تنطلق منها الانتفاضات والمقاتلين لوأد حق العودة، وفي المرحلة الثالثة شرعنة ضم الضفة، وقد ظهر جليا في زيارة نتنياهو لمنطقة الأغوار وإعلانه عن خطة لبناء جدار عازل مع الحدود الأردنية، ما أثار قلق الأردن، وقد أعربت عن استيائها ببيان لوزارة الخارجية قالت فيه إنها:”تدين اقتحام غور الأردن كذلك ما صاحب هذا الاقتحام من ادعاءات باطلة (من نتنياهو)، واختلاق لأخطار بهدف توسيع سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعبر الدعوة لتوسيع الاستيطان، وغيرها من .وأنه “لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة”، مؤكدة “رفض المملكة المطلق واستنكارها الشديد لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي، الداعية إلى توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وهذه الانتهاكات لدليل واضح على أن الكيان الصهيوني الذي يعتبر نفسه فوق القانون الدولي، ولم يحترم قرارا واحدا منذ إنشائه في 1948 لا يحترم أيضا اتفاقيات التطبيع، فهو ألغى اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية، وينتهك اتفاقية وادي عربة مع الأردن بانتهاك غور الأردن وبناء جدار عازل، وينتهك اتفاقية كامب ديفيد مع مصر باحتلاله محور صلاح الدين ومنع وصول المساعدة من معبر رفح ذي السيادة المصرية الفلسطينية. وكل هذه الانتهاكات هدفها واحد هو فعل المستحيل لمنع قيام دولة فلسطينية، من ناحية وتمدد الاحتلال في جميع الاتجاهات، وتهويد الأقصى.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mohammed dabash:

    في الماضي كان زعماء الانظمه العربيه و للحفاظ علي كراسي الحكم و كيانات الانظمه في هذه الدول يحاولون التقرب من القضيه الفلسطينيه ببعض الدعم ان كان بالكلام او بعض الاحيان ماديا لايهام الشعوب العربيه بان هذه القضيه حمل كبير علي ظهر النظام لطلب العذر من اي تقصير للنظام بحق الشعب اما الان فقد اختلفت المعادله فاصبح التقرب من اسرائيل ( تطبيع و علاقات دوبلوماسيه) لارضاء امريكا هو العامل الوحيد للحفاظ علي امن النظام و كرسي الزعيم و قد انتهي امر او مفعول الشعوب و خاصتا بعد الربيع العربي فاصبحت قيادة المقاومه الفلسطينيه لا يمكن استغلالها لمصلحة وجود النظام بل اصبحت تشكل خطرا علي وجود هذه الانظمه حسب اعتقادها

  2. يقول حنين:

    بحمد الله اصبحت حركة المقاومة الإسلامىة (حماس) تعرف كيف تتكيف مع الوضع والتغييرات، سلسلة طويلة من المقاومة والشهداء، وبمرور الوقت أصبحت أقوى وأكثر ثباتا وعددا, والشعب الفلسطيني ورغم الإبادة التي يتعرض لها، وما فقده من شهداء ودمار وما يعانيه جراء النزوح والقصف، إلاّ أنه لا يزال يوجه من بين الركام والدمار وخيام النزوح رسائل الثبات والتمسك بالدين والأرض والوفاء لخيار المقاومة؛ ما يمثل صفعة شديدة للاحتلال وأعوانه. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اشترك في قائمتنا البريدية