الميدان يسمح بوقف الحرب وهو يريدها.. هل يدرك نتنياهو ما ينتظره في الداخل الإسرائيلي؟

حجم الخط
1

ما يتم الهمس به في أروقة جهاز الأمن سيكون قريباً مفهوماً لمعظم الجمهور. أساس التهديد العسكري الذي يشكله رجال حماس في قطاع غزة تجاه منطقة الغلاف، أزيل في هذه المرحلة. وحتى التهديد من القطاع على مركز البلاد تقلص إلى الحد الأدنى. وقدرات حزب الله العسكرية تقلصت جداً، حتى لو كان بإمكانه مواصلة إطلاق كل يوم مئات الصواريخ نحو شمال البلاد وصليات مركزة نحو المركز. تحسن الإنجازات العملياتية التي حققها الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات، يعتمد على مزيد من الضغط عسكري آخر – من الآن فصاعداً سيعتمد على العمل السياسي.
لكنه أفق سياسي لا تنوي الحكومة استغلاله. لن تكون في غزة صفقة ما دام الأمر متعلقاً بها. الاحتمالية أعلى في لبنان، لأن الاتفاق الذي سيناقش بسيط أكثر. ولكن استمرار الحرب، بشكل خاص في غزة، يخدم بقاء رئيس الحكومة نتنياهو السياسي، لذلك من الصعب التصديق بانتهائها.
الجنرال احتياط يعقوب عميدرور، وهو من المستشارين المقربين من نتنياهو، قال علناً في مقابلة مع “هيئة كان” في بداية الأسبوع: “صفقة التبادل ستمكن حماس من مواصلة السيطرة على غزة، لذلك لا يمكن تنفيذها”. وحسب قوله، ستحافظ إسرائيل على وجودها في القطاع حتى بعد انتهاء الحرب. أول أمس، اقتبست القناة 13 أقوال جنرال الاحتياط نيتسان الون، وزير شؤون الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي، وهو رجل مستقيم بطبعه، كل هدفه إعادة المخطوفين، حذر من أن “الوقت يدفع والوضع يتدهور. حماس تضررت في كل مكان، الشتاء على الباب وظروف المخطوفين في حالة تدهور. إنجازات الجيش الإسرائيلي تخلق الفرصة لعقد الصفقة”. مكتب نتنياهو رد على ذلك ببيان: “الحديث يدور عن كذبة أخرى في صناعة الأكاذيب”. شخص ما أبقى ماكينة السم على الحالة الأوتوماتيكية ونسي توقيفها.
حرب أبدية استهدفت وبحق خدمة أهداف نتنياهو الشخصية – التملص من الأخطار الثلاثة التي تهدد استمرار حكمه: تبكير موعد الانتخابات، تشكيل لجنة تحقيق رسمية تناقش الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة في 7 أكتوبر، وبدء تقديم شهادته في محاكمته الجنائية في بداية الشهر القادم (المحكمة المركزية في القدس رفضت أول أمس طلبه لتأجيل تقديم شهادته). بداية ولاية ترامب الثانية قد تساعد في ذلك، وتزيل عن نتنياهو ضغط إدارة بايدن. يبدو أنه يمكن التقدم كما هو مخطط نحو أهداف طموحة أكثر – احتلال دائم لأجزاء من القطاع، وإعادة المستوطنات إليه وربما ضم الضفة الغربية. هذا هو سبب فرح المستوطنين في الأيام العشرة الأخيرة.
عملياً، قد تلوح في الأفق الآن نقطة تصادم بين الأجندات المتناقضة للمعسكرين اللذين يستند إليهما ائتلاف نتنياهو، الأحزاب الحريدية وأحزاب اليمين المتطرف. استمرار القتال في الشمال والجنوب سيفرض عبئاً ثقيلاً على رجال الاحتياط خلال العام 2025، وسترافقه تأثيرات قاسية على الاقتصاد. وعائلات كثيرة من عائلات جنود الاحتياط تعلن بأنها تستصعب تحمل العبء الاقتصادي والنفسي، فضلاً عن عدد المصابين المتزايد (حسب بيانات قسم الموارد البشرية، منذ بداية الحرب وحتى مساء أمس قتل 794 جندياً، بينهم 269 من جنود الاحتياط).
المزيد من العمليات الهجومية الواسعة في لبنان ستحتاج إلى مزيد من القوات، وضمن ذلك تجنيد غير مخطط لوحدات احتياط أخرى. في وقت ما، قد تندلع أزمة بأبعاد لا يمكن تقديرها مسبقاً، إلى درجة حدوث مشاكل في الامتثال لأوامر التجنيد. في الخلفية إحباط متزايد – وكذلك في أوساط مؤيدي الصهيونية الدينية – من قوانين التهرب التي يحاول الائتلاف تمريرها، مع تجاهل صارخ للضحايا في أوساط من يخدمون في الجيش. نتنياهو مقيد من قطاعين، وطلباتهما قد تكون متناقضة. ولتجسيد حلم المستوطنين، المطلوب هو المزيد من الجنود والمزيد من العبء على رجال الاحتياط. في حين أن الحريديم يريدون ضمان تسوية التهرب وضخ الميزانيات ومواصلة سرقة الخزينة العامة لغاية المصوتين لهم. هذه التوجهات لا تندمج معاً، وجمهور كبير من المدنيين يعلق بينها، الذي هو شريك كامل في دفع الثمن، وليست له أي كلمة في تحديد الأهداف المتغيرة والمتوسعة للحرب.
ما الذي يريده ترامب؟ في الفترة الأخيرة ظهرت إمكانية أن الرئيس المنتخب سيحاول إملاء وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حتى قبل دخوله إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني القادم. ربما تكون مصلحة للطرفين. حزب الله تم ضربه عسكرياً (حتى لو لم يُهزم)، ودولة لبنان تكبدت أضراراً شديدة بسبب الهجمات الإسرائيلية، وهناك اعتقاد بأن إيران معنية أيضاً بتقليص الخسائر. لإسرائيل كما يبدو مصلحة في إنهاء المعركة إذا استطاعت الحكومة إقناع سكان المنطقة على الحدود الشمالية بالعودة إلى بيوتهم بأمان (حتى عندها ستبقى مهمة إصلاح كبيرة في المستوطنات المهجورة).
في القطاع، مثلما وصف في هذا الأسبوع ينيف كوفوفيتش وآفي شاريف في “هآرتس”، يشير الاستعداد على الأرض إلى وجود خطط للجيش الإسرائيلي للبقاء هناك لفترة طويلة. الجيش الإسرائيلي يشق الشوارع الواسعة ويبني مواقع عسكرية ثابتة كبيرة ويعد بنى تحتية لمدى طويل. شمال القطاع مقسم إلى مناطق فرعية، والجيش الإسرائيلي يطوقها ويسيطر على كل طرق الخروج منها. هكذا يتصرف جيش يقدر بأن قواته ستنتشر في القطاع، على الأقل خلال العام 2025، وليس كجيش يتوقع في كل لحظة عقد صفقة تبادل ووقف إطلاق النار والانسحاب الكامل. اهتمام إدارة واشنطن الجديدة يظل محدوداً. لم يظهر ترامب ذات يوم تعاطفاً مع الفلسطينيين، ولا يهمه القانون الدولي إزاء الحرب إلا كقشرة ثوم.
رؤية قصيرة النظر
المجتمع الدولي كله متأهب، وبعضه قلق، عقب فوز ترامب. دولة واحدة، هي إيران كما يبدو، قلقة بشكل خاص. مرت ثلاثة أسابيع منذ الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، لكن الرد الذي وعد به النظام في طهران لم يأت. في الولايات المتحدة نشر أن الإيرانيين يضغطون على المليشيات الشيعية في العراق لاستخدام عشرات المسيرات في الهجوم على إسرائيل. حتى الآن، هذه المليشيات تكتفي بإطلاق عدد قليل من المسيرات، كل ليلة تقريباً. في الخلفية، يتطور نقاش حذر في قيادة إيران: هل يجب التنازل ومحاولة بلورة اتفاق نووي جديد مع الإدارة الأمريكية الجديدة، أم مواصلة السير على الحافة، وحتى الإعلان عن انعطافة في تحقيق قدرة نووية كاملة.
نتنياهو تأثر من عودة صديقه ترامب، وفي المقابل هو مضغوط من التحقيقات ضد رجال مكتبه، ويلقي خطابات على الوزراء بشأن واجب منع كارثة ثانية على اليهود، والحاجة إلى الاستعداد لإمكانية مهاجمة المنشآت النووية. عملياً، رغم النجاح الواضح في المس بمنظومات الدفاع الجوية الإيرانية، فإن خبراء أجانب يشككون بشكل كبير في قدرة إسرائيل على تدمير كل المنشآت النووية الموجودة تحت الأرض بدون أن تكون في إطار هجوم منسق مع الولايات المتحدة. هذه بالتأكيد قضايا طرحت في السابق في حادثات هاتفية بين نتنياهو وترامب منذ الانتخابات، وفي بعثة الوزير المقرب جداً منه رون ديرمر للولايات المتحدة.
في محيط نتنياهو وفي قوائم اليمين المتطرف وفي وسائل الإعلام التي تردد أقوالهم، تسود نشوة بعد ما نشر عن تعيينات أولية يخطط لها ترامب. الرئيس يريد المضي بصقور هجوميين في قضية إيران، ومؤيدين متحمسين لمشروع الاستيطان ومشجعين ظاهرين لرئيس الحكومة. هذه نظرة ضيقة تتجاهل مواقف متطرفة، بعضها هستيري حقاً، لبعض المرشحين للمناصب الرئيسية.
لنفترض أن معارضة التطعيمات وتأييد نظرية المؤامرة بشأن أكاذيب وباء كورونا لا يجب أن تقلق مواطني العالم، لكن بعض المشكلات قريبة جداً من البيت، وربما تقلق الإسرائيليين أيضاً. تولسي غفارد، الذي يريد الرئيس المنتخب تعيينها مديرة للمخابرات القومية والتي اشتهرت كعضوة كونغرس ديمقراطية، رددت صفحة رسائل الكرملين وأيدت أعمال نظام الأسد الفظيعة في الحرب الأهلية في سوريا. وزير العدل المرشح، مات غايتس، متهم في قضايا تحرش جنسي واستهلاك المخدرات والحصول على هدايا ممنوعة. المرشح لوزارة الدفاع، بيت هيغست، في الحقيقة حارب برتبة ضابط عادي في العراق وأفغانستان، لكن تنقصه التجربة الإدارية والأمنية. يبدو أنه أعجب ترامب بالأساس بسبب ظهوره في وظيفة محلل في شبكة “فوكس نيوز”. في الوقت نفسه، تنتشر فكرة أخرى يقوم ترامب بفحصها: خفض رتبة جنرالات مشتبه فيهم بعدم الإخلاص. هذا نوع المشاعر التي لا تبقى في الجانب الغربي للمحيط الأطلسي. من كانوا هناك في 2017 يتذكرون كيف تبنى نتنياهو ومحيطه خطاً هجومياً أكثر تجاه من يخدمون في الوظائف العامة، خاصة كبار رجال جهاز الأمن والقضاء، فوراً بعد فوز ترامب الأول في الانتخابات الأمريكية. بعد ذلك، ازدادت في إسرائيل قوة ومهارة ماكينة السم التي تعمل في خدمة رئيس الوزراء في محاولة لتخويف المسؤولين وكبار الضباط.
التبرير المناوب لذلك في الفترة الأخيرة يكمن في الاشتباه بقضية سرقة المعلومات السرية من الاستخبارات العسكرية “أمان”، التي نقلت إلى مكتب رئيس الحكومة، ومنه إلى وسائل إعلام أوروبية. أبواق نتنياهو شبهت في السابق المتحدث بلسانه، المعتقل ايلي فيلدشتاين، بالمخطوفين في أنفاق غزة. وبيان مكتب رئيس الحكومة تحدث عن “أقبية الشاباك”، في محاولة للمقارنة بينهما، وهذا جزء من التسريبات المتعمدة في قضية المخطوفين.

تحقيق “الشاباك” مع فيلدشتاين انتهى فعلياً. في الأسبوع القادم، ستستكمل الشرطة التحقيق، ويبدو أنه سيتم تقديم لوائح اتهام. وفقاً لطلب رئيس الأركان هرتسي هليفي، فإن “الشاباك” ركز على العثور على ومنع تسريب خطير للمعلومات من الجيش. هو لم يتعمق في علاقات فيلدشتاين مع المسؤولين عنه ومع مساعدين ومتحدثين آخرين في المكتب. لم تحاول التحقيقات الوصول ولن تصل إلى نتنياهو نفسه. هناك الكثير من طبقات العزل، والمساعدون يعرفون أهدافه ورغبته حتى يجتاز الزعيم هذه القضية بسلام أيضاً.
ورواية الدفاع تتبلور في هذه الأثناء. التحقيق، كالعادة، سياسي، يهدف إلى إسقاط رئيس الحكومة المنتخب، زعيم معسكر اليمين. ضباط الاحتياط في الاستخبارات العسكرية كانوا بالإجمال مواطنين قلقين أرادوا جلب معلومات حيوية لرئيس الهرم، بعد أن منعوا بالطرق الدارجة.
بيانات المكتب وتغريدات الأبواق بدأت على الفور بعد أن عرض محامي المشبوهين رواية تقول إن فيلدشتاين قال لموكله بأن نتنياهو اهتم بالمواد وطلب مواد أخرى. ومثلما تظهر الأمور من الخارج، فإن الانقضاض المتوحش على رئيس “الشاباك” رونين بار، استهدف ردعه هو وكل حراس العتبة الذين ينشغلون في التحقيق، والبث لرجال نتنياهو بأن رئيس الحكومة ما زال مخلصاً لهم، حتى عندما يتورطون في تحقيق في “الشاباك” بسبب إخلاصهم له.
عاموس هرئيل
هآرتس 15/11/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    هه لأن نها الحرب تعني نهاية النتن ياهو يا الياهو حقيقة مكشوفة ومفضوحة يخشاها سفاح أطفال ونساء غزة هذي سنة وزيادة ✌️🇵🇸☹️☝️🚀🐒🔥🐒

اشترك في قائمتنا البريدية