بيروت ـ «القدس العربي»: مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قرى وبلدات الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية، تزداد أعداد النازحين من فئات عمرية مختلفة من النساء والاطفال والرجال من هذه القرى والبلدات وسط حالة من الهلع والخوف على وقع الضربات العنيفة لمنازلهم السكنية ومؤسساتهم واراضيهم الزراعية والطرقات.
وقد بدأت حركة النزوح غير المسبوقة منذ ما يقارب الشهر وتحديداً في 23 أيلول/سبتمبر متجهين إلى مناطق تعد أكثر أماناً حيث ألزمت الغارات الإسرائيلية والانذارات التحذيرية المواطنين لإخلاء منازلهم عبر إرسال رسائل نصية واتصالات هاتفية تطالبهم بمغادرة بيوتهم وقراهم من بعض مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية بذريعة الحفاظ على سلامتهم على خلفية وجود مراكز تابعة لـ «حزب الله» بالقرب منهم.
توزّع النازحين
وقد وصل العدد التقريبي للنازحين المسجلين في مراكز الإيواء حسب التقرير الرقم 27 الصادر عن لجنة الطوارئ الحكومية إلى 191692 نازحاً موزعين على 44319 عائلة بحيث تسجلت النسبة الأعلى للنازحين في محافظة جبل لبنان وبيروت، وهذه الأعداد مرشحة للتزايد يومياً مع استمرار الانذارات الإسرائيلية بإخلاء منازلهم، وتم فتح 1097 مركزاً لاستقبال النازحين منها 928 مركزاً وصلت للحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية، وتقوم الأجهزة الأمنية كافة بحفظ الأمن والمساهمة في مساعدة النازحين وتوزيع المواد الغذائية والمحروقات وحماية مراكز الإيواء ومنع عمليات الاحتكار ومراقبة الأسعار ومراقبة ضبط الحدود.
ويوجد في بيروت لغاية الآن حسب مصادر متابعة ما يزيد عن 300 ألف نازح، بينهم 60 ألفاً يمكثون في مراكز الإيواء، والبقية في منازل وفنادق، وحوالى 3 آلاف يفترشون الطرقات والساحات العامة، ويرجح أن تتضاعف أعداد النازحين مع استمرار التهديدات الإسرائيلية للمواطنين في قضاء صور ومحيطها.
وتستقبل مدينة صيدا أكثر من 25 ألف نازح يتوزع عدد منهم على 25 مركزاً للإيواء والباقي منتشر في المنازل وتقوم جمعيات المجتمع المدني فيها بالتنسيق مع بلدية صيدا وغرفة عمليات ادارة الكوارث في محافظة الجنوب من اجل تغطية كل المراكز وصولاً إلى العائلات النازحة المقيمة حتى في البيوت.
ووصل النزوح إلى طرابلس وعكار على الرغم من امتناع أعداد كبيرة من النازحين عن التوجه إلى شمال البلاد نظراً لبُعد المسافة عن الجنوب والضاحية في حال رغبوا بتفقد بيوتهم. ولكن على الرغم من ذلك، لم يعد بالإمكان استيعاب أعداد إضافية، وهذا ما أكد عليه محافظ الشمال رمزي نهرا الذي قال «إن مدينة طرابلس التي تحتضن عدداً كبيراً من النازحين لم يعد لديها القدرة على استقبال المزيد بعدما امتلأت كل المدارس والمعاهد» وطالبت جمعيات وهيئات أهلية شمالية بتضافر الجهود لاحتواء أزمة النزوح الكبيرة التي يبدو أنها ستطول.
لجنة الطوارئ
وللتعامل مع حركة النزوح، قامت حكومة تصريف الأعمال بإيجاد خطة عملية لإيواء النازحين، وتكثفت اجتماعاتها مع لجنة الطوارى التي يترأسها وزير البيئة ناصر ياسين وتقرر فتح المدارس الرسمية وبعض المراكز لإيواء النازحين وتأمين العدد الأكبر من الفرش الإسفنجية، واللوازم الضرورية والمواد الغذائية. وأعلنت لجنة الطوارئ الحكومية في آخر تقرير لها بأنه «من تاريخ 23 أيلول/سبتمبر لغاية 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024 سجّل الامن العام عبور 346529 مواطناً سورياً و153282 مواطناً لبنانياً إلى الأراضي السورية. ولفتت اللجنة إلى «أنها تتولى استلام المساعدات الدولية وتوزيعها على النازحين ضمن آلية واضحة وشفافة عبر المحافظات» وهنا تكمن بعض الصعوبات في ايصال المساعدات إلى النازحين لأن معظمهم يقيمون في منازل، والمساعدات التي وصلت إليهم لا تغطي سوى 10 في المئة من احتياجاتهم علماً بأن ما تم توزيعه عبر المحافظين لا يتجاوز 15 ألف حصة غذائية، بينما هناك ما بين 100 إلى 150 ألف أسرة خارج مراكز الإيواء بحاجة ماسة للمساعدات.
ويبقى الوضع الإنساني للنازحين الهم الأساسي للجمعيات وللجنة الطوارى الحكومية ولاسيما مع استمرار الضربات والاعتداءات والمطالبات الإسرائيلية المتكررة بإخلاء المنازل. وفي هذا السياق أكد الوزير ناصر ياسين بالتزامن مع انعقاد مؤتمر باريس الذي ترأسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمشاركة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «أن لبنان سيحتاج إلى 250 مليون دولار شهرياً لمساعدة أكثر من مليون شخص نزحوا بسبب العدوان الإسرائيلي ولتداعيات الحرب والنزوح على القطاعات الأساسية». وأوضح «أن خطة الاستجابة، بمساعدة المبادرات المحلية والمساعدات الدولية، لم تغط سوى 20 في المئة من احتياجات نحو 1.3 مليون شخص شرّدوا من منازلهم ولجأوا إلى مبان عامة أو لدى أقاربهم»، وقال «إن ال 250 مليون دولار شهرياً نحتاجها لتغطية الغذاء والصحة والمياه والصرف الصحي ومراكز الإيواء والإغاثة حاجة مع حلول الشتاء».
مؤتمر باريس
وإذا كان «مؤتمر باريس» قدّم تعهدات بتقديم 800 مليون دولار للاستجابة الإنسانية و200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني، يبقى حلول الشتاء التحدي الأكبر أمام لجنة الطوارئ التي تناقش بشكل دؤوب الوضع الإنساني الذي سيتفاقم ويشتد صعوبة أكثر فأكثر، ما سيزيد من حجم الأزمة لأن هناك العديد من النازحين داخل مراكز الإيواء ينامون في أماكن مفتوحة ولا يوجد سقف فوقهم، كما يحتاج النازحون أيضاً إلى مادة المحروقات للتدفئة فيما يفتقر بعض المراكز إلى الكهرباء والماء، فيعمد عناصر الدفاع المدني بآلياتهم لتأمين المياه إلى هذه المراكز وتوفير الاحتياجات الأساسية ولاسيما أن الإمكانات تبقى محدودة ما يفاقم بمزيد من التدهور والاعباء.
وفي هذا المجال وتعزيزاً لدعم مراكز الإيواء للنازحين، رفع الوزير ناصر ياسين توصية لمجلس الوزراء لتأمين المازوت لهذه المراكز التي يبلغ عددها 540 مركزاً في الأماكن التي يزيد ارتفاعها عن 300 متراً وما فوق ومعظمها مدارس. وعليه، فإن المساعي الحكومية تنشط مع المنظمات الدولية والدول الشقيقة للبنان من أجل تأمين مستلزمات شخصية للنازحين، بما في ذلك الملابس المناسبة للشتاء وسواها من الاحتياجات الضرورية.
في غضون ذلك، ولضبط عملية توزيع المساعدات بشفافية، أقرّت لجنة الطوارئ آلية لتوزيع المساعدات العينية التي أرسلتها الدول الصديقة بالتعاون مع المحافظين، وهي تنشر بشكل دوري المستندات والمعلومات والجداول على الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء والذي سيكون مخصصاً لكل ما يتم استلامه وتوزيعه من مساعدات.
مناطق مضيافة
توازياً، شكّلت مناطق عديدة بيئة مضيافة للنازحين على الرغم من الخلاف مع «حزب الله». وفي هذا السياق، انتقل نازحون إلى مناطق عاليه والشوف وكسروان وجبيل وبيروت ودير الاحمر وزحلة حيث استقبلهم أهل هذه المناطق برحابة صدر وقاموا بمساعدتهم وتلبية حاجياتهم وتوفير بعض مستلزماتهم انطلاقاً من شعورهم الإنساني على الرغم من معارضتهم الحرب.
كما نشطت الجمعيات الأهلية ومؤسسة «كاريتاس لبنان» وسواها من الجمعيات باحتضان ومساعدة النازحين وتسجيل أسمائهم وتأمين مستلزماتهم ومساعدتهم نفسياً، كما تم فتح المطابخ لتأمين الطعام لهم ولاسيما من قبل «جمعية السماء» التي يترأسها الأب مجدي العلاوي و«مطبخ مريم» من قبل الأب هاني طوق. ورأى رئيس مؤسسة «كاريتاس» الأب ميشال عبود «أن حالة النزوح يمكن ان تستمر لفترة طويلة الأمر الذي يتطلب خطة شاملة ومستدامة ومن هنا يأتي دورنا كأفراد ومجتمعات لمساندة النازحين لتتمكن العائلات من العيش بكرامة وصحة».
تخوف من اشكالات
ولكن على الرغم من الاحتضان الشعبي للنازحين إلا أن الأمر لا يخلو من إشكالات في عدد من الأحياء والشوارع التي افترشها النازحون وخصوصاً في وسط بيروت والكورنيش البحري وقرب «البيال» وسواها من المناطق في بيروت وجبل لبنان والشمال، إذ بدأت تُسجّل إشكالات محدودة بين أبناء البيئة الحاضنة والنازحين خوفاً من تحوّل هذه المناطق الآمنة إلى مناطق مهددة في أمنها ومعرّضة لغارات إسرائيلية على غرار ما حصل في كل من بعذران والكولا وأيطو وجدرا والجية وكيفون والوردانية وسواها، وكذلك بسبب قلة وعي من أحضروا معهم أسلحتهم وتصرّف البعض بفائض قوة مثل الدخول عنوة إلى فنادق ومؤسسات أو مثل بناء بيوت على أراض متنازع على ملكيتها كما في أفقا في أعالي جبيل ما ولّد مخاوف من فتنة وإشكالات كما حصل أخيراً في دير الغزال وفي حوش الأمراء في زحلة.
ولم تقتصر الاشكالات على حوش الأمراء بل توسعت دائرتها لتشمل مناطق أخرى منها جبيل والحمراء وسن الفيل وعين الرمانة حي المراية حيث تم التعدي على الأملاك الخاصة ومصادرة أملاك عامة من بينها بناء هنغارات للسكن على أملاك خاصة في منطقة شاوية أفقا الجردية في جبيل، وهذا ما حذّر منه النائب السابق فارس سعيد الذي أعلن أنه «بحجة أن الغالبية فقدت السقف الآمن والمنزل وصلت الأسبوع الفائت مجموعة مسلحة، كانت تحمل السلاح بشكل ظاهر، وبدأت بتشييد هنغار على أرض المنطقة من دون أي رخصة بناء» ما أدى إلى تصادم بين هؤلاء النازحين وبين القوى الأمنية.
أكثر من ذلك، بدا أن الطيران الإسرائيلي يلاحق النازحين إلى منطقة جرد جبيل مستهدفاً بأربعة صواريخ جرد علمات البلدة الشيعية. وفي إطار المساعي لإبعاد الخطر عن القضاء، أعلن النائبان زياد الحواط وسيمون ابي رميا في بيان مشترك «عن تواصلهما مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسلطات القضائية حول موضوع التعديات على الأملاك الخاصة في افقا والغابات وعدد من البلدات الجبيلية» وطالبا «بتنفيذ الأحكام وبضرورة إزالة المخالفات بأسرع وقت ممكن وإقامة حواجز ثابتة في العديد من القرى الجبلية لتأمين سلامة الناس وإحلال الأمن» وشددا «على توفير الاهتمام اللازم بالنازحين تحت سقف احترام القانون وحماية الملكيات الخاصة والعامة» لافتين «إلى مسؤولية الناس في التأكد من هوية الاشخاص الذين يستأجرون المنازل وضرورة التدقيق من أوضاعهم»، مشددين في الوقت عينه «على ضرورة التمسك بالعيش المشترك الحقيقي في قضاء جبيل الذي يعتبر نموذجاً ومثالاً يحتذى به».
وفي الحمراء، حصل إشكال بين عدد من النازحين وعناصر من قوى الأمن الداخلي بعد محاولة إخلائهم من مبنى «حمرا ستار» بناءً على إشارة قضائية عقب مراجعة مالك المبنى. فغضب المحتجون وقاموا برشق القوى الأمنية بالكراسي والحجارة وبقطع الطريق بالاطارات المشتعلة وسط حالة من الغضب الشديد.
ومع تزايد هذه الاشكالات الامنية اليومية، عقد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي اجتماعاً أمنياً إدارياً بحضور المحافظين وضباط عن الأجهزة الأمنية والعسكرية، بحثوا خلاله الوضع الامني في ظل النزوح الناتج عن الهجمات الإسرائيلية. واعتبر الوزير مولوي هذه الإشكالات «عادية» داعياً «اللبنانيين إلى التمسك بالوحدة والعودة إلى لبنانيتهم والانتقال إلى ساحة وحدة لبنان» ووعد بأنه «سيتم تجهيز مكان في بيروت لإيواء المزيد من النازحين».
انتشار أمراض
إلى ذلك، وبسبب الاكتظاظ السكاني في مراكز الإيواء بدأ عدد كبير من النازحين ولا سيما منهم النساء والأطفال يواجهون ظروفاً قاسية حيث بدأت تنتشر بعض الأمراض المعدية ومنها الحالات الجلدية والقمل والجرب، بسبب غياب كل مقومات العناية والنظافة الصحية المطلوبة. وحسب تقرير «اليونيسف» هناك 400 ألف طفل هم بحاجة لغذاء معين وحاجات خاصة ناهيك عن الصدمة النفسية التي يتعرضون لها ومعالجة هذا يحتاج إلى وقت للتصدي له بشكل منظم. ووسط أزمة النزوح المستمرة والمتعاظمة بات الوضع الصحي على المحك بسبب الاكتظاظ والتقاط الامراض عبر الهواء مثل «الكورونا» أو من المياه كالكوليرا والتيفوئيد والصفيرة خاصة مع إقفال بعض المستشفيات والمراكز الصحية بسبب استهدافها من قبل العدو الإسرائيلي.
وشددت مصادر طبية على وجوب أن يحصل الأولاد الذين نزحوا ولا يزالون على لقاحاتهم والحماية اللازمة وفي حال ظهور أمراض معدية أو غيرها يجب حصولهم على الأمصال والأدوية. وعليه، جندت وزارة الصحة اللبنانية إمكاناتها لمواجهة هذه المشكلة حتى لا يتكرر مشهد غزة من الناحيتين الأمنية والصحية.