الناشطة الحقوقية هيلينا مالينو لـ«القدس العربي»: تعنيف مهاجرين مغاربة يفضح «العنصرية الهيكلية» في اسبانيا

سعيد المرابط
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: ما زال الفيديو الصادم الذي يوثّق تعامل الشرطة الإسبانية في لاس بالماس مع مهاجرين قُصّر من المغرب يثير ردود فعل مختلفة، لا سيما من لدن بعض المنظمات الحقوقية الأهلية التي تدقّ جرس الإنذار حول تنامي العنصرية في إسبانيا والجزر التابعة لها ضد الأجانب، لا سيما القادمين من القارة الإفريقية.
في هذا الصدد، تحرص هيلينا مالينو، الناشطة الحقوقية الإسبانية ومؤسِّسة منظمة «كاميناندو فرونتيراس» غير الحكومية، على إثارة الانتباه إلى مشكلات المهاجرين غير النظاميين، في الأرخبيل الإسباني، والتي فجرها شريط فيديو يظهر تعنيف مهاجرين قاصرين مغارب في أحد مراكز الإيواء في لاس بالماس دي غران كناريا.
«الوضع رهيب هناك» تقول هيلينا مالينو، الناشطة الحقوقية الإسبانية لـ«القدس العربي» مضيفة أن هذه الصور توضح «زيادة في العنصرية وكراهية الأجانب، وهي إحدى المشكلات الرئيسية في إسبانيا التي تنفي وجود العنصرية داخلها».

خطاب الكراهية

وتؤكد مالينو، المدافعة عن حقوق المهاجرين، أن «إسبانيا لديها عنصرية هيكلية، كانت أيضًا مصدرًا للعنصرية الاجتماعية، وذلك جلي في شبكات التواصل الاجتماعي التي تعجّ بخطاب الكراهية ضد المهاجرين المغاربيين».
الحدث وقع في مجتمع فقير، فالأرخبيل من المناطق الفقيرة في إسبانيا، والفقر كما ترى مالينو في تصريحها لـ»القدس العربي» «يرفع معدل العنصرية بشكلٍ سهل، إذ يسهل خداع الموطن بأن الآخر هو الجحيم».
في السياق نفسه، يؤكد الكاهن الكلاريستيان، خوسي أنطونيو بينيتيز، كاهن كلاريت، والمدافع عن المهاجرين في حالات ضعف، أن الفيديو «حقيقي» وجرى توثيقه في مركز الإيواء «تيندايا» خرج المدينة الواقع في جزيرة لاس بالماس.
وأضاف في اتصال مع «القدس العربي» أن الشرطة الإسبانية تحقق في ملابسات الحادث، والظروف التي وقع فيها، يوم الأحد الماضي.
هذا الفيديو دليل آخر على أن إسبانيا دولة تنمي جغرافيًا فقط للاتحاد الأوروبي، فيما لا تختلف في الجوهر عن دول العالم الثالث، إلا قليلاً؛ دولة يتخيلها المهاجرون فردوسًا للأحلام، بينما في الواقع تمثل واحدةً من تمظهرات مآسي المهاجرين؛ جحيم مِن العنصرية، كره الأجانب، رهاب المهاجرين (المهاجرُفوبيا) وعدم احترام حقوق الإنسان، إلا قليلًا.
الفيديو المسجل يوثق الأحداث التي جرت في مركز «تيندايا» الواقع في منطقة طريفة، في جزيرة لاس بالماس «عندما تلقت الشرطة اتصالاً للمساعدة من المركز بسبب التهديدات التي وجهها قاصر لعدد من الموظفين».
وقالت وسائل الإعلام الإسبانية، نقلاً عن مصادر في الشرطة، إنه فور وصول الشرطة «كان القاصر على الأرض غير مبالٍ بهم».

مسؤولية السياسيين

التحيز ضد المهاجرين في إسبانيا، والقائم على العنصرية، أدى في نهاية المطاف إلى خلق آليات تمييز أثّرت على الحياة اليومية للمهاجر، ووضعته على هامش المجتمع، وما جرى للمهاجرين القصّر في مركز الإيواء، ليس سوى محصلة لخطاب الكراهية الذي تروجه الأحزاب اليمينية.
وفي الأسابيع الأخيرة، انتشر الشعور بانعدام الأمن في «غران كناريا» بسبب بعض الحوادث التي تعرض لها مهاجرون، وفي بعض الحالات، تُرك الكثير منهم في الشوارع، دون مال بعد ما تم طردهم من الفنادق.
وفي موازاة ذلك، تحول الخطاب المناهض للهجرة إلى عنف، وانتشرت الكتابات على الجدران ضد المهاجرين المغاربة أو «موروس» وفق التعبير الإسباني العنصري.
كما أسفرت الاحتجاجات المناهضة للمهاجرين في الجزر، والتي يتم تنظيمها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عن هجمات كثيرة ضد الأجانب في الأسابيع الأخيرة، والتي كان أشهرها ما وثقه الفيديو المذكور.
مالينو، المدافعة عن حقوق المهاجرين، تشدد على أن الاحتجاجات المناهضة للمهاجرين والعنف ضدهم في الجزر «مسؤولية السياسيين، والاتحاد الأوروبي، الذي يحاصر المهاجرين في الجزر، مع مجتمع منغلق على نفسه وعنصري، والكثير من مواطنيه مناصرون لحزب يميني متطرف».
ما قالته مالينو، حول سياسة محاصرة المهاجرين والإبقاء عليهم في جزر الكناري، يؤكده أنطونيو موراليس عمدة جزيرة غرام كاناريا، الذي طالب حكومة مدريد بالتوقف عن استخدام الجزيرة «كسجن للمهاجرين، لأنه ليس لديها موارد».
العمدة الغْرَانْكَناري دعا إلى إنهاء هذا لأن «آلاف الأشخاص يعيشون على نحو سيئ في مراكز الرعاية المؤقتة، وعندما يُفرج عنهم يتم التخلي عنهم».
وأعربت الحكومة المغربية، الأربعاء، للسلطة التنفيذية الإسبانية عن «قلقها» بشأن الأحداث التي وقعت في مركز «تيندايا» للقصر، في لاس بالماس دي غران كناريا.
وجرى استدعاء السفير الإسباني في الرباط، إلى مقر وزارة الخارجية المغربية، لغرض وحيد، قالت تقارير إعلامية إنه «هو التعبير عن القلق بشأن هذه الأحداث».
وأوضحت المصادر أن الاستدعاء لا يدخل ضمن ما يسمى بـ«الدعوة الدبلوماسية» وهو التعبير الذي تستخدمه الدول عادة كشكل من أشكال الاحتجاج، والذي استخدمته، الحكومة الإسبانية عندما استدعت السفيرة المغربية في مدريد، كريمة بنيعيش في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ووضعت مصادر دبلوماسية إسبانية هذا الاجتماع ضمن «الاجتماعات المعتادة» التي يعقدها السفير الإسباني مع محاوريه المغاربة في الوزارة في الرباط.
ووجه فريق «الأصالة والمعاصرة» في مجلس النواب، أول أمس الأربعاء، سؤالاً كتابياً إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة، عن تصاعد التعنيف الوحشي الممنهج في حق المغاربة القاصرين في مراكز احتجاز المهاجرين في إسبانيا.
وأشار الفريق البرلماني في السؤال الذي قدمته النائبة مريم وحساة، إلى شريط الفيديو الذي فضح ما أصبح سياسة تمييزية وعنصرية ممنهجة، تمارسها سلطات الهجرة الإسبانية ضد المهاجرين المغاربة؛ وهي سياسة تضرب بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان، وحقوق الطفل بشكل خاص، وفق ما جاء السؤال.
ولفتت النائبة البرلماني الانتباه إلى أن هذه الواقعة تأتي بعد فترة قصيرة من الصدمة التي شكلتها قضية مقتل الشاب المغربي إلياس الطاهري «فلويد المغربي» في مركز احتجاز القاصرين في ألميريا على يد ستة من حراس الأمن، والتي لم تعرف تحركاً قوياً من الجانب المغربي، لأجل الضغط من أجل محاكمة المتورطين، ووضع حد للانتهاكات الجسيمة في حق المهاجرين المغاربة، وللممارسات اللاإنسانية والتمييزية في حقهم من طرف السلطات الإسبانية.
وسألت مريم وحساة وزير الخارجية عن التدابير التي قامت بها وزارته لمساندة وحماية حقوق المغاربة ضحايا الانتهاكات الموثقة في الشريط المصور، وكذا عن السياسة الحكومية لمتابعة وضعية المغاربة، وخاصة القاصرين منهم، ضحايا الهجرة غير النظامية المحتجزين في الخارج، وفي إسبانيا على وجه الخصوص.

اعتداء فاشستي

ونددت «حركة المغاربة الديمقراطيين المقيمين في الخارج» (غير حكومية) «بما يتعرض له الأطفال المغاربة في إسبانيا من اعتداء فاشستي من طرف بوليس جزر كناريا بلاس في الماس في أحد مراكز إيواء القاصرين».
وقالت الحركة إن ما تعرضوا له يضرب عرض الحائط «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث يشير إلى أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين». وأكدت أنه «ينبغي إعداد الطفل إعداداً آمناً ليحيا حياة فردية في المجتمع، وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة».
جدير بالذكر أن الحادث الذي جرى تصويره في الفيديو، والاستدعاء الدبلوماسي، يأتيان في سياق تدفقات الهجرة نحو جزر الكناري، ففي عام 2020 وصل حوالي 23 ألف مهاجر إلى جزر الكناري، أكثر من نصفهم مغاربة، أبحروا من سواحل الصحراء الغربية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية