حالة لا نهائية من الجدل، يعيشها المصريون، في الشارع ومع السوشيال ميديا، كلما حلت ذكرى 25 يناير (2011) التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك، بعد 30 عاماً في الحكم، أو ذكرى 30 يونيو (2013) التي أطاحت بالرئيس الراحل محمد مرسي، في أعقاب حكم استمر عاماً واحداً، تزامنت هذا العام مع الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة، بعد مخاض تكليف استمر شهراً كاملاً، شهد اعتذارات عدد كبير ممن وقع عليهم الاختيار عن المشاركة، وهو ما كان قد عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من قبل بقوله: إنهم يرفضون بحجة الحفاظ على تاريخهم، أو لعدم وجود المقابل المادي الكبير.
اللافت للنظر في الذكرى هذا العام، حالة الندم الشعبي عن المشاركة في هذه وتلك، ومزيد من الاعتذارات المدونة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، حتى إن كان هناك تباين في بعض الأحيان، بين من يعتذرون عن هذه ويؤيدون تلك، أو العكس، إلا أن المناخ العام هو الندم على المشاركة، والحنين لما مضى لأسباب كثيرة، ربما لم يعد يختلف عليها أحد، أهمها ما يلاقيه المواطن على مدى السنوات العشر الماضية، من معاناة على كل الأصعدة، معيشياً، واجتماعياً، ونفسياً، والأهم من كل ذلك، غياب أفق واضح للتحسن والنهوض.
الخلافات بين المصريين، تبدأ من هل أحداث يناير 2011 ثورة شعبية في إطار ما يعرف بالربيع العربي، أم انقلاب عسكري، استُخدم فيه الشعب لحساب الجيش، الذي كان يخشى من توريث الحكم لجمال مبارك نجل الرئيس، الذي سيكون بذلك أول حاكم مدني، وهو ما ترفضه القوات المسلحة، جملة وتفصيلاً، ثم يمتد الجدل الشعبي حول أحداث يونيو 2013، وما إذا كانت أيضاً ثورة شعبية، أم أن الجيش استخدم الشعب مرة أخرى للإطاحة بأول رئيس مدني، جاء عبر انتخابات حرة، وسبقت ذلك، حسب هذا الرأي، عملية افتعال لأزمات حياتية عديدة تتعلق بالغذاء والوقود بشكل خاص، في إطار التمهيد للأحداث.
الندم الثوري ما سيجعل من يناير 2011 ويونيو 2013، نقطة سوداء في التاريخ المصري، إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية بهذا السوء، والسياسات الخارجية بهذا الوهن
المثير في الأمر، أن مناقشات عديدة حول هذه وتلك، أصبحت تستحضر أحداث 23 يوليو 1952 لتبحث فيما إذا كانت هي الأخرى، ثورة أم انقلاباً، خصوصاً أنها خرجت من رحم العسكر أولاً وأخيراً، بمنأى عن الجماهير، التي انحازت للعسكريين فيما بعد، بفعل الصحافة والإذاعة والخطابة في ذلك الوقت، قبل أن تتكشف بعد سنوات طويلة، الكثير من الأسرار حول أحداث ذلك الزمان، التي توجت بهزيمة عسكرية قاسية عام 1967، كانت كفيلة بفقدان الثقة في المنظومة العسكرية، ككيان سياسي، يفتقد الخبرة والإيمان بالتعددية السياسية، وهي الجدلية التي تتصاعد حالياً، على خلفية فشل غير مسبوق في العديد من المحاور.
ورغم كل المساوئ التي صاحبت مجريات الأحداث خلال 20 عاماً ما بعد 1952، من هزيمة عسكرية وانتكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية، إلا أن القوات المسلحة ظلت تحظى بثقة واحترام المواطن، التي تعززت بانتصار حرب أكتوبر 1973، وظل الأمر كذلك حتى أحداث يناير 2011، التي صفقت الجماهير خلالها أيضاً للدبابات والمدرعات، التي نزلت الشوارع، ظناً منها أنها عملية انحياز لحركة الشارع، إلى أن اتضحت الرؤيا فيما بعد، بإعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، ترشحه للرئاسة، رغم إعلانه المسبق «بأغلظ الأيمان» عدم طمع القوات المسلحة في السلطة. النتيجة النهائية، هي أن المصريين أصبحوا في حالة انقسام تام، بين مؤيد ومعارض للأحداث التاريخية الثلاثة الأبرز في تاريخهم الحديث، أما الإجماع فهو أن المرحلة الحالية، التي تعيشها مصر والمصريون، هي الأسوأ من كل الوجوه للأسباب التالية:
أولاً: لم تشهد سجون مصر في تاريخها هذا العدد الهائل من السجناء والمعتقلين السياسيين، الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، ولا تريد السلطات الرسمية إصدار بيان بأعدادهم حتى الآن، رغم مرور أكثر من عشر سنوات على هذا الوضع المزري، الذي يناقض كل القوانين الدولية.
ثانياً: منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، لم يكن الخوف سيد الموقف في أوساط النخبة السياسية والإعلامية، والشارع عموماً، مثلما هو الوضع الآن، ذلك أن الاعتقال والتنكيل ومصادرة الأموال والممتلكات، إجراءات فورية رسمية للتعامل مع المعارضين.
ثالثاً: لم تشهد الأسرة المصرية حالة من الضنك في المعيشة وغلاء أسعار السلع والخدمات والمرافق، مثلما هو الوضع الآن، ما جعل الترحم على كل الأزمنة السابقة أمراً شائعاً، ومسموعاً طوال الوقت، بالأماكن العامة ووسائل المواصلات، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي، في غياب الإعلام الحر.
رابعاً: تنازل النظام الحالي عن جزيرتي البحر الأحمر (تيران وصنافير) للمملكة السعودية، والتفريط في حقلي غاز بالبحر المتوسط، لكل من قبرص وإسرائيل (أفروديت ولفياثان) في إطار الكيد لتركيا، وتوقيع اتفاقية إعلان مبادئ مع إثيوبيا لا تضمن لمصر، أي حق في مياه النيل، هذه القضايا الثلاث كانت كفيلة وحدها بسحب أي رصيد إيجابي للنظام المصري لدى المواطن.
خامساً: اعتماد النظام في مصر على أهل الثقة بالدرجة الأولى، في تولي الوظائف القيادية، وحتى غير القيادية، جعل من المؤسسات والإدارات، الحكومية كيانات مهلهلة فاشلة، لا ترقى أبداً لطموحات المواطن، الذي كان يعول الكثير على التطورات الداخلية التي شهدتها البلاد.
سادساً: إقحام الجيش في كل مجالات الحياة تقريباً، من تجارة وصناعة وسياسة وزراعة وتعليم وعلاج وطرق وسياحة واستثمار، بمزايا تأمينية وضريبية، وتفضيلية في كل المجالات، كان سبباً لهروب الاستثمارات الداخلية والخارجية معاً، وفي الوقت نفسه وضع حاجزاً نفسياً، بل حالة استعداء وعداء، بين المواطن وجيشه للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وهي الأزمة التي، أرى شخصياً، أنها الأخطر في التاريخ المصري الحديث.
جاء التشكيل الوزاري الجديد، متزامناً مع ذكرى أحداث 30 يونيو هذا العام، ليضيف إلى حالة الجدل المصرية المزيد من الانقسام، بعد عملية التشكيك الواسعة في قدرات الوزراء وسيرتهم الذاتية، خصوصاً بعد إزاحة وزير الدفاع، والاستعانة بآخر من التقاعد، وليس من المجلس العسكري، أو من الخدمة على أقل تقدير، ما أثار علامات استفهام عديدة وشائعات مثيرة، حول مدى علاقة وثقة رئيس الدول بالعسكريين، ممن هم داخل القوات المسلحة، خصوصاً أن التغييرات شملت أيضاً إقالة رئيس أركان الجيش، الذي كان يوصف بالرجل القوي. وليس أدل على حق الشارع في الامتعاض، من تكليف رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، بإعادة تشكيلها، رغم حالة الغضب الشعبي من القرار، ذلك أن قيمة العملة المصرية في عهده أصبحت في الحضيض (الدولار أصبح يساوى 48 جنيهاً، بعد أن كان يساوي 18 جنيهاً) ناهيك عن سياسة الاستدانة داخلياً وخارجياً، وتلبية كل طلبات صندوق النقد الدولي في هذا الإطار، أضف إلى ذلك افتقاد سياسة الأولويات، حيث انحصرت كل اهتمامات الحكومات السابقة، على مدى عشر سنوات، في إنشاء الطرق والكباري، رغم تدهور منظومتي التعليم والصحة، إلى الحد الأدنى في التصنيفات الدولية. ورغم أن ذكرى 30 يونيو، عطلة رسمية، قررها النظام الرسمي، باعتبارها ثورة، إلا أن الشعب حولها إلى ذكرى للتندر والندم في آن واحد، ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي استعانت بـ»فيديوهات» شيعية، لمن يضربون أنفسهم في ذكرى استشهاد الحسين، باعتبارها تعبير عن الحالة المصرية في الذكرى الثورية، ما جعلها ذكرى لجلد الذات، جاءت هذا العام تحديداً، في وقت يعاني فيه الشعب من الانقطاع المتكرر للكهرباء، وأحياناً المياه، واختفاء الدواء، خصوصاً ما يتعلق بالأمراض المزمنة، ناهيك عن الكثير من الأزمات الأخرى.
وإذا أضفنا إلى الأزمات الداخلية، ما يرى المواطن أنه فشل خارجي في هذا التوقيت تحديداً، حيث التخلي عن القضية الفلسطينية، ممثلاً في عدم نصرة أهل غزة، وذلك باستمرار العلاقات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار فتح السفارات هنا وهناك، فإنه يمكن القول، إن الندم الثوري بلغ مداه هذا العام، ذلك أن الرئيس حسني مبارك لم يكن ليقبل أبداً بمثل هذه الأوضاع، بينما الرئيس محمد مرسي، لم يكن ليسمح بها، ما سيجعل من يناير 2011 ويونيو 2013، نقطة سوداء في التاريخ المصري، إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية بهذا السوء، والسياسات الخارجية بهذا الوهن.
كاتب مصري
كادت مصر توقف التراجع الي الوراء عند انتخاب ديموقراطيا و لاول مره في تاريخ مصر الرئيس الشهيد محمد مرسي و لكن للاسف هناك البعض من الشعب المصري يعشقون السير الي الوراء و اخذ مصر الي الوضع الخسيسي