غزة- «القدس العربي»: مع اشتداد الحصار على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، واجه النظام المصرفي في القطاع واحدة من أخطر أزماته منذ عقود. والبنوك التي كانت تمثّل شريان الحياة المالي للمواطنين، أصبحت عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية بسبب التدمير واسع النطاق للبنية التحتية والمرافق المالية.
وفي تصريح لـ “القدس العربي» حذّر وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي من أنّ «تعطّل التحويلات المالية يعني أن آلاف العائلات فقدت مصدر دخلها الأساسي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق».
وأكد العسيلي أن أولوية الحكومة الفلسطينية في الإنفاق بعد استئناف تحويل المقاصة من إسرائيل ستكون صرف متأخرات الموظفين ومتلقي المخصصات الشهرية الثابتة.
وأوضح وزير الاقتصاد الفلسطيني أن الحكومة الفلسطينية تسعى إلى استئناف تحويلات المقاصة من إسرائيل، التي تشكل حوالي 60% من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية، لتخفيف الأزمة المالية التي يعاني منها الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع تراجع التحويلات المالية وندرة السيولة النقدية، تفاقمت الأزمة الإنسانية والاقتصادية في غزة، مما يهدد بانهيار شامل للقطاع المالي.
أكثر من 80% من الأسر تعتمد على التحويلات الخارجية
ووفقاً لتقرير صادر عن سلطة النقد الفلسطينية بتاريخ 15 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، تعرضت البنية التحتية للمصارف في قطاع غزة لدمار واسع النطاق نتيجة القصف المستمر.
يوضح أن «ما لا يقل عن 15 فرعاً مصرفياً تعرضوا لتدمير جزئي أو كامل»، مما أدى إلى شلل شبه كامل في تقديم الخدمات المصرفية للسكان.
وقال فراس ملحم، رئيس سلطة النقد الفلسطينية، إن «هذا الدمار طال الأنظمة التقنية والمعلوماتية، مما أثر على إمكانية استعادة العمليات المصرفية في المدى القريب».
وكان قد قال في مؤتمر صحافي عُقد في رام الله إن «القطاع المصرفي في غزة يعاني من نقصٍ حادٍ في السيولة النقدية بالدولار والشيكل، حيث انخفضت السيولة المتوفرة بنسبة 70% مقارنةً بما كانت عليه قبل الحرب».وأوضح أن «عدم قدرة البنوك على استقبال شحنات جديدة من العملات يعود إلى القيود الإسرائيلية المشددة المفروضة على دخول الأموال إلى القطاع».
وأشار مدير فرع بنك فلسطين في غزة، محمد عاشور، إلى أن «القيود المفروضة على التحويلات المالية باتت تحدياً رئيسياً أمام العمليات المصرفية».
وأكد لـ “القدس العربي» خلال حديثه أن «البنوك المحلية تواجه صعوبات كبيرة في استقبال التحويلات الواردة من الخارج، والتي تُعتبر مصدر دخل أساسي لأكثر من 50% من سكان القطاع».
وبيّن أن «التحويلات المالية الدولية إلى غزة انخفضت بنسبة 65%؛ بسبب تعطل النظام المصرفي وتعقيد الإجراءات البيروقراطية».
وقال مسؤول في بنك الإنتاج الوطني في غزة، فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إن «أجهزة الصراف الآلي متوقفة تماماً في معظم فروع القطاع بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات».
وأشار المسؤول إلى أن «النظام الإلكتروني للبنوك معطل بالكامل، ما يعيق تنفيذ العمليات المصرفية عبر الإنترنت، ويضطر المواطنون إلى الانتظار لساعات طويلة أمام الفروع القليلة التي تعمل بشكل جزئي».
وأكدت مصادر من داخل بنك القدس أن «البنوك تفرض قيوداً صارمة على السحب النقدي، حيث لا يُسمح بسحب أكثر من 300 شيكل أسبوعياً للشخص الواحد».
وتحدث مواطن يدعى سامر جودة، 34 عاماً، من مدينة خان يونس عن معاناته قائلًا لـ»القدس العربي»: «أقف في طوابير طويلة منذ ساعات الفجر للحصول على مبلغ زهيد لا يكفي لتلبية احتياجات أسرتي الأساسية. وفي أحيان كثيرة أرجع دون الحصول عليه».
وزير الاقتصاد الفلسطيني لـ «القدس العربي»: آلاف العائلات فقدت مصدر دخلها
وتقول سمر الشوا، موظفة في أحد البنوك المحلية لـ “القدس العربي»: «نواجه تحديات يومية في تلبية احتياجات العملاء. البعض يصرخ علينا لعدم تلبية طلباتهم، لكن المشكلة أكبر منا جميعًاً».
وأكد عبد الوهاب طلال، وهو مودع يعتمد على تحويلات ابنه المغترب، أن «انقطاع التحويلات المالية جعلنا غير قادرين على شراء احتياجاتنا اليومية».
وأضاف لـ “القدس العربي»: «نعيش على المساعدات. نحن نموت بالبطيء ولا نستطيع حتى الحصول على الطعام».
وقال أحمد، موظف حكومي، إن راتبه يأتي من السلطة الفلسطينية، لكنه في أحيان كثيرة لا يتلقى هذا الراتب أو يحصل عليه ناقصاً، بسبب صعوبة إجراء التحويلات المالية ونقص السيولة.
وأضاف «الوضع أصبح لا يطاق. رغم أننا نعمل في القطاع الحكومي، فإن الرواتب لا تغطي احتياجاتنا الأساسية. كل يوم أواجه صعوبة في دفع فواتير الكهرباء والماء، عدا عن مصاريف العلاج. أسعار السلع الأساسية ترتفع بشكل مستمر، ولا يوجد أي مؤشر على تحسن الوضع».
وتؤكد نادية البلبيسي، وهي ربة منزل، تعتمد وأسرتها على المساعدات المالية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، أن قيمة كوبون المساعدات انخفضت كثيراً عن السابق، بسبب صعوبة إجراء التحويلات المالية من الخارج ونقص السيولة المالية في قطاع غزة من دولار وشيكل.
تقول المواطنة الأربعينية لـ “القدس العربي»: «أعيش مع زوجي وأطفالي في ظل صعوبة كبيرة في توفير احتياجاتنا اليومية. نعتمد على مدخراتنا القليلة، لكنها بدأت تنفد. حتى شراء الطعام أصبح تحدياً كبيراً، والأدوية التي نحتاجها غير متوفرة بسهولة. نعيش حالة من التوتر والخوف على مستقبلنا».
وأوضحت بيانات صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية أن أكثر من 80% من الأسر في غزة تعتمد بشكل كامل أو جزئي على التحويلات المالية القادمة من الخارج.