الهلال الخصيب كله هدف العدو… كيف نواجه؟

حجم الخط
3

حكومة لبنان لم تحتفل بـِ»عيد المقاومة والتحرير» رغم أنه مناسبة رسمية، هي منشغلة بكيفية سحب سلاح المقاومة وأمور أخرى أقل أهمية. وحده «التجمع العالمي لدعم خيار المقاومة» احتفل شعبياً بالعيد بحشدٍ ضمّ خطباء وممثلين لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق والجزائر، ومندوبين للدول المتحررة من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية كإيران وكوبا وفنزويلا وبوليفيا.
كان الجميع، خصوصاً أهل المقاومة والجمهور، مبتهجين. وحدي كنتُ حزيناً، لكن لم أكن يائساً. سببُ حزني حال عالم العرب عموماً، وحال أقطار الهلال الخصيب الكئيب خصوصاً. أليس محزناً مرأى مجازر وحشية يرتكبها جيش الكيان الصهيوني ويذهب ضحيتها يومياً مئات الشهداء والجرحى من أطفال ونساء وشيوخ في مدن وقرى قطاع غزة، ومثلهم في مخيمات الفلسطينيين في شتى أنحاء الضفة الغربية، بينما يقف حكام الدول العربية وممثلوهم مكتوفي الأيدي؟
كيف لا أكون حزيناً وقد حلّت بسوريا، قلب العروبة النابض، نكبة لا تقلّ ضراوة عن نكبة فلسطين، بل لعلها في واقعها وتداعياتها أكثر ضراوةً وخطورة نظراً لإخراجها بلاد الشام من معمعة الصراع العربي – الإسرائيلي واحتمال فتحها باباً واسعاً لمصالحة العدو الصهيوني؟ نعم، كنتُ حزيناً لمرأى كل هذه المجازر والنكبات والتداعيات. لكنني لم أكن، ولن أكون، يائساً أبداً. ذلك أن المقاومة اليافعة كانت قد هبّت وأسهمت في مواجهة اجتياح «إسرائيل» لنحو نصف مساحة لبنان سنة 1984، ثم نجحت وحدها في تحرير الشريط الحدودي المحتل طوال 18 عاماً سنة 2000، ونجحت تالياً في صدّ الجيش الإسرائيلي وإلحاق الهزيمة به في حربه سنة 2006. أخيراً وليس آخراً، نجحت حركة حماس وحلفاؤها في معركة طوفان الأقصى بكسر عنجهية «إسرائيل» وصَلَفها وأسطورة جيشها الذي لا يقهر، بكشفها فشله المدوّي طوال 600 يوم وأكثر في احتلال قطاع غزة، بغية إكراه شعبه الصامد على الرحيل. لا غلوّ في القول إن المقاومتين المقتدرتين في لبنان وفلسطين أطلقتا صحوةً شعبية عارمة، واستنهضتا قوى المقاومة والتحرير في بلاد العرب، لاسيما في اليمن، الذي جسّد، بمقاومته وصواريخه السريعة والمدمّرة، مفاجأة اليمنيين الثوريين لأنفسهم، ولعالم العرب وللعالم أجمع. وعليه، فإن أبرز عطاءات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن هي هذه الصحوة، التي فجّرتها في صفوف الجماهير العربية، وكان من شأنها تعميق الوعي والالتزام بالجهاد والتحرير لدى جمهور العرب الأحياء.

المقاومة لا تكون بالسلاح فقط، بل بكل الوسائل المتاحة والمشروعة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة

هذه الصحوة الواعدة بمزيد من تجلّيات النهوض والارتقاء، يجب ألاّ تصرف القوى النهضوية العربية، وفي مقدّمها حركات المقاومة، عن ضرورة تفحّص واقع التخلّف والقصور والفساد في شتى ميادين الحياة العربية ومستوياتها، ووجوب إيجاد المخارج الآمنة منها، وابتداع الحلول العلمية لها، وإرساء المناهج الكفيلة بحسن تنفيذها وتحقيق الخلاص من الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني.
في سياق عملية تفحّص وقائع التخلّف والفساد والإحاطة بأسبابها الداخلية وروافدها الخارجية، ستتكشف للقوى النهضوية العربية الظاهرات الآتية:
*تركيز قوى الغرب الأطلسي، وفي مقدمها أمريكا و»إسرائيل»، على وضع الهلال الخصيب كله هدفاً لها، واستغلال التعددية العميقة والمرهقة في مجتمعاتنا لتعميق الانقسامات في بلادنا ودولنا، وصولاً إلى تفكيكها إلى كيانات تقوم على أسس طائفية وإثنية وقَبَلية بحيث تتفاعل تداعياتها لتشكّل مضمون ما يُسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، ذلك من شأنه أن يُرشّح الهلال الخصيب إلى معاناة حالة اضطرابات عنيفة ومديدة.
*الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا وعلى الحدود بينها وبين العراق، كما الوجود العسكري التركي في شمالها الغربي يشكّلان ذراعين تساعدان في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
*عودة نشاط قوات «داعش» الإرهابية الناشطة في بادية الشام وشمال حلب، كما في شمال غرب العراق، مؤشر لمباشرة تنفيذ مخططات مريبة في بلاد الشام وبلاد الرافدين.
*تأجيج حرب الإبادة في قطاع غزة وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية يرميان إلى ترحيل الفلسطينيين تدريجياً إلى صحراء سيناء المصرية والأردن، وصولاً لضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة إلى دولة الاحتلال الصهيوني.
*اتجاه الولايات المتحدة و»إسرائيل» إلى استخدام النظام «الانتقالي» في سوريا بعمليةٍ لاحتواء لبنان وإدارته بعيداً عن أسرته العربية.
في ضوء هذه الظاهرات والتداعيات الخطيرة، يجدر بالقوى النهضوية العربية، وفي مقدّمها حركات المقاومة، أن تضع في حسبانها الحقائق والتحديات والتطورات الآتية:
أولاً: لا احتمال قريباً في أن تتجه الدول العربية والإسلامية المتحالفة مع أمريكا نحو اتخاذ مواقف إيجابية داعمة لتحرير فلسطين ومساندة لقوى المقاومة داخلها وفي محيطها العربي. أقصى ما يمكن الحصول عليه من الدول المطبّعة، خصوصاً المنتجة للنفط، التعويض عن سلبيات قيامها بالتطبيع، بتخصيص مزيدٍ من الدعم المالي للدول العربية المتضررة من حروب «إسرائيل» بغية استكمال أعمال الإعمار والتنمية فيها.
ثانياً: رغم حالة الاضطرابات المرجّح استمرارها في دول الهلال الخصيب، تبقى شعوب الأمة هي مصدر الدعم الرئيس لحركات المقاومة ولسائر القوى النهضوية العربية، من خلال بناء أطرٍ تنظيمية للتنسيق والتعاون يمكن اعتمادها، مع الحرص على مراعاة خصوصية كلٍّ من الأٌقطار العربية ذات الصلة.
ثالثاً: اعتماد حركات المقاومة على الذات، وعلى قدرات شعوب الأمة المتجاوبة مع أهدافها وآليات نضالها، هو العامل الأساس المعوّل عليه في نشاطها الميداني، على أن يقترن ذلك بالإفادة من إمكانات التعاون المتاحة من الدول والقوى الخارجية المتحررة من الهيمنة الأمريكية.
رابعاً: المقاومة لا تكون بالسلاح فقط، بل بكل الوسائل المتاحة والمشروعة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة والإنجازات المتسارعة في حقول العلم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
خامساً: بات من الضروري أن تتقن حركات المقاومة، قياديين ومقاتلين، التطبيقات الالكترونية والسيبرانية، كما تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهتها للأعداء، لاسيما وأن العدو الصهيوني يلجأ دائماً إلى استخدام هذه التطبيقات والتقنيات المتطورة ذات الجدوى الوافرة. إلى ذلك، تبقى مقاطعة منتجات الدول المعادية أجدى وسائل مواجهة أعداء المقاومة، لأن الدولة أو الدول المعادية للمقاومة تستطيع استخدام سلطاتها وأدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لتعطيل وقمع حركات المقاومة ميدانياً، لكنها لا تستطيع وقف أو تعطيل أو منع الناس، أفراداً وجماعات، من مقاطعة منتجات الدول والشركات المعادية لحركات المقاومة، لأن الناس يظلّون أحراراً وقادرين على أن يشتروا، أو يمتنعوا عن شراء المنتجات التي تتنافى مع أذواقهم ومشاربهم ومعتقداتهم. من هنا تنبع فعالية مقاطعة منتجات الدول المعادية للمقاومة، نظراً لعدم قدرة الحكومات على اعتماد آلية لمراقبة المستهلكين ومنعهم من مقاطعة أي منتوجات، ما يؤدي إلى تضييق وإغلاق الأسواق بوجه منتجات الأعداء وبالتالي الإضرار باقتصاداتهم. مع العلم ان الإضرار بالاقتصاد يصدّع كيان أي دولة او دول تعادي أمةً كثيفة السكان كأمتنا التي يربو عدد مواطنيها على مليار وسبعمئة مليون إنسان.
تنبهوا واستفيقوا ايها العرب.
كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    هه الهلال الخصيب كان مطمع الأعداء الغزاة المحتلين منذ آلاف السنين ✌️🇵🇸😎☝️🔥🐒🚀

  2. يقول عربي أصيل:

    …ومن قال ان الحرب تحسمها المعارك العسكرية. نحن في لبنان انتصرنا على هزيمة سياسية واخلاقية التي كان البعض يحضرها لنا .

  3. يقول محمد السامرائي:

    التخلص من نظام الأسد ليس نكبه يا رجل بل معجزه ومفخره ومن يراها نكبه فهو في صف من ارتكب المجازر عل مدى ستون عاما وبالتأكيد عدو للشعب السوري

اشترك في قائمتنا البريدية