انتخب المشرعون في التحالف الوطني الديمقراطي في الهند ناريندا مودي بشكلٍ رسميٍ الجمعة 7 حزيران/يونيو الجاري ليكون رئيسًا للوزراء لولاية ثالثة على التوالي، ولكن باختلافٍ بسيطٍ هذه المرة أن حكومته ستأخذ شكلًا ائتلافيًا لأكبر دولة في العالم من حيث التعداد السكاني.
إنها المرة الأولى منذ سنوات التي يحتاج فيها حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي إلى دعم من الأحزاب الإقليمية لتشكيل حكومته، لأنه لم يحصل إلا على 240 مقعدًا في البرلمان، وهو أقلّ من عدد المقاعد اللازمة لتشكيل الحكومة بمفرده، 272 مقعدًا على الأقل. في هذه المرحلة بالذات، ليس مهمًا عدد المقاعد التي حصل عليها، لأن الانتخابات البرلمانية الهندية أعطت مودي تفويضًا جديدًا لتولي الرئاسة، وهذا بذاته له دلالة تحتاج إلى القراءة والتحليل.
كشف مودي الإثنين 10 حزيران/يونيو الجاري عن أعضاء حكومته الائتلافية، التي غاب عنها تمثيل المسلمين. فهذا ليس اختيارًا عرضيًا، بل تصميمًا يوضّح رؤية مودي ذات الأبعاد الاستراتيجية لما يجب أن تكون عليه الهند على الصعيدين الداخلي والخارجي للمرحلة التي سيتولى فيها الزعامة.
القومية الهندوسية
عند البعض ليس من المستغرب أن لا تضمّ حكومة مودي أي مسلم، لأنّ القومية الهندوسية التي تشكل الخلفية الأيديولوجية لحزبه على ما يبدو لديها حنين إلى عصرٍ ذهبيٍ سابقٍ على المسلمين والاستعمار البريطاني.
فهي ترى أن وضع ورثة الأمة لا يستحقه إلا من يرون الهند أباهم وأمهم وأرضهم المقدسة، لهذا لم تضمّ حكومته إلا يمينيين متطرّفين يعتنقون أيديولوجية هندوسية قومية تعمل على إعادة الهند إلى زمن الإمبراطورية القديمة، التي كانت تعتبر منبعًا لأولى الحضارات التي شهدها العالم.
لخّصت مجلة “لوبوان” الفرنسية ما رست عليه الأيديولوجية الهندوسية الحديثة، منطلقة من خطاب مودي في افتتاحه معبدًا هندوسيًا ضخمًا مخصّصًا لـ”رام لالا” في مدينة أيوديا في 27 أيار/مايو الماضي، ليجعل بحضوره من بناء هذا المعبد لحظة تأسيسية في تاريخ الجمهورية.
وأبرز مودي في خطابه رؤية للتاريخ والهوية الوطنية مستوحاة من أيديولوجية قومية هندوسية تعود أصولها إلى الفترة الاستعمارية وكان رام موهان روي، الفيلسوف والمصلح الاجتماعي الذي يعمل في شركة الهند الشرقية أحد مهندسيها الرئيسيين.
يحمل مودي في طرحه مشروعًا يتأرجح بين الانعزالية والتوسّع، إذ تحمل انعزاليته دعم الإيديولوجية القومية الهندوسية كمحورية أساسية لبناء الهند الحديثة بعيدًا عن التعددية التي كانت تميّزها. لهذا تخوض الهند صراعات داخلية مع الطائفة المسلمة التي تشكّل حوالي 18 في المئة من تعداد السكان، أي 200 مليون مسلم يتوزعون في أكثر من مقاطعة في الهند. صحيح أن القوميين الهندوس لا يريدون دولة ثيروقراطية وإنما يريدونها دولة تشبه الصين، دولة الحزب الواحد، حيث التوافق الأيديولوجي الكامل حتى لا يجادل أحد في أن الهند أمة هندوسية.
تسعى القومية الهندوسية إلى بناء الدولة الهندوسية والتشبه بالحزب الحاكم الصيني، لكنها تدرك أن ذلك لن يكون بالخطوة السهلة، وسط الاختلاف للنسب المئوية لوجود الطائفة المسلمة بين البلدين؛ إذ في حين يشكل مسلمو الصين حوالي 2 في المئة من تعداد السكان، يتجاوز الرقم في الهند إلى 18 في المئة من إجمالي سكانها حسب آخر إحصاءات وضعت في عام 2023، الأمر الذي يجد فيه مودي صعوبة في تطبيق قوميته لاسيما وإن للمسلمين في الهند امتدادا حقيقيا مع الجارة العدوة لنيودلهي وفي باكستان التي يجمعها مع الهند صدام دموي تاريخي في إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين.
الردع النووي
عداوة وصلت إلى حدود الردع النووي، ففي أيلول/سبتمبر من عام 1998، أطلق رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف تصريحًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء فيه مبررًا تجارب بلاده النووية، أن” بلاده لم تجرِ تجاربها النووية لتحدي نظام منع انتشار الأسلحة النووية الحالي، ولا لتحقيق أي طموح لتكون قوة عظمى لكن تم تصميمها لمنع التهديد باستخدام القوة، وإن اختباراتنا ردًا على الهند خدمت قضية السلام والاستقرار في منطقتنا”.
يطلق الزعيم مودي حلمه التوسعي ونظرته في رؤية الهند تلك الحضارة الآتية من التاريخ البعيد، ليعيدها إلى سكّة الحضور الدولي. لهذا يجده المتابع أنه يعتمد السير على خطى الاستفادة من الانقسام الدولي الحاصل بين الغرب من جهة، وبين الفريق الذي يشكله كل من بكين وموسكو بهدف “خربطة” النظام الدولي القائم لجعله متعدّد الأقطاب.
لكن رياح التغيير قد لا تلتقي مع سفن الصعود للهند، إذ لا تختلف الاستراتيجية الأمريكية في تعاطيها مع القارة الأوروبية وشبه القارة الهندية، لأنها أيضًا تحضر الهند لتكون خطّ الدفاع الأول في وجه المدّ الصيني.
هذا ما جعل من واشنطن توافق في قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في نيودلهي في أيلول/سبتمبر الماضي، على التوقيع على الممر الاقتصادي الهندي مع مجموعة من الدول لتجعل من الهند محورية آسيا مع أوروبا والعالم. فهذا الممر تجد فيه أمريكا أنه خطوة رئيسية لتقويض جهود الصين في طريق الحرير المستحدث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والذي أطلق عليه عام 2013 “الحزام والطريق”.
إمساك العصا من الوسط
مهما حاول مودي السعي لتخطي الصين، والقفز فوق نفوذها عبر إمساك العصا من الوسط بين غرب يعمل على استغلال الصعود الهندي لفرملة النفوذ الصيني، وشرق يدخل مودي معه في مجموعة الـ”بريكس” الاقتصادية لضرب النفوذ الأمريكي لاسيما كسر النظام العالمي إلى آخر متعدّد الأقطاب يكون للهند فيه الحضور الآسيوي الأهم، لكن على ما يبدو الجهود الموضوعة لإحياء الإمبراطورية الهندية النائمة قد تبقى أحلامًا عند الزعيم مودي ومتعثرة بين داخلٍ معقّد وخارجٍ يتخبّط وينزلق إلى الصدام الكبير.
أكاديمي لبناني
” لضرب النفوذ الأمريكي لاسيما كسر النظام العالمي إلى آخر متعدّد الأقطاب يكون للهند فيه الحضور الآسيوي الأهم، ” إهـ
علاقات مودي مع الصهاينة في إزدياد !
وبالتالي مع الولايات المتحدة !!
و لا حول و لا قوة الا بالله
*مهما حاولت الهند لن تصل لمستوى
العملاق الصين.
أصلا الصين حاليا تنافس امريكا
ولا تهتم كثيرا للهند..