ما تمطرنا به وسائط التواصل بشكل متدفق، لحظي ويومي، يجعل منا كائنات صارت أوردتنا أقرب لشبكة النت العنقودية من تعرضنا لأشعة الشمس والفضاء والطبيعة، وهذا بدوره غدا يحكم حواسنا الخمس، ومعها الست، لحظة بلحظة وحولا بحول.
لهذا ليس هناك أسهل من تصنيفنا خرافا في قطعان «فيسبوك» و«اكس» و«انستغرام» و«تيك توك» و«نتفليكس» و«يوتيوب» و«تلغرام» وغيرها، سيل لا ينتهي من خيوط العنكبوت الاستخبارية والسياسية والتجارية والاجتماعية والجنسية.
وعليه فقد زادت معرفنا، لكننا صرنا أكثر جهلا، وغدونا أحرارا في امتلاك المعرفة، لكننا أصبحنا أكثر عبودية.
خليط رهيب من التناقضات لم يشهدها الجنس البشري في كل عصوره، كما يختبرها جيلنا الحالي، وليس أصدق ما يشرح حالنا من جبران خليل جبران، الذي رحل قبل أن تصدق نبوءته.
في كتابه «رمل وزبد» الصادر 1926 روى قصة عن رجل كان يعمل بعيدا عن عائلته لمدة أربعة أشهر، وفي طريقه للعودة كان يعلم أنه عندما يرى الجبل سيدرك أنه صار قريبا من المنزل، لذا بدأت حواسه الخمس في اجراء محادثة «مونولوج داخلي» فقالت العين «إني أرى جبلا.. إني أرى جبلا» فاستدارت الأذنان وقالتا نحن لا نسمع جبلا، ثم شم الأنف الرائحة، وقال: لا أشم جبلا. بدوره تحرك اللسان فاستطعم، ثم فقال لا أتذوق الجبل.. حينها بدأت الحواس الأربع الأخرى تتحدث في ما بينها، وخلصت الى أنه لا بد أن هناك مشكلة، لا بد أن هناك خطبا ما في العين. لأن هذه الحواس الأخرى لم تتمكن ببساطة من ادراكها.
جميع ما نراه الآن على وسائل التواصل، معظمه مظلل أو موجه أو مركب لغايات ومقاصد لا يعلمها إلا الله. هذه الأشياء قد ضللتنا لأننا خدعنا بحواسنا، حيث ترى أعيننا صفر فاصلة خمسة بالمئة فقط من الموجة الكهرومغناطيسية بأكملها، فنحن عميان كونيا، إذا ما قورنا بنظر بعض الطيور أو الحيوانات أو حتى الحشرات، لكننا رغم ذلك نحكم على كل شيء بما نراه.
وحسب آخر تقرير لمعهد الانترنت والذكاء الاصطناعي، فإننا قد نكون نتعرض الى ادخال الجواسيس الى منازلنا وغرف نومنا وبإرادتنا، عبر «الواي فاي» أو (الراوتر) سواء الخاص بالمنازل أو الموجود الآن في كل مكان في العالم، ويمكن استخدامه بكل بساطة كأداة تجسس خفية قادرة على تحديد كل شيء في حياتك بدقة تفوق كل الكاميرات والفيديوهات المصورة التقليدية.
وإذا كانت وسائل الإعلام التقليدية – جرائد ومجلات وراديو وتليفزيون – هي من كانت تؤطر وتشكل عقولنا وتفكيرنا في الماضي، فإن «الواي فاي» عبر «الإشارات الرادارية» لا يعيقها أي شي، سواء تضاريس، أو جبال أو جدران أو أثاث أو غيرها، لهذا تستطيع أن تخترق كل شيء موجود، سواء المواقع أو البيانات أو تحليل ورصد حركة الأشخاص في الغرف، وكذلك الولوج الى تفكيرهم، بمجرد تواصلهم مع الكومبيوتر أو الهاتف أو الألعاب أو غيرها من الموصلات لشبكات النت.
لو راقب كل منا ما يشاهده على وسائط التواصل، وكيف تقتادنا هذه وبإرادتنا من مكان الى آخر، ومن مشتهى الى مشتهى، لاكتشف أننا صرنا مسيرين وعبيدا كليا عبر أعيننا، وفق مصالح وسياسات وأهداف وسائط التواصل، التي لا يعلم إلا الله تشابكاتها وأهدافها وارتباطاتها وغاياتها ومصائدها.
فهل تتفقون معي أننا صرنا عميانا مبصرين، تقودنا حاسة البصر، دون بصيرة، وتجرف معها باقي الحواس، وأهلا بكم وبنا في حضيرة العميان المبصرين!
مغامرة المغربي مع نساء افريقيا
«إن لم تتزوج بكل فتيات القرية، فوالله لن تعود الى بلدك حياً»! هذا ما قاله زعيم قبيلة توجد في الأدغال الأفريقية لشاب مغربي سافر من أجل استكشاف ثقافات جديدة، ليجد نفسه في مأزق صعب، فكيف يخرج منه؟ وعليه أن يختار بين أمرين أحلاهما مر: أما الموت أو الزواج من كل نساء القبيلة، وليس فقط بعدد من النساء؟!
بطل القصة هو المغربي ياسين غلام، الذي ولد في الدار البيضاء سنة 1989، كان حلمه منذ الصغر أن يقوم بجولة حول العالم ليكتشف ثقافات باقي البلدان، لكن ظروفه المادية لم تسمح له بالسفر على متن الطائرة، غير أن ارادته كانت أقوى من كل الظروف، فقد قرر أن يقوم بالرحلات باستخدام دراجته الهوائية، في مهمة محفوفة بكل أشكال المخاطر.
بدأ الشاب رحلته عام 2017 أملا في الاطلاع على الثقافات الافريقية، ودامت رحلته أربع سنوات، وخلال هذه الفترة استطاع الرجل أن يزور 27 بلدا افريقيا وبلدين في الشرق الأوسط، هما السعودية والإمارات. الرحلة بدأت من المغرب وصولا الى غينيا والسنغال، وبعدها الى نيجيريا والغابون، ثم وصل الى جنوب افريقيا والكونغو، بالإضافة الى جزر القمر وموزامبيق، ودول افريقية كثيرة.
وبما أن الرحلة كانت طويلة، كان عليه أن يعمل للحصول على بعض المال من أجل تلبية حاجياته اليومية ومصاريف السفر، ففي كل دولة كان يحط رحاله بها، كان يعمل، فاشتغل فلاحا وفي مجال إصلاح السيارات وغيرها من الأعمال البسيطة. وحينما كان يجمع بعض المال يواصل رحلته للبلد الموالي.
وتصف قناة اليوتيوب قصته بالصور والكثير من التشويق، وتقول نقلا عنه إنه لم ينصب خيمته إلا مرتين، بسبب كرم سكان الدول التي كان يزورها، حيث يستضيفونه للمبيت.
ويقول ياسين إنه بعد أن استغرق مسافة طويلة، أي شهرين في الأدغال الافريقية وجد قبيلة وسط الغابة، فقرر أن يزور هذه القرية كي يرتاح قليلا من تعب الطريق، ويسترجع طاقته، وفي الوقت نفسه ليكتشف ثقافة سكانها، فتوجه الى أهل القبيلة وطلب منهم الإذن بالبقاء عندهم لمدة ثلاثة أيام.
أخذه سكان القبيلة الى زعيمهم، الذي رحب به، ووافق على بقائه في هذا المكان، لكن بشرط واحد، وهو أن يتزوج واحدة من بنات القرية، لكنه اعتذر عن ذلك بأدب، وأوضح للزعيم أن سبب مجيئه ليس الزواج، إنما عادات وتقاليد المنطقة ومن أجل تصوير فيديوهات واكمال الكتاب الذي يكتبه حول هذه الرحلات، ويتحدث فيه عن ثقافات افريقيا.
لكن هذا الكلام والتبرير لم يغيرا رأي زعيم القبيلة، لأنه كان عنيدا جدا، وقال له إن السبب الرئيسي لهذا الزواج هو رؤية مستقبلية لتحسين نسل قبيلته.
اعتقد ياسين أن الزعيم كان يمزح معه، لكنه حين هم بالرحيل منعه، وقام بتهديده بالقتل، وهنا تأكد الرجل أن الأمر في غاية الجدية، فما كان لياسين إلا أن يطيع أوامره، فأمر الزعيم بإحضار جميع نساء القبيلة، وكن 55 امرأة، فسأله ياسين عن الفتاة التي سيتزوجها، لكن جواب الزعيم كان صادما، بحيث قال له إن عليه الزواج منهن كلهن.
وأضاف، لا يهمه الوقت الذي سيستغرقه ذلك، وسيكون له أسبوع راحة بين كل زواج.
وهنا وجد الرجل نفسه بين خيارين صارمين إما الزواج أو الموت، وبالفعل قاموا بإعداد الخيمة لياسين وتزوج من أول فتاة من القبيلة.
لكن في أول أسبوع راحة له، قرر الرجل ذات ليلة أن يهرب، وفعلا استطاع الهروب ولم يتوقف حتى ابتعد بأكثر من مئة كيلو متر عن القبيلة، حسب قوله.
القصة على طرافتها وجديتها فيها حكمة أن زعيم القبيلة يحاول مساعدة أبناء قبيلته عن طريق تحسين النسل في وطنهم، وقد يكون أميا بسيطا لم يرتد مدرسة أو جامعة، فيما الكثير من زعماء دولنا العربية المتعلمين «بتوع المدارس» يبيعون أبناءهم في أسواق النخاسة الدولية، ويتغنون ليل نهار عبر التلفزيونات والمهرجانات بحبهم للوطن!
صورة تختصر كل شيء
عرض ناشطون صورة بسيطة على فيسبوك تجمع الشيف التركي العربي الشهير بوراك يضع طبقا شهيا من الأكل أمامه ويستلذ به، وبجانبه مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لفيسبوك العملاق الرقمي، يجلس مستغرقا بقراءة كتاب حول العلوم، الصورة لا تحتاج تفسيرا، لكنها قد تلخص آلاف المعاني بين شرق غارق في الأكل وغرب غارق بالقراءة والبحث. وشتان بين حاضر ومستقبل الإثنين.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
أعجبني موضوع الزواج !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
اخي داود يجب أن تنسى مسألة الزواج يكفي ما عندك ام انكم الرجال تحبون التغيير ههههه
“وأهلا بكم وبنا في حضيرة العميان المبصرين!”
اعتقد أن الكاتب أراد “حظيرة” وليس “حضيرة”.
أحمد حمدي / ألمانيا
بارك الله فيك. ولكن اين المثقفين من ابناء الامة العربية التى أخرجت العالم من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط الى نور العلم والتقدم والازدهار ؟! لماذا لايشمر الصادقين المخلصين لانقاذ ابناء الامة؟! شكرا لمقالك
تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان بالرغم من كل المساوئ التي نرى فيها فعلينا أن نتخيل كيف ستصبح التقنيات في عشر سنين القادمة فنحن اليوم لم تمر حتى عشر سنين على إختراع الهاتف الذكي لكي يظهر الذكاء الإصطناعي و لكن حال العرب هكذا يرفضون كل تطور حضاري حتى يلجأ الغرب للحرب من أجل بيع سلعته فحبذا لو غير العرب عقليتهم و تقبلوا بحكمة إدماج الإنتاج الحضاري الغربي في مجتمعاتهم عوض أن يندبوا حظهم على ماض قد مات.
تواصل اجتماعي دمر شعوب وشتت أسر وقطع صلة الرحم
الله مستعان