مجموعة الأزمات الدولية: الوضع الأمني شرق سوريا… ما هي احتمالات عودة تنظيم «الدولة»؟

أدى التوغل العسكري التركي في تشرين الأول/أكتوبر في شمال – شرق سوريا والانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية التي كانت متمركزة في المنطقة إلى عملية نزوح جماعي لعشرات الآلاف من المدنيين، والى معاناة إنسانية غير مسبوقة على طول الشريط الحدودي مع تركيا . وقد عزز هذا التدخل من ارتفاع وتيرة المخاوف حول تزايد نشاط تنظيم «الدولة» الإسلامية والمعروف باسم «داعش». لاسيما وأن قوات سوريا الديمقراطية وهي مظلة عسكرية تضم قوات كردية وعربية وسريانية تحت قيادة قوات حماية الشعب الكردية والتي تسيطر على المنطقة باتت موزعة بين الرد على التوغل التركي ومواصلة العمليات ضد تنظيم «الدولة» وحراسة السجون والمخيمات التي تحتجز مقاتلي التنظيم وأقاربهم.

الخسارة الفاضحة

وعلى رغم التوغل العسكري التركي في المناطق الشمالية، فقد استمرت عمليات قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم «الدولة»، وإن كانت بوتيرة أقل. وبإستثناء ريف دير الزور الشرقي لم تحدث أية خروقات أمنية على نطاق واسع حتى الآن ولكن التداعيات السلبية واضحة. فقد واصل تنظيم «الدولة» هجماته المصحوبة بعنف منخفض الوتيرة في شمال شرق سوريا، رغم ما تعرض له من انحسار تنظيمي وجغرافي. ففي أثناء سنوات سيطرته على المنطقه عمل «داعش» على تنظيم بنيته الداخلية من خلال توزيع الإدارات، والمسؤوليات الوظيفية والمعايير الإجرائية مما خفف من أثر الخسارة الفاضحة التي تكبدها من هزيمته العسكرية والتي أدت إلى إنحسار سيطرته الجغرافية وخسارة القيادة. وسمح هذا لخلايا مواصلة العمل من دون أوامر مباشرة من القيادة العليا. وقام المقاتلون التابعون ل«داعش» بتنفيذ عدد من الهجمات التي ضمت عبوات ناسفة على الطرقات وعمليات كر وفر واغتيالات. وحسب احصائيات مركز روج آفا للمعلومات في الوقت الذي كانت فيه العمليات هذه في تراجع قبل التدخل التركي في شمال سوريا بنسبة 46 في المئة في الهجمات التي نفذتها خلايا التنظيم ما بين أيلول/سبتمبر- تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر قد شهد زيادة بنسبة 63 في المئة مقارنة مع شهر أيلول/سبتمبر. وباستثناء هجمات متفرقة بسيارات مفخخة تظل معظم الهجمات غير متقنة إلا أن قدرة التنظيم على استهداف أفراد يعطي صورة عن معرفة جيدة بالمناطق المحلية.
يقول حسن أحد العاملين في منظمة غير حكومية في دير الزور: «بعد التدخل التركي، زاد تنظيم «الدولة» من نشاطاته حيث أعادت قوات سوريا الديمقراطية انتشار قواتها إلى المناطق الشمالية»، و»أصبح تنظيم «الدولة» قادراً على التحرك بحرية». وكانت الهجمات المعقدة التي نفذها تنظيم «الدولة» موجهة بشكل أكبر نحو عناصر قوات سوريا الديمقراطية تحديداً والمتعاونين معهم من السكان المحليين. آخر هذه العمليات استهدفت عدة سائقين محليين كانو قد سلموا عوائل عناصر «داعش» لقسد خلال محاولات هروبهم من الجيب الأخير الذي كان تحت سيطرة التنظيم في دير الزور. ويهدف بعض هجمات «داعش» الحالية لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية وإرهاب السكان المحليين وإجبارهم على عدم التعاون معها والإضرار بقدرتها على جمع المعلومات الامنية الضرورية لمكافة التنظيم. من جانبه يقول عبد الله ناشط إعلامي من بلدة الشحيل في در الزور التي تشهد هجمات متواصلة من قبل «داعش» « اليوم، يستطيع التنظيم قتل الناس في وضح النهار ولن يجرؤ هؤلاءعلى الإبلاغ عنهم».
ومع زيادة تهديدات تنظيم «الدولة» والإحساس بنوع من الاستنزاف لقوات سوريا الديمقراطية، أفادت مصادر في دير الزور بإن هناك زيادة في عدد الأشخاص الذين قاموا بعمليات «الاستتابة» لدعمهم قوات سوريا الديمقراطية بناءً على طلب خلايا «داعش». ففي أيلول/سبتمبر نشر تنظيم «الدولة» قائمة بأسماء 200 شخص في بلدة أبو حدروب في دير الزور من الذين كانوا يعملون في المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية، وفي اليوم التالي حضروا كلهم إلى المسجد المحلي وأعلنوا توبتهم كما طلب تنظيم «الدولة» خوفا من الانتقام. وبعد اغتيال عدد من أفراد عائلة بارزة في بلدة حوايج ذيبان، في كانون الاول/ديسمبر، قامت بقية أفراد العائلة بالإعلان عن توبتهم من أجل وقف هذه العمليات. وقال حسن، الذي يعمل مديراً لمنظمة غير حكومية أنه دعا واعظاً لندوة في كانون الثاني/يناير 2020 للحديث عن زواج القاصرات في المنطقة الغربية من دير الزور التي تعيش حالة من الإستقرار النسبي. واشترط الواعظ عدم نشر صور أو تسجيل الندوة خشية تعرضه للأذى من تنظيم «الدولة» لمعارضته ممارسة كانت مألوفة في المناطق التي حكموها.

رهن بتغريدة

أما أحمد، وهو أيضا يعمل في منظمة غير حكومية في دير الزور يقول: «مصير كل المنطقة مرهون بتغريدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب» و «ستظل المنطقة غير مستقرة طالما اعتقد الناس أن لولايات المتحدة ستسحب قواتها في أي لحظة». وقال موضحا إن تنظيم «الدولة» يقوم باستغلال مظاهر قلق الناس «غداً، لو جاء رجال تنظيم «الدولة» وطلبوا مني دعوتهم إلى بيتي فسأفعل ولو لم أفعل فسينتقمون مني عندما ستنسحب القوات الأمريكية وتنهار قوات سوريا الديمقراطية».
وفي الوقت الراهن، لم تتغير الظروف في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوات الإدارة الذاتية كالمناطق ذات الغالبية الكردية ومنبج والرقة، إلا أن ريف دير الزور الذي تم تحريره من تنظيم «الدولة» في الفترة ما بين 2018-2019 شهد تدهوراً أمنياً كبيراً بعد التوغل التركي. ففي الليل يسيطر تنظيم «الدولة» على الطرق ويقيم حواجز ويتحرك من دون معوقات. ويتجنب السكان التحرك في الطرقات التي تربط ريف دير الزور الشرقي ومدينة الحسكة. وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر شهدت المنطقة تراجعا بالأمن في بلدة البصيرة، حيث أقام تنظيم «الدولة» حواجز تفتيش داخل المدينة على مدى ليلتين متتاليتين ودخل البلدة في اليوم التالي ودمر محلات تبيع الدخان والأراجيل وأجبر السكان على حضور الصلاة.
لايزال تنظيم «الدولة» قادراً على تجميع وبناء نقاط التفتيش وابتزاز تجار النفط المحليين الذين يعبرون البادية. وقد هدد أشخاص يزعمون أنهم ينتمون للتنظيم أصحاب المحلات ومدراء المصانع وموظفي المنظمات غير الحكومية والأطباء وغيرهم ممن يعتبرون من أصحاب الثروات وطالبوهم بدفع «الزكاة». و قال أحد الناشطين المحلين: «إستخدام «داعش» كذريعة هو سلاح فعال لارهاب السكان «، وأكد أنه هو وسكان المنطقة على ثقة أن هؤلاء الأشخاص من اللصوص الذين لا علاقة لهم بتنظيم «الدولة» ويحاولون استغلال مخاوف الناس من الجهاديين. ويعتقد السكان المحليون أن التصعيد في نشاطات تنظيم «الدولة» مرتبط بعدم ثقة الناس بالبقاء المستدام لقوات سوريا الديمقراطية والذي يعتقدون أنه مرهون ببقاء القوات الأمريكية في سوريا. ولهذا السبب تتمتع خلايا تنظيم «الدولة» بمستوى من الحماية المحلية بسبب ضعف الثقة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية. فخلايا «داعش» هناك شبه منظمة بقيادة معروفه لدى السكان المحليين وأحياناً منضوية بين العشائر . ويشير السكان المحليون أيضاً إلى الدور البارز الذي يلعبه المراهقون والشبان الذين غالباً ما يكونون أقارب عناصر «داعش» المقتولين او المسجونين، والذين حضروا معسكرات تدريب لـ»أشبال الخلافة» وهم الاآن يلعبون دوراً في تنفيذ الهجمات.
وزاد الأمر تعقيداً الترتيبات العسكرية الواقعة بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية والتي تم الوصول إليها بعد الهجوم التركي الأخير. فقد انعكس الاتفاق ما بين القوات الكردية ودمشق سلباً على استقرار المنطقة وخاصةً دير الزور. وحسب مصادر ميدانية وعسكرية في دير الزور، قام النظام السوري والميليشيات الإيرانية بتجنيد خلايا تابعة لهم لتنفيذ عمليات اغتيال وزرع عبوات ناسفة. ««داعش» هم معرفون بتنفيذ مثل هذه الهجمات، ولكن كل الجهات تعبث بدير الزور – النظام والميليشيات الإيرانية وتركيا. فالكل يعتبر المنطقة خاصرة رخوة « حسب قيادي رفيع المستوى في مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد. وتشير مصادر ضمن المؤسسات المحلية شرق البلاد إلى اختراق تنظيم «الدولة» بعض الهياكل المدنية والعسكرية التابعة لقسد في تلك المناطق.
وفي النهاية يعتبر الوضع الراهن في شمال شرق سوريا هشاً ويمكن أن يتفاقم في أي وقت. فقد أدت مجموعة من القرارات الفوضوية والمكلفة التي اتخذتها الولايات المتحدة وتركيا إلى معاناة بشرية واسعة وفتحت الباب أمام عودة تنظيم «الدولة». إلى اليوم مازالت قوات سوريا الديمقراطية قادرة على احتواء الفوضى التي تسبب بها التدخل التركي ولكن الانهيار الأمني في دير الزور أظهر أنها غير قادرة على التصدي للتمدد التركي ومواجهة المخاطر الأمنية المقلقة في آن واحد. ولن ينأى المجتمع الدولي عن عواقب ترك المسؤولية المنفردة على قوات سوريا الديمقراطية للتعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجه المنطقة.

دارين خليفة- كبيرة محللي الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية
إليزابيث تسوركوف – زميلة في معهد أبحاث السياسة الخارجية

المقال نشر في موقع مجموعة الأزمات الدولية في 1 فبراير 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية