رام الله- “القدس العربي”:
نادر الحدوث أن يتعاطي المشهد الثقافي والأدبي الفلسطيني مع أديب عربي على أنه فلسطيني تماما، فهذا اجماع نادر استحقه الروائي اللبناني إلياس خوري الذي وافته المنية ظهر اليوم.
وبمجرد أن انتشر خبر وفاة الأديب والروائي “الفلسطيني” الياس خوري حفلت المنصات بمنشورات التعزية والبكاء على الراحل، فيما نعت الجمعيات والمؤسسات الثقافية الراحل وقدمته على أنه فلسطيني الهوية والهوى، وأنه حالة نادرة من الرحيل، فرحيله يعني أن تفقد فلسطين واحداً من عشاقها وواحدا من أبرز الأصوات وأنقاها وأجملها.
الأكاديمي والشاعر الفلسطيني عبد الرحيم الشيخ كتب في رثاء صديقه خوري نصا مكثفا مليئا بالاستعارة والدلالات، حيث قال: “لم أتخذ بيرقا للقتال، ولا خاتما للرسائل، ولا رشوت الخلود، بالحناء والتوابيت. لم أرتجل خطبة قبل موتي. وحين حاربت، ولا حرب إن غاب العدو، لم أنتصر، في مديح الخسارة، ولم أنكسر. وقعت على سيفي، قبل أن أقرأ الملامة في عيون الشهود إذ ناصبوني العداء قبل أن يعرفونني: يا له من عاشق! يا لها من عاشقة! يا له من نزال! في الحب حرب، قلبان، جيشان، لا سحابة، ولا غابة، ولا انتظار للبرابرة، ولا للمغول. لا حل في الوهم، تجلسه إليك، ولا منّ في الوقت، تسقطه عليك، ولا خارطة… فالورد أبيض، في الكف، صامت، والروح بيضاء، على ثقفة الرمح، تصرخ، الآن: لحظة، لحظة، لحظة… كي أزرع القلب وردة في جبال الجليل”.
أما الناقد والأكاديمي الفلسطيني ابن مدينة نابلس عادل الأسطة فتذكر مع رحيل خوري اليوم الذي رحل فيه عميد الأدب العربي طه حسين، كان ذلك في حرب أكتوبر 1973 حيث قال: “لم يُلتفت إلى خبر موته لانشغال الناس بالحرب ومتابعتهم لها، وفي حرب أكتوبر 2023/2024 يرحل علم كبير مهم من أعلام الرواية العربية نصير الحق الفلسطيني الروائي إلياس خوري”.
بمجرد أن انتشر خبر وفاة الأديب والروائي “الفلسطيني” الياس خوري حفلت المنصات بمنشورات التعزية والبكاء على الراحل
وتابع معلقا على عمل روائي بقي معلقا مع رحيله: “الرواية لم تكتمل.. كنا بانتظارها”.
أما الشاعر الفلسطيني والأديب غسان زقطان فعلق على رحيل خوري قائلا: “سلّم من الندوب العميقة رحيل الأصدقاء.. الياس خوري الراحل بكامل جماله.. وداعا”.
وتابع معلقا على رحيله في ظل رحيل أخيه الأكبر قبل أيام: “أيقظتني من حزني وأخذتني الى حزني”.
الكاتب والشاعر وسيم الكردي استحضر لقاءه الأول مع الراحل خوري في نص شاعري حيث كتب على صفحته على الشبكة الاجتماعية قائلا: “التقيته مرة واحدة، في مسرح المدينة في بيروت، كانت الحياة تطل من بين يديه كأغصان متشابكة، ترسم الفضاء بنسغها. كانت تنبت من بين كلماته، نظراته، نبضاته.. وتطل على كل وقت. وتأخذنا معها إلى نصوصه قصصه وروايته… ولكنها كانت تأخذنا أيضا إلى معنى أن يكون المرء إنسانا ذا رؤية وخطوة وهوية.. في حياته حياة وفي موته حياة، إنه الياس خوري”.
أما الروائي ربعي المدهون فقدم خوري بصفته الانسان والروائي الذي اثرى الرواية الفلسطينية وأغنى السرد العربي.
بدوره استحضر الباحث الفلسطيني عماد موسى مقطعا من رواية “باب الشمس” جاء فيه: “ترمي في حفرة جماعية. يغيب الناس لأن لا اسماء لهم، ويصبحون مجرد أرقام، هذا هو الرعب يا ابني، الرعب هو الرقم، لذلك حمل الناس صور الموتى والمفقودين، وجعلوها بديلا عن الأسماء”.
وتابع: “قام خوري في تحفته “باب الشمس”، بالتشمير عن ساعديه وخاض في عبء الذاكرة ورعب النسيان، وما كان لأحد من الكتاب العرب أن يكون بهذا القرب من ضمير أهل فلسطين. وما استطاع أحد عرباً أو فلسطينيين قبله من أنسنة النكبة وتجاوز جمود التاريخ”.
وأضاف موسى: “وُلد في عام النكبة، وغادرنا اليوم”.
وكتب نور مصالحة، الأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني الذي يقيم في بريطانيا، على صفحته على شبكة الفيسبوك قائلا: “هناك الكثير من الأشياء الرائعة التي يمكننا أن نقولها عن إلياس خوري، بما في ذلك حبه لفلسطين والتزامه بها”.
وتابع: “لكن هذا الشخص جسد أيضًا أفضل ما لدينا في العالم العربي”.
كثر أيضا تذكروا مقاطع معروفة من أعمال خوري الروائية ومن هؤلاء فنان الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة الذي انتقى عبارة: “الانسان يرث بلاده كما يرث لغته، لماذا نحن فقط من بين كل شعوب الأرض علينا أن نخترع وطننا كل يوم!!”.
أما الروائي أكرم مسلم فوصف خوري بـ”الفدائي الحبيب والمُحبّ”، وتابع: “كم اتّسعتَ بفلسطين وكم اتّسَعتْ بك!”.
وكتب المخرج المصري الذي يقيم في اسبانيا باسل رمسيس بعد ساعات على رحيل خوري قائلا: “جزء من الأهمية الشديدة لإلياس خوري.. ليس موقفه من فلسطين ومشروع التحرر فقط. هذا موقف ينبع من وعي وقناعات فكرية وسياسية. الجانب الذي لمع به إلياس خوري بشكل كبير أنه لم يكن من جماعة الاصطفاف الأعمى وراء أي جهة”.
ونعى الكاتب والأديب الفلسطيني علاء حليحل خوري وكتب عنه: “من حفر اسم فلسطين على قلبه لا يموت، حتى وإن استراح هذا القلب.. الياس خوري، أكثر لبناني فلسطيني، وأكثر فلسطيني لبناني”.
كما وودع الأكاديمي وعالم الاجتماع الفلسطيني أباهر السقا الذي قال إنه لم يلتق بخوري الا قبل عدة سنوات بفرنسا، “حينها أدركت أنني لست فقط بصحبة أديب عظيم، ولكني بصحبة إنسان تجمعت فيه كل الخصال الجميلة التي جعلتني اندم عن عدم معرفتي به من قبل”.
وختم: “ستبقى حيا فينا”.
اما الشاعر والكاتب الفلسطيني رائد وحش فشارك نصا كتبه العام الماضي على صفحته على الفيسبوك عندما كان يرقد خوري على سرير مرضه حيث جاء فيه: “يرافقني إلياس خوري في حياتي الصغيرة مثل صديق يعرفني أكثر ممّا أعرف نفسي، فألجأ إليه دومًا ليعينني على فهم العالم، والطبيعة البشرية، والتحولات الاجتماعية الكبرى، من خلال تجربة استثنائية مجالها الكلمات”.
وأضاف: “صوته الخارج من سطور الكتابة مثل صوت البحر، يحدّثني طويلًا عن الحياة المتخمة بالشِّعر، عن الأشياء التي تغيم فلا نعرف من ضبابية المشهد أيُّنا الحقيقي: نحن أم خيالاتنا! وعن الهوية المنقسمة على نفسها والذوات المتشظية (بشكل خاص في روايتي “سينالكول” و”اسمي آدم”)، وعن الكلمات التي تغدو أقسى وسائل التعذيب (كما تخبرنا بذلك روايته “يالو”).
وخلص أن خوري أدرك سرّ الأدب جيدًا، “فهو واحد من أكبر الرواة المعاصرين في اللغة العربية”.
وتساءل خاتما نصه: “كيف يمكن لحياة واحدة ابتكار هذه الحيوات كلّها؟”.
لعله استراح من همٍّ كان قاتله ان لم يكن هو قاتله.
احتلال فلسطين أحيا و أمات !