اليمن: إلى أين تمضي مآلات تصاعد التوتر في حضرموت؟

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

منذ أكثر من شهر ومحافظة حضرموت /شرقي اليمن، تشهد احتقانًا متناميًا وتوترًا متصاعدًا على خلفية توتر شعبي مرتبط بالأوضاع المعيشية المتردية.

صنعاء ـ «القدس العربي»: منذ أكثر من شهر ومحافظة حضرموت /شرقي اليمن، تشهد احتقانًا متناميًا وتوترًا متصاعدًا على خلفية توتر شعبي مرتبط بالأوضاع المعيشية المتردية، وصولًا إلى بيان مؤتمر حضرموت الجامع، الأربعاء الماضي، الذي أعلن فيه انتهاء مهلة الثلاثين يومًا الممنوحة لقيادة السلطة المحلية والحكومة والمجلس الرئاسي، بدون تنفيذ المطالب التي أعلن عنها «الجامع» في بيان اجتماعه الاستثنائي في 13 تموز/يوليو.

وأكد «الجامع» استمراره مع حلف قبائل حضرموت في التصعيد على كافة الأصعدة؛ ما يؤشر إلى أن الأوضاع هناك تمضي باتجاه مزيد من الاحتقان السياسي والاستنفار القبلي؛ وهذا الاحتقان والاستنفار بات، في حال لم يتم احتواؤه، من المحتمل أن يشكل تحديًا خطيرًا قد يشهد تحولًا لا يمكن قراءة فحواه حاليًا، علاوة على إمكانية تمدده إلى محافظات أخرى؛ وهو ما سبق وشهدناه كمقدمة في محافظة شبوة المجاورة.
لفت أنظار
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، في قراءته للأسباب الكامنة وراء هذا التوتر، متحدثًا لـ«القدس العربي» أن «التصعيد الذي يقوم به مؤتمر حضرموت الجامع لا ينفصل عن تكوين وأهداف حلف قبائل حضرموت، الذي يقدم نفسه كممثل وحيد لأبناء حضرموت، ويسعى لكبح أي تحركات، للمجلس الانتقالي الجنوبي منافسه التقليدي، كما يُظهر وقوفه أمام أي تحركات، للحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي، لا تقر بالإدارة الذاتية لحضرموت، ولا تجعل الأولوية لها في الاستفادة من الموارد النفطية، والثروات السيادية، وتأتي أزمة الكهرباء، والتغلب على المشكلات الأساسية التي تعاني منها العملية التعليمية في هذه المحافظة ضمن المطالب الأساسية لمؤتمر حضرموت الجامع».
وقال: «ومع الاعتراف بصعوبة حل هذه المشكلات التي تعاني منها حضرموت، كغيرها من المحافظات اليمنية، في ظل تعذر استئناف تصدير النفط، إلا إن من شأن هذا التصعيد أن يلفت نظر الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي، بأن إعادة توزيع عائدات الثروات النفطية يرتبط بأبناء المحافظات المنتجة للنفط قبل غيرهم، ففي ظل الاستعدادات الجارية لاستئناف تصدير النفط، يأتي هذا التصعيد للفت أنظار التحالف العربي ومجلس القيادة الرئاسي إلى مطالبة الحلف بإشراك مؤتمر حضرموت الجامع في أي تسوية سياسية مرتقبة، في ظل التسريبات التي تتحدث عن منح الحوثيين حصة من عائدات النفط والغاز تصل إلى نحو 70 في المئة، كمرتبات لموظفي الدولة في مناطق سيطرتهم، كما يأتي التصعيد الذي يقوم به مؤتمر حضرموت الجامع لكبح مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي في الانفراد بتمثيل المحافظات الجنوبية، وكبح توجهه للسيطرة الكاملة على حضرموت».

قوة أمر واقع

فيما يتعلق بالمآلات المتوقعة لهذا التصعيد والتوتر، يعتقد غانم أن «التصعيد الذي يلوح به مؤتمر حضرموت الجامع هو وسيلة ضغط يستخدمها من أجل الحصول على ما أمكن من مكاسب سياسية واقتصادية وفي مقدمتها، الأخذ في الاعتبار وجود هذا الحلف عند إعادة توزيع السلطة والثروة، وفي هذا السياق أشار الحلف بوضوح لضرورة إدراج (مؤتمر حضرموت الجامع) ضمن الفريق الوطني للتفاوض، إلى جانب الضغط على الحكومة اليمنية للاستجابة لمطالبه الخدمية والتنموية التي لها الأولوية في المرحلة الراهنة، وفي مقدمتها حل أزمة الكهرباء ومعالجة المشكلات الملحة للتعليم، بما يضمن استئناف سير العملية التعليمية بالمحافظة، وهي مطالب من الصعب على الحكومة حلها، في الوقت الراهن، إلا إن من المستبعد أن يتجه الحلف في التصعيد نحو سيناريوهات تتجاوز الضغوط السياسية، لاسيما وأن استئناف تصدير النفط غير مؤكد حتى هذه اللحظة، فورقة إعاقة تصدير النفط، التي يمكن التهديد باستخدامها، ما زالت بيد جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) ومن الصعب على أي تشكيل سياسي آخر استخدامها في الوقت الرهن، خصوصًا أن هذا الحلف قلما يتحرك بعيدًا عن الحد المسموح به من قبل السعودية، لذا من المستبعد أن يلجأ إلى أي خيارات تعمل على تقويض السياسات التي تنتهجها الحكومة اليمنية التي تحظى بدعم الرياض».
وأضاف: «ولأن مؤتمر حضرموت الجامع ما زال أحد التشكيلات الجديدة التي تحاول إيجاد موطئ قدم لها في الساحة السياسية فإن هذه التحركات التي يقوم بها، بما فيها التلويح بالتصعيد، تجعله أكثر قربًا من أهدافه، من حيث الاعتراف بوجوده كقوة أمر واقع، في ظل قدرته على حشد المؤيدين، لاسيما أنه لم يتعرض بعد للاختبار، فالناس الذين استاءت أوضاعهم المعيشية ويعانون من تدني مستوى الخدمات في حضرموت ما زالوا يعولون على وجوده في فرض مطالبهم الخدمية على الحكومة، ولأن من الصعوبة بمكان تنفيذ معظم هذه المطالب التي رفعها الحلف، في ظل استمرار توقف تصدير النفط، فمن المرجح أن تتم تلبية المطالب السياسية للحلف، للحد من التصعيد، وقطع الطريق أمام مساعي المجلس للانفراد بتمثيل المحافظات الجنوبية والشرقية، وذلك من خلال الموافقة على تمثيل هذا الحلف من خلال «حضرموت الجامع» في الفريق الوطني للحوار، والاعتراف به كقوة أمر واقع، وممثل لمحافظة حضرموت، جنبًا إلى جنب مع غيره من التشكيلات السياسية والقبلية والعسكرية في اليمن».
تسوية سياسية
في رؤيته للأسباب، يرى مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، ومقره في إسطنبول، أن «تزايد الحديث عن المفاوضات حول تسوية سياسية تنطوي على تقاسم عوائد النفط والغاز بين الحكومة الشرعية وجماعة «أنصار الله» (الحوثيون) وقرب تصدير النفط قد أحدث انعاشًا في التوتر والاحتقان في حضرموت، وبالتالي مثلت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، إلى مدينة المكلا العاصمة الإدارية للمحافظة في 27 تموز/يوليو الماضي عاملًا لإثارة الاحتقان، فأعلن مؤتمر حضرموت الجامع الذي يتزعمه عمرو بن حبريش وكيل أول المحافظة، رفض الزيارة ووصفها بالخطيرة «في ظل ظروف معيشية وخدمية مزرية يعيشها المواطن الحضرمي».
خلال تلك الزيارة دعا ابن حبريش قيادات حلف قبائل حضرموت، الذي يتزعمه أيضًا إلى اجتماع استثنائي في هضبة حضرموت. وفي 3 آب/أغسطس، صدر عن الاجتماع بيان طالب فيه الحلف بـ«الاعتراف بحق حضرموت، وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية، ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع، أسوة بالأطراف الأخرى المشاركة في التسوية الشاملة في البلاد» محذرًا من «الإقدام على أي تصرف حضرموت أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت، وضمان حقوقها، بما يرتضيه أهلها»وأمهل الاجتماع مجلس القيادة والسلطة المحلية 48 ساعة لتنفيذ مطالبهم، مهددًا في حال عدم تلبيتها بـ«وضع اليد على الأرض والثروة». وعقب انتهاء المهلة انتشر مسلحون قبليون في هضبة حضرموت، وفرضوا نقاطًا جديدة في بعض طرق المحافظة. كما استمرت ما سماها ابن حبريش «المشاركة الميدانية» من خلال استمرار الاستنفار القبلي إلى الهضبة، وتواتر صدور بيانات التضامن القبلي مع مطالب الحلف، وهو ما يشكل مزيدًا من الاحتقان والتوتر، لاسيما مع ارتفاع نبرة تلك البيانات.
ويعتقد مركز المخا في ورقة «تقدير موقف» أن موقع حضرموت الجغرافي قد عزز من بُعدها من المواجهات العسكرية، وكرس من إيجابية أداء مؤسساتها الحكومية مع محافظة السلطة المحلية على مواردها المحلية؛ ما عزز من قدراتها على دفع مرتبات الموظفين المدنيين بانتظام وتغطية التكاليف المعيشية للسلطة المحلية وتغطية ميزانيتها الاستثمارية وتلبية الخدمات، لاسيما وأن الدولة قد خصصت ما نسبته 20 في المئة، ومن ثم 25 في المئة من عائدات مبيعات النفط لصالح المحافظة.
وأشار إلى أن الزيارة السابقة للعليمي للمكلا في 24 حزيران/يونيو 2023 ومعه وفد من صندوق الإعمار السعودي، وتم خلالها وضع حجر الأساس وتدشين عشرات المشاريع. إلا أنه بعد مضي عام كامل لم يحدث تقدم كبير في إنجاز تلك المشاريع، كما شهدت المحافظة تراجعًا في مستوى الخدمات العامة وتدهورًا غير مسبوق في مستويات المعيشة، ومثلها بقية مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا مع إتهام لقيادة السلطة المحلية بقلة الخبرة وسوء الإدارة والفساد والانفراد بالقرار في ظل صراع مصالح بين المحافظ مبخوت بن ماضي وابن حبريش الذي يتزعم مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت.
ووفق المصدر ذاته؛ فإن تصعيد «حضرموت الجامع» و«قبائل حضرموت» يقف وراءه تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مع منع تصدير النفط منذ تشرين أول/أكتوبر 2022 وترافق ذلك مع تدهور مروع في قيمة العملة الوطنية، وكان تأثير هذا التدهور على حضرموت كبيرًا. ويرى أن كل ذلك خلق تدمرًا شعبيًا واسعًا ساهم في تجاوب أفراد القبائل مع المطالب التي يرفعها مؤتمر حضرموت الجامع والاستنفار الذي يقوم به حلف قبائل حضرموت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية