صنعاء – “القدس العربي”:
ما زال تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) المدعوم إماراتيا، متواصلا ضد الحكومة المعترف بها دوليا، وصولاً إلى تلويحه بإمكانية اعلان ادارته الذاتية للمناطق الجنوبية والشرقية التي تحت سيطرة الحكومة، وبلغ التصعيد ذروته أن دعا قيادات ميليشياته العسكرية والأمنية إلى رفع الجاهزية، وكأنه يهدد بتكرار ما قام به في عام 2018، وبموازاة ذلك ما زال إعلامه مستمرًا في كيل التهم ضد الحكومة التي يشغل فيها الانتقالي بعض المقاعد ناهيك عن شغله أكبر كتلة في مجلس القيادة، من خلال ثلاثة أعضاء يشغلون مناصب قيادية لديه… الأمر الذي يجعل من أسباب وتداعيات هذا التصعيد، وما يمكن أن يذهب إليه، مثار نقاش هذا التحقيق.
خلفيات ووقائع
في المحور الأول، نحاول تقديم قراءة منصفة لما يحدث وخلفيته وواقعه وتداعياته، والاجابة على سؤال: ما موقف التحالف العربي من ذلك، بمعنى هل يمكن أن يتحرك الانتقالي بهذه الخطوة التصعيدية بدون ضوء أخضر من التحالف؟
يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، الكاتب والمفكر عبد الباري طاهر، لـ”القدس العربي”: أولا خلفية هذا التصعيد هو قلق التحاور الدائر المعلن والصامت بين السعودية و”أنصار الله” (الحوثيين) لدى الانتقالي بمستوى. فهم يشعرون ويخشون أن يجري الحل بعيدًا عنهم ويكونوا الضحايا.
وأضاف: تستشعر الإمارات العربية المتحدة أن هذا التحاور بين السعودية و”أنصار الله” والتقارب السعودي الإيراني قد يؤدي إلى تسوية تلبي مصالحهما، ولا تأخذ بعين الاعتبار إنجازها في الجنوب، فهي ترى أنها الطرف الأساس في الجنوب، وإن امتدادها هناك وتضحياتها واتباعها هم الأساس (الانتقالي المسلح) وغيرها من الأحزمة الأمنية والنخب.. وهي أي الإمارات أكثر ميلا لانفصال الجنوب؛ لأن حضورها أكبر، ولها مصلحة في الاستيلاء على الجزر والموانئ، وبالأخص ميناء عدن وميناء المخا، وربما تتقاطع هذه الإرادة مع طرفي الرباعية الأمريكان والبريطانيين الأكثر ميلا لانفصال الجنوب. فهم غير مرتاحين للتصالح السعودي الإيراني وعلاقة الموضوع بالصين، فالإمارات لضعفها وللعلاقة الإبراهيمية بإسرائيل هي الاداة الأكثر طواعية للبريطانيين والامريكان.
واستطرد: وللتصعيد علاقة باحتمالات الحل بين السعودية و”أنصار الله” كثمرة للتطبيع الايراني السعودي والاماراتي حاضر هنا، أما الأهداف بالنسبة للانتقالي فهي التفرد بحكم الجنوب، وإقامة دولة الجنوب العربي (مشروع بريطانيا في خمسينات القرن الماضي إبان الاستعمار لعدن) وتلبي مصالح الامارات في الهيمنة على الوضع مدعومة بطرفي الرباعية، أما النتائج فربما إعاقة تسارع خطوات الحل السياسي وابقاء الاوضاع على حالها؛ لأن الحل في اليمن وبين السعودية وإيران قد لا يلبي إرادة طرف في الصراع الدولي.
وتابع: اشتغلت السعودية والامارات على صراع الشمال والجنوب في حرب الثماني سنوات، وتشتغل الامارات على الصراع الجهوي بين أبين والضالع طرفي صراع 13 يناير/كانون الثاني 1986 والممتد حتى اليوم. ويشتغل الامريكان والبريطانيون وربما الاسرائيليون على الخلافات بين السعودية والامارات على المصالح والنفوذ، أما التصعيد فبرغم وجود مبرراته وأسبابه ممثلا في الصراعات المحلية بين الجنوب والجنوب من ناحية والجنوب والشمال من ناحية أخرى إلا أنه يصعب التصعيد في ظل الظرف الحرج بدون إشارة من الامارات، وربما تكون الإمارات محتاجة هي الاخرى إلى إشارة؛ فالصراع رغم جذره المحلي إلا أن الضغط الدولي فيه حاضر.
أسباب وتداعيات
في المحور الثاني نحاول بسط الأهداف التي يرمي إليها الانتقالي من خلال هذا التصعيد، وفي هذا التوقيت ضد حكومة هو شريك فيها. وهل يمكن أن يذهب الانتقالي إلى ما هو أبعد من هذا التصعيد على الرغم من تلويحه بإعلان الإدارة الذاتية؟
يرى الباحث السياسي اليمني، عادل دشيلة، أن هذا التصعيد المتواصل وبهذا المستوى من الانتقالي هو من أجل تحقيق مزيد من الضغط على الحكومة وعلى التحالف العربي لتقديم مزيد من التنازلات له في السلطة التنفيذية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وهي المحافظات الشرقية والجنوبية.
وقال لـ” القدس العربي”: الانتقالي يهدف إلى تمكين اتباعه من السيطرة على مؤسسات السلطة التنفيذية والخدمية، وأيضا السيطرة على الموارد الاقتصادية في هذه المحافظات، كمقدمة أولى، إذ يدعو دائمًا أنه لا بد أن يتم تمكينه تنفيذيًا في كل مرافق الدولة في تلك المناطق، وبالتالي هو يريد أن يحصل على مزيد من المزايا بعد أن حصل على كثير منها في المجال الأمني والعسكري والقضائي، بل لقد شكل له جناحه العسكري الخاص به وكذلك في الجانب الأمني، ناهيك عن تمكينه من بعض مؤسسات الدولة الحساسة.
لكن السؤال هل يمكن أن يذهب الانتقالي إلى ما هو أبعد من هذا التصعيد رغم تلويحه بإعلان الإدارة الذاتية؟
يقول دشيلة: هو لن يذهب بعيدًا ولن يستطيع؛ لأنه يدرك المعوقات القانونية والسياسية الداخلية والإقليمية والدولية، وسبق أن أعلن الإدارة الذاتية، وكان الرد الإقليمي والدولي سريعًا؛ وهو أنه لن يعترف بالأمر الواقع أو ما يسمى الإدارة الذاتية حينها، ثم لوح بخطوات عسكرية فواجه تحديات؛ وهو يواجه، الآن، تحديات في كل مرافق الدولة في المناطق التي يسيطر عليها، بل هو لم يستطع أن يفي بالحد الأدنى من الخدمات في عدن على سبيل المثال؛ لذلك حاول أن يلجأ للخيار العسكري، وحتى لو فرض هذا الخيار بالقوة فليس في صالح الانتقالي أن يفرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية، وحتى لو فرضه سيكون حالهم كحال إقليم هارجيسيا في الصومال، بمعنى أنت موجود على الأرض، لكن لا أحد يعترف بك، لذلك هم لا يريدوا الذهاب بعيدًا إلى خيار الانفصال من طرف واحد أو خيار إعلان الإدارة الذاتية من طرف واحد، لكنهم يريدون أن يشكلوا هيئة تنفيذية، وأن تكون الهيئة التنفيذية لمؤسسات الدولة في هذه المناطق بأيديهم، أقصد الانتقالي.
واستطرد: هم يقولون إنهم سيعسون لإيجاد هيئة تنفيذية، أي أنهم يتملصون من أي ورطة قانونية، ولا يريدون إعلان الإدارة الذاتية، بمعنى أنهم لا يريدوا الانفصال، فقط يقولون نحن نريد أن نتمكن من مؤسسات الدولة، في كل المجالات، وبالتالي بعد أن نتمكن من كل شيء، فبالإمكان أن ندرس الخيارات الأخرى، كخيار الإعلان من طرف واحد، أو الدخول في حوار … لكن حتى اعلان الهيئة التنفيذية لن يستطيعوا ذلك …في الوقت الراهن.
وأردف عادل دشيلة: الانتقالي يتصور إذا لم تسقط مأرب وتعز في يد الحوثيين أن ثمة عائق أمامهم؛ لأن المكونات في المناطق الشمالية متناقضة، وبالتالي مع مَن نتحاور، هم يقولون في حال حسم الحوثيون الأمر في مارب وتعز فبالإمكان أن نجلس مع الحوثيين ونتحاور شمال وجنوب، وهذا مستبعد، إذ هناك أكثر من مكون جنوبي في جنوب البلاد يستطيعون أن يقولوا (لا) للانتقالي، وفي مقدمتها مكونات حضرموت ومكونات الحراك الجنوبي ومكونات اجتماعية وسياسية عديدة.
وتابع: في الوقت الراهن على الانتقالي أن يدرس الخيارات الأخرى في حال صعّد عسكريا؛ لأنه لن يكون في مأمن في المناطق الجنوبية، بل سيفتح الباب على مصراعيه لصراعات أكثر دموية شمالًا وجنوبًا.
وذهب مؤكدا أن «الحل في اليمن لن يكون إلا يمنيًا، حل في إطار الحفاظ على الجغرافيا السياسية للدولة اليمنية، وحل يرضي جميع الأطراف، ويحافظ على مصالح الجميع، ويعطي الانتقالي الحقوق التي يستحقها، وأيضا بقية القوى السياسية اليمنية الأخرى. المهم أن تكون الدولة جامعة لكل القوى، وأن يكون هناك دولة تحافظ على الكيان الجغرافي والسياسي للجمهورية اليمنية. في هذه الحال يمكن أن نصل إلى دولة اتحادية أو فيدرالية أو إلى دولة لا مركزية إدارية واسعة، وهذا على الأقل هو الحل الانجع في المرحلة الانتقالية المقبلة، ومن ثم بالإمكان مناقشة الخيارات الأخرى لكيفية شكل الدولة في المستقبل».
وبعد،
مما سبق يتضح أن الانتقالي ينشد، بهذا التصعيد وفي هذا التوقيت، تحقيق مكاسب سياسية باتجاه توسيع دائرة سلطته وسيطرته في مؤسسات الدولة، وفي ذات الوقت تحقيق مزيد من الضغط على الدولة في ظرف حرج بهدف خلق واقع أكثر تعقيدا أمام أي حل قد يستبعد مصالح أيا من الفرقاء الإقليميين ممن صار لهم موضع قدم في اليمن؛ فالحوار الذي بدأ ويتعثر حاليًا لا يمكن أن يعبر باليمن بعيدا عن مصالح المراكز الإقليمية التي كرستها الحرب هناك…و”الانتقالي” ليس سوى بيدق محلي للاعب إقليمي؛ وهؤلاء اللاعبون لا يريدوا حلًا يمنيًا في البلاد الغارفة في الحرب منذ تسع سنوات؛ لأن مصالحهم ستكون في مرمى هذا الحل.