اليمن: حفل ومسيرة وجدل يتجدد في الذكرى الـ13 لثورة 11 فبراير

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

صنعاء – “القدس العربي”:

شهدت مدينة تعز (جنوب غرب)، اليوم الأحد، مسيرة حاشدة احتفالاً بالذكرى الثالثة عشرة لثورة 11 فبراير/ شباط.

وأكد بيان المسيرة “الوقوف المطلق مع المقاومة الفلسطينية والوقوف بكل إجلال وتقدير لتلك البطولة النادرة والصمود الأسطوري في غزة وكل فلسطين الثائرة”.

وكانت مدينة تعز، قد أحيت في شارع جمال عبد الناصر، مساء السبت، ذكرى الثورة، من خلال ايقاد الشعلة وإطلاق الألعاب النارية في سماء المدينة، التي احتضنت واحدة من أهم ساحات الفعل الثوري عام 2011م.

كما شغلت الذكرى حيزًا من اهتمامات نشطاء منصات التواصل الاجتماعي، رافق ذلك جدل يتجدد سنوياً بشأن مآل الثورة، التي علق عليها اليمنيون آمالًا عريضة بتحقيق تغيير جذري يشمل كل مناحي الحياة؛ إلا أن النتائج– كما يرى منتقدوها- جاءت دون المأمول؛ وعلى الرغم من ذلك لم تنطفئ جذوة الفعل الثوري، وسيبقى – كما يرى مؤيدوها – الأمل قائمًا بتحقق أهداف هذه الثورة، التي سقط في طريقها الكثير من الشهداء؛ ممن حملوا على عاتقهم تطلعات شعب بأسره.

  لا تتحمل هذه الثورة مسؤولية تعثرها، بل يتحملها مَن أعاقوا وانحرفوا بمسارها، لكنها ستبقى، أي هذه الثورة، حلم هذا البلد بالتحقق الحضاري على ناصية المستقبل: بلدا موحدًا مزدهرًا ينعم بالحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية؛ وهذا الإصرار  على التحقق هو نتاج هذا الفعل الثوري الذي ما زال اليمنيون يتطلعون لجني ثماره.

نعم؛ بات اليمن محتربًا وممزقًا ومفخخًا بعوامل استمرار الحرب؛ لكن كل هذا لن يبقى للأبد؛ بل ستأتي لحظة يستعيد فيها اليمنيون بلادهم، ويعيدون ترميم أحلامهم، ويمسكون بزمام السعي الحثيث لتحقيق تحول سياسي متعاف من أوبئة التشرذم والاستحواذ والتسلط والاستبداد والطغيان.

لقد نفض اليمن غبار الجهل، ولم يعد بمقدور أحد احتكار حاضره، والتحكم بمسار طريقه نحو الغد؛ لقد بات كل شيء بيّنًا، بل لقد بات لدى البلد يقينًا خالصًا أن المستقبل سينحاز للعدل والمساواة والديمقراطية والحرية، ولا يمكن لغير هذه القيم أن تستمر وتؤسس وطنًا لائقًا باليمنيين.

اليمن صار مستباحًا؛ وتحول إلى بلد هش ودولة مهترئة وشعب تعيش نسبة منه في الشتات، ومن في الداخل تعيش نسبة كبيرة منهم على المساعدات، تتقاسمهم جزر منعزلة تحكمها سلطات متعددة، ويتعرض اليوم لقصف أمريكي بريطاني. كل ذلك لن يمنع اليمن أن يستعيد اعتداده وعتاده للنهوض مجددًا، وتحقيق أحلام وتطلعات مَن ضحوا بأنفسهم في سبيل ثورة أراد من خلالها الشعب أن ينتصر لحقوقه، وأراد اللصوص سرقة هذا الحلم؛ في إشارة لأهمية ما تصبو إليه هذه الثورة، التي ستبقى جذوتها متقدة.

                                 انتصار الاحتجاج

يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، الكاتب والمفكر عبد الباري طاهر، لـ”القدس العربي”: “أنظر إلى ثورة الربيع في الوطن العربي، وفي العديد من بلدان العالم بأنها مؤشر مهم عالمياً للخلاص من الانقلابات العسكرية والثورات الوطنية التي انتصرت بالسلاح. وهي وإن حققت انجازات وطنية في عدة مجالات إلا أنها عجزت عن انجاز المهام الشاملة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيا، وغيّبت الديمقراطية وقمعت حرية الرأي والتعبير، وغيّبت العدالة الاجتماعية أو جعلتها بديلاً للحريات العامة والديمقراطية والتحديث، وجعلت القوة والغلبة أساس الشرعية الثورية، وتحولت إلى شمولية مؤبدة”.

وأضاف: “عندما نتوقف أمام الجانب المشرق في ثورة 11 فبراير في اليمن سنجد أنها تحدت نظامًا شموليًا يمتلك ترسانة من السلاح يهدد بها المنطقة، ويبتز بها، ويفاخر ويقيم تحالفًا واسعًا مع شيوخ القبائل والتجمع اليمني للإصلاح منذ التأسيس، وصلاته متينة بالأنظمة المجاورة الداعمة. لقد هبت حضرموت عن بكرة أبيها في اجتماع مدني وسلمي، ونزل الموظفون والشباب في شوارع عدن وتعز وصنعاء بدون سلاح إلا سلاح الكلمة، يهتفون “الشعب يريد اسقاط النظام”. كان الجانب المشرق تحدي هذه القوة والتحالف الشرير، وكان الشباب المستقل هو الأساس”.

واستطرد: “سقوط حاجز الخوف، وامتلاك إرادة التحدي، وانتصار الاحتجاج على مدى أكثر من سبعين يومًا في أهم المدن اليمنية، وكان حضور المرأة في مجتمع تقليدي لافتًا بل وأساسيًا في المسيرات، رغم القوى الظلامية والاعتداء على الفتيات ووضع الحواجز والإساءة للسمعة، لكن بالتحاق الجناح المنشق من  نظام الحكم ممثلا في علي محسن الأحمر الرجل الثاني بعد صالح والفرقة الأولى مدرع، وأحزاب المشترك تحول الاحتجاج السلمي إلى مواجهة مسلحة؛ وهو ما عنى العودة إلى صراع القوة، والمساومة على الاقتسام، ولم تكن القوى الإقليمية والكبرى بعيدة عن اللعبة التي أدت إلى وأد الصورة، ولكن لا شيء في التاريخ يموت”.

 وتابع: “أما عدم نجاح هذه الثورات السلمية فيعود إلى القوة الغاشمة وانتشار الأمية بمعانيها وتجذر الموروث الديني التقديسي للماضي. فالقوة المسيطرة والأفكار البالية والعتيقة، ثم أيضًا وجود قوى دولية استعمارية تدعم القوى التقليدية. كما أننا أمام مجتمعات استمرأت الظلم، وقبلت ما يسميه بيتيان دولا (العبودية المختارة)؛ فهناك عوائق ذاتية موضوعية أعاقت النجاح، ومنها نقص التجربة والخبرة وغياب القيادات المؤهلة، والأخطر أن قوى الثورة المضادة؛ وهي في غاية الذكاء والدهاء سرعان ما تنخرط في الاحتجاج، وتكون الأكثر إمكانية ومقدرة للانحراف بالثورة”.

                                     الإرادة الشعبية

 ولمن يلوم هذه الثورة يقول عبدالباري طاهر: “لا يغلب تشاؤم العقل إلا تفاؤل الارادة كما يقول غرامشي، وكل ثورات الكون لم تنتصر إلا بعد أكثر من فشل. والعصر وتطورات المعارف والحياة تؤكد ذلك؛ فالليل يعقبه نهار، ولا تستطيع القوة أي قوة قهر الارادة العامة للشعوب؛ فالحياة دائما أقوى من الموت”.

وأضاف: “لا شك أن للثورة أخطاء وأحيانًا أخطاء قاتلة، ولكن العوامل والقوى الحاكمة والمسيطرة على القوة والثروة والمتحكمة في مصائر الشعوب هي الاساس في التغلب؛ فواجب الشباب وقوى الاحتجاج المدني هو دراسة أخطاء الثورة والعوامل الأخرى ودور القوى المعادية”.

                                   الثورة المضادة

في كلمتها بالمناسبة، اعتبرت الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، ثورة 11 فبراير “الحدث الأهم في التاريخ الوطني في اليمن”، “الثورة التي تجمعت ضدها كل قوى الجور والظلم والجهل في الداخل والخارج لإدراكهم أنها تمثل أهداف شعبنا وتطلعاته للمستقبل والحياة الكريمة”.

واعتبرت أن “أمراء الحرب وتشكيلاتهم المسلحة التابعة للقوى المعادية لليمن هم امتداد للنظام السابق”.

وأكدت أهمية التذكير بالمسار الذي اجترحته ثورة فبراير؛ لأن هناك مَن يسعى لتزييف التاريخ، حد قولها.

واعتبرت أن كل ما يتردد اليوم بخصوص ثورة فبراير، هو استمرار لحرب الثورة المضادة على الشعب.

فيما قال المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، في مقال نشره في حسابه في تويتر: “ثلاثة عشر عاماً مرت على اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، ما انطفأت شعلة الحرية، ولم تغادر المسامعَ هتافاتُ مئات آلاف الشباب والرجال والنساء والأطفال، التي صدحت باسم الحرية والكرامة؛ في ميادين وساحات الحرية والتغيير، وما استطاع أعداؤها أن يفرضوا مشروعاً سياسياً بديلاً عن ذلك الذي أنتجه إجماعٌ وطنيٌ نادرُ الحدوث في تاريخ اليمن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية