اليمن يضيع بين مطرقة الحوثي وسندان الشرعية والقصف الأمريكي يأتي بعد فشل التحالف العربي

خالد الحمادي
حجم الخط
0

وصل اليمن إلى حالة من الضياع والتيه في ظل فشل كافة المحاولات السياسية والعسكرية لوقف الصراع المسلح بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي المسلحة، الذي تجاوز عتبة عقده الأول، إثر التدخلات الإقليمية والدولية في تغذية هذا الصراع المحلي وإذكاء الحرب بالوكالة من قبل القوى الإقليمية، التي اتخذت من اليمن ساحة لتصفية حساباتها وتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة.
ولم يكن القصف العسكري الأمريكي الراهن على اليمن الذي دشنته واشنطن منتصف آذار/مارس المنصرم سوى حلقة جديدة من الانقضاض على ما تبقى من روح في الجسد اليمني الذي أنهكته عشر سنوات من الصراع المسلح بين القوى المحلية ومن التدخل العسكري لقوات التحالف العربي.
ولعبت عمليات إطالة أمد الحرب والصراع المسلح بشكل مقصود – على ما يبدو – من قبل القوى الخارجية دورا محوريا في إيصال اليمن واليمنيين إلى حالة من الضياع والجمود، إثر انسداد الأفق، على المدى المنظور على الأقل، أمام كافة الممكنات لتحقيق أي حلول سياسية أو عسكرية، يعيد لليمن دولته وهيبته ومكانته بين الأمم.
وفي ظل هذا الوضع لم يعد لليمن – فعليا – دولة في الواقع، حيث لم يتبق منها سوى العَلَم المهترئ، الذي يرفرف في سماء البلاد كالطير مقصوص الجناحين، تتجاذبه القوى المتصارعة، المحلية والإقليمية، في حين السيطرة على الأرض مقسّمة بين قوات مسلحة، بعضها تابعة أو محسوبة على الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية، والبعض الآخر تابعة لجماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران، التي انقلبت على الدولة في 21 أيلول/سبتمبر2014.
وجوهر المشكلة التي تواجه القوى المتصارعة أن أيا منها لم تستطع حسم المعركة على الأرض لصالحها، ولم تثبت الأيام أن أيا منها تعمل بجدية وفاعلية في خلق أسس ومقومات دولة على الأرض، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع العسكري والأمني والاقتصادي والخدماتي، وأوقف عجلة الحياة الطبيعية في البلاد، ودفع باليمن إلى أن تصبح «دولة فاشلة» بامتياز.

الوضع العسكري المحلي

في الوقت الذي كانت فيه القوى المتحاربة في اليمن في حالة هدنة هشّة، جاء التدخل العسكري الأمريكي على خط الأزمة في اليمن، عبر الغارات الجوية التي تستهدف مواقع وأهداف عسكرية حوثية، منتصف آذار/مارس الماضي، ليدخل الصراع في البلاد منعطفا جديدا ويضيف بُعدا غير مسبوق للحرب القائمة، ليشمل قوى دولية بعد أن ظل لنحو عشر سنوات محصورا بين القوى المحلية والإقليمية.
بتحالفهم مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، تمكن الحوثيون نهاية 2014 من السيطرة الكاملة على العاصمة صنعاء وعلى أغلب المحافظات الشمالية، بما في ذلك السيطرة على جميع مؤسسات الدولة وعلى كافة المعدات العسكرية والقوات الحكومية التي كانت موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي أجبر على التخلي عن السلطة عقب اندلاع ثورة الربيع العربي ضد نظامه عام 2011، والذي سخّر قوات الجيش والأمن للعمل مع جماعة الحوثي لخوض المعارك والمواجهات المسلحة ضد الحكومة الشرعية، للانتقام من الحكام الجدد الذين أفرزتهم ثورة الربيع العربي ووصلوا إلى السلطة على أنقاض حكمه. أما الحكومة الشرعية فقد اضطرت عام 2015 إلى تأسيس جيش وطني جديد من الصفر، مبني على عقيدة الولاء للوطن، بدلا من الولاء للحاكم كما كان في عهد علي صالح، ومشكّل من أبناء كافة المناطق اليمنية، وذلك بدعم لوجستي ومادي من دول التحالف العربي. ورغم نجاح الحكومة في خلق جيش وطني متماسك العزم وقوي الإرادة والمعنويات وكثير العدد والعتاد، إلا أنه ظل يعاني من العديد من العوامل المؤثرة على أدائه، ومنها تعدد مصادر القرار العسكري، بالإضافة إلى ارتهان هذا القرار بيد قيادة التحالف العربي، ونشوء قوات محسوبة على الشرعية الحكومية مع أنها مناهضة لها، مثل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
وخلقت هذه العوامل خللا في ميزان القوى بين الجيش الحكومي وقوات الحوثيين، حيث تتمتع الأخيرة بوحدة القيادة والقرار، بالإضافة إلى استمرار الحوثيين في الحشد الشعبي والتجنيد الإجباري للأتباع والأطفال والزج بهم في جبهات القتال، وكذا كسب الوقت للقيام بعمليات التصنيع العسكري النوعي للصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بمساعدة خبراء عسكريين إيرانيين.
ولم تفلح تدخّلات قوات التحالف العربي باليمن، خلال العشر السنوات الماضية، في حسم المعركة لصالح الحكومة الشرعية، رغم الامكانيات العسكرية الهائلة والقوات الجوية الحديثة لدول التحالف التي تعد الأقوى في المنطقة، بل وتراجعت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة مع قيام الحوثيين بتوجيه ضربات قوية ومؤثرة ضد أهداف حيوية في عمق الأراضي السعودية عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
من جهتها قامت السعودية بالبحث عن مَخرج مقبول لها من الحرب في اليمن، عبر فتح قنوات خلفية للتفاوض مع الحوثيين، والذي أسفر عن التوصل إلى تفاوض مباشر مع جماعة الحوثي حول خريطة طريق لإغلاق ملف الحرب في اليمن، ولكن لا زالت حبيسة الأدراج ولم تر النور بعد، نظرا للتصعيد الحوثي ورفع سقف مطالبهم التعجيزية التي تجاوزت كل التوقعات، بما في ذلك المطالبة بالحفاظ على وضعهم الانقلابي، والاعتراف بحكومتهم في صنعاء وتمويل دول التحالف لعمليات إعادة إعمار ما دمّرته الحرب.

التدخل العسكري الأمريكي

وفي ظل عجز العمليات العسكرية للتحالف العربي عن تحقيق أهدافها المعلنة خلال العشر السنوات الماضية، وهي القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية إلى اليمن، استغلت جماعة الحوثي الأحداث المؤسفة في غزّة والتعاطف العربي والإسلامي الكبير معها، فدخلت على خط المواجهة مع إسرائيل، ليس بالضرورة لتحقيق ضربات موجعة ضد تل أبيب، ولكن لخلط الأوراق وكسب شعبية واسعة على الصعيد العربي والإسلامي، بعد أن كانت منبوذة محليا ونَكِرة خارجيا، وهو ما نجحت في تحقيقه وبالذات ما يتعلقق في تبييض جرائمها التي ارتكبتها في حق المدنيين اليمنيين، والتي تجاوزت عشرات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح ومعتقل.
وضاعف من شعبيتهم التدخّل الأمريكي المباشر في خط المواجهة مع الحوثيين منتصف الشهر الماضي، وبالذات مع عدم إحداث القصف الأمريكي للمواقع والأهداف الحوثية في العاصمة صنعاء والعديد من المناطق اليمنية أثرا واضحا على مفاصل القوة الحوثية على الأرض، ولم يتم الإعلان عن مقتل أي من القادة الحوثيين المستهدفين ولا عن تدمير مكامن القوة لديها، وهو ما يعطي انطباعا أوليا بأن القصف الجوي الأمريكي على الحوثيين عديم الجدوى ولم يكن سوى نسخة مكررة فاشلة من القصف الجوي لقوات التحالف العربي خلال السنوات العشر الماضية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزاة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» عن مقتل عدد من القيادات الحوثية، نفت جماعة الحوثي أن يكون بين ضحاياها قادة، لكن مصادر مطّلعة في صنعاء أشارت إلى احتمالية وقوع قتلى من القادة الحوثيين في هذه الغارات الأمريكية، وبالذات في ظل التكتّم الشديد الذي فرضه الحوثيون على هويات الضحايا والحضر الشامل لإعلانات التعازي وإقامة مراسم العزاء للضحايا.
ورغم التصعيد العسكري الأمريكي ضد الحوثيين وإدراجهم في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، إلا أن هدفهم المعلن في هذا التدخل لم يكن ضمن أجندة القضاء على الحوثيين، بقدر ما هو إجبارهم على وقف استهدافهم للسفن التجارية والبوارج العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر الذي يسيطر الحوثيون على مساحة واسعة من المناطق الساحلية المطلة عليه في محافظتي الحُديدة وحَجّة، غربي اليمن، وهو ما قد يُفضي – في نهاية المطاف – إلى عقد صفقة بين واشنطن وجماعة الحوثي يتم بموجبها وقف الحوثيين لعمليات استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر مقابل وقف الغارات الجوية الأمريكية على الأهداف الحوثية في اليمن.

تضارب مصالح

لم تقتصر تأثيرات الحرب في اليمن طوال العشر السنوات الماضية على المواجهات المسلحة فحسب، بل شملت كافة مناحي الحياة، وفي مقدمتها انهيار الوضع الاقتصادي والأمني وتعثّر الخدمات العامة كالخدمات الطبية والتعليمية والمواصلات، والتي جعلت من الحياة في اليمن جحيما، ودفعت بأغلبية الشعب إلى حافة الفقر وأجبرت الملايين منهم إلى النزوح محليا وإلى الهجرة خارجيا، بحثا عن الأمان وفرص العمل، في ظل انعدام الوظائف وانقطاع الرواتب عن الموظفين في القطاع العام وبالذات في مناطق سيطرة الحوثيين، وانهيار سعر العملة المحلية الريال إلى أدنى مستوى، وخصوصا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وكانت فترة العشر السنوات الماضية من تدخلات التحالف العربي في اليمن، كفيلة بإثبات عدم جديتهم في القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة الحكومة الشرعية إلى السلطة في البلاد، وتأكيدا على أن تدخلها عبر مظلة التحالف العربي لم يكن إلا لتحقيق أهداف وغايات أخرى خاصة بها، والتي بدأت ملامحها تتكشّف منذ الشهور الأولى لانطلاق العمليات العسكرية لقوات التحالف في اليمن عبر «عاصفة الحزم» التي انطلقت في 26 آذار/مارس 2015.
فبعد مرور شهور قليلة على انطلاق عمليات التحالف وتحقيق بعض المكاسب العسكرية ضد الحوثيين واستعادة محافظة عدن من قبضتهم وبعض المناطق الأخرى ووقف تمددهم في البلاد، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة بتأسيس مشروعها المستقبلي في اليمن عبر قوات محلية موالية لها في محافظة عدن والمحافظات الجنوبية، ممثلة بالقوات العسكرية المنضوية تحت لافتة المجلس الانتقالي الجنوبي، الواجهة السياسية لها، الذي يطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، وأصبحت هذه القوات تضاهي قوات الجيش الوطني وتعمل في الاتجاه النقيض، خاصة في المحافظات الجنوبية.
واستخدمت أبو ظبي هذه القوات – التي تعاظمت مع مرور الوقت – للسيطرة على المناطق والموانئ الحيوية في المحافظات الجنوبية، وبالذات ميناء الحاويات بمحافظة عدن، التي كانت المهدد الرئيس لميناء جبل علي في دبي، لقرب ميناء عدن من خط الملاحة الدولي بين الشرق والغرب. وتمدد نفوذ الإمارات في اليمن إلى ما هو أبعد من ذلك، بوصوله إلى مناطق نائية وبعيدة كل البُعد عن التهديدات الحوثية، حيث شهد العام 2018 قيام قوات إماراتية، وبمساعدة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالسيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية، في البحر العربي، واخضاعها للسيطرة الإماراتية بالكامل وطرد المسؤولين الحكوميين منها، بمن فيهم المحافظ وكبار المسؤولين، وأصبحت واقعا أشبه بإمارة تابعة لأبو ظبي، وإن بأياد محلية موالية لها، حيث خدمة الاتصالات فيها تابعة لشبكة الاتصالات الإماراتية، والدخول اليها من الأجانب يتطلب فيزا إماراتية.
أما القائد الرئيسي للتحالف العربي في اليمن، وهو السعودية، فلم تسع خلال العقد المنصرم إلى حسم المعركة لصالح أي من الأطراف، مما يبقي على وضع اليمن هشّا ومهترئا، بما يشبه وضع الرجل المريض، وهو ما يحدّ من إمكانية صعوده كدولة قوية ذات نفوذ عسكري وسياسي في شبه الجزيرة العربية، خاصة مع تميّز اليمن بموقع استراتيجي يطل على مضيق باب المندب، جنوبي البحر الأحمر، وتمتّعه بجغرافيا واسعة وتعداد سكاني كبير.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية