انتصار الثورة السورية بعد 13 عاماً من اندلاعها وتحرر الشعب السوري من الظلم والاستبداد والقهر، يُشكلُ تحولا استراتيجياً وجذرياً هائلاً في المنطقة العربية برمتها، فضلاً عن أن سوريا بدأت فصلاً جديداً في تاريخها، بعد أن نجحت في الإطاحة بالعائلة التي أذاقت البلاد والعباد سوء العذاب لعقود طويلة.
لا شك في أن الإطاحة بنظام بشار الأسد وانتصار الثورة ضد النظام، بعد كل هذه السنوات، يؤكد أن ثورات الربيع العربي لم تكن قد انتهت كما ظن البعضُ سابقاً، ولا شك في أن الثورات هي عبارة عن موجات متباينة، وثمة الكثير من الأمثلة في التاريخ البشري على الثورات التي استمرت لسنوات قبل أن تنتصر، وثمة أمثلة على شعوبٍ دفعت أثماناً باهظة، كما دفع السوريون من أجل أن تحصل على حريتها وتستعيد كرامتها وتتخلص من القهر والقمع والطغيان.
من المعروف أن الثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات عندما بدأت في عام 1789 وانتهت الى الانتصار في عام 1799، أما الثورة الأمريكية فاستمرت 18 عاماً حتى انتهت الى الانتصار في عام 1783، كما أن الثورة الجزائرية استمرت ثماني سنوات وانتهت بإعلان الاستقلال في الخامس من تموز/ يوليو 1962 وخلالها دفع الجزائريون أكثر من مليون ونصف مليون شهيد من خيرة أبناء البلاد حتى يصلوا إلى لحظة التحرر والخلاص. ثمة أمثلة كثيرة في التاريخ البشري على ثورات التغيير التي استغرقت مدداً طويلة، وها هي الثورة السورية تُضاف إلى هذا السجل المشرف والمشرق. ما حدث في سوريا يحمل الكثير من الدلالات وفيه الكثيرُ من الدروس والعبر التي ينبغي التوقف عندها:
الانتصار الكبير للشعب السوري، يؤكد أن موجة التغيير التي بدأت بثورات الربيع العربي في عام 2011 لم تنتهِ بعد، وأنَّ المنطقة العربية ما زالت تشهد الكثير من التحولات
أولاً: هذا الانتصار الكبير للشعب السوري، يؤكد أن موجة التغيير التي بدأت بثورات الربيع العربي في عام 2011 لم تنتهِ بعد، وأنَّ المنطقة العربية ما زالت تشهد الكثير من التحولات، بل ربما تكون المنطقة على موعد مع موجة ثانية من التغيير.
ثانياً: القمع والقهر والقوة والحصول على الدعم العسكري الأجنبي، لا يُمكن أن يكون ضمانة للبقاء في السلطة ولا الاستقرار، وهذا ما عبرت عنه كل من روسيا وإيران في تصريحات متباينة ومتفاوتة قالت فيها، إن الجيش السوري الموالي لنظام الأسد لم يقاوم المقاتلين المسلحين وفر أمام تقدمهم، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى فرار بشار الأسد ذاته من البلاد، أي أنهم قالوا بكل صراحة إنهم لا يستطيعون تقديم الدعم لنظام لا يحمل في نفسه مبررات البقاء والصمود، ولم يعد جيشه قادرا على الدفاع عن نفسه.
ثالثاً: إرادةُ الشعوب لا تُقهر وانتصار الشعوب هو سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير. وهذا درس بالغ الأهمية يتوجب على الأنظمة العربية التي لا تزال قائمة أن تتعلمه، وأن تتوقف عن القمع والقهر، لأن الضمانة الحقيقية لبقائها هو رضا الناس لا قهرهم وقمعهم، وهذا ما أجمع عليه أغلبُ فقهاء السياسة، ومن بينهم المفكر الفرنسي الشهير جان جاك روسو، الذي تحدث عن نظرية «الإرادة العامة» التي قال إن النظام السياسي – أي نظام سياسي – يستمد شرعيته منها، وهذه قد يتم التعبير عنها بالانتخابات أو بالاستفتاء أو بالرضا العام.
لكن الأهم من كل هذه الدلالات والإشارات هو أن القوى السياسية في سوريا أمام اختبار بالغ الأهمية اليوم، حيث عليها بناء دولة مدنية ديمقراطية حرة، تستوعب كل أبنائها بعيداً عن الطائفية والجهوية والمحاصصة، وبعيداً عن المغالبة والقهر، لأن مستقبلاً مشرقاً لسوريا سوف يعني بالضرورة صلاح المنطقة بأكملها، تماماً كما كان العنف والفوضى ينعكس سلباً خلال السنوات الماضية على المنطقة برمتها. خلال الفترة الماضية كان النظام السوري هو الملهم لكل الثورات المضادة في المنطقة، وكانت المجازر والفوضى في سوريا هي البعبع، الذي يتم استخدامها لإخافة شعوب المنطقة وترهيبها من أي تغيير، واليوم قد يكون التحرر والتحول السلمي والديمقراطي والحر في سوريا هو الملهم أيضاً لتحول إيجابي على مستوى المنطقة بأكملها. ولا شك في أن الحرية في بلد عظيم بحجم سوريا كانت تستحق الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون.
كاتب فلسطيني