الرئيس السنغالي ماكي سال
باريس-“القدس العربي”-:
انطلقت بالسنغال، الحملة الممهدة للانتخابات الرئاسية يوم 24 فبراير/شباط الجاري. حيث ستعيش البلاد على مدار ثلاثة أسابيع على وقع السجالات والمهرجانات الانتخابية، وذلك وسط غياب الأحزاب السياسية التقليدية الكبرى، لأول مرة منذ استقلال البلاد عام 1960.
يخوض السباق الرئاسي خمسة مترشحين، أغلبهم مستقلون: الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال و عثمان سونوكو ومتديكي نيانغ وإدريسا سيك والحاج عيسى سال؛ مقابل 14 مرشحاً في انتخابات عام 2012 و 15 مرشحا في انتخابات عام 2007. وهذه النقطة جعلت العديد من المراقبين والمختصين في الشأن السنغالي يعتبرون أن انتخابات فبراير2019، بمثابة تحول سياسي يتميز بغياب كامل للأحزاب التقليدية الكبرى. فهي، أول انتخابات رئاسية لا يشارك فيها الحزب الاشتراكي ( PS )، الذي نافس في جميع الاستحقاقات التي عرفتها السنغال منذ استقلالها، وكان حاكماً طيلة الفترة ما بين عامي 1960 و 2000؛ قبل أن ينضم إلى صفوف تحالفBenno Bokk Yakaar (بينو بوك ياكار) الذي قاده الرئيس الحالي والمرشح ماكي سال إلى السلطة عام 2012. وهو تحالف ٌ ظرفيٌ استمر على مدى السنوات السبع الأخيرة، وتميز بصراعات داخلية، أبرزها قضية العمدة السابق للعاصمة داكار خليفة سال الذي أدين بتهمة “اختلاس أموال عامة” و رفض المجلس الدستوري ترشحه للانتخابات الحالية.
يغيبُ عن اقتراع الرابع والعشرين فبراير/شباط الجاري كذلك، الحزب الديمقراطي (PDS) ( حزب ليبرالي ) بزعامة الرئيس السابق عبد الله واد، الذي ظل ينافس في الانتخابات منذ قيام التعددية السياسية في البلاد عام 1978، وانتهى به المطاف إلى الوصول إلى السلطة عام 2000، ليحكم البلاد حتى عام 2012.
يغيبُ أيضا عن هذه الاستحقاقات الرئاسية، تحالف قوى التقدم (AFP) بزعامة مصطفى نياس والجبهة الاشتراكية الديمقراطية بزعامة الشيخ بمب ديي – ابن مؤسس الحزب الشيخ عبد الله ديي- بعد أن شاركا في جميع الانتخابات منذ عام 2000.
أسباب عدم المشاركة تختلف من حزب لآخر: ففي حين فضل كل من الحزب الاشتراكي وتحالف قوى التقدم عدم خوض الانتخابات ؛ وجد الحزب الديمقراطي السنغالي نفسه مرغماً على عدم المُشاركة بعد أن رفض المجلس الدستوري ترشيح كريم واد ابن الرئيس السابق ورئيس الحزب عبد الله واد. وعليه، اختار الحزب عدم المُشاركة.
وكانت السنغال قد شهدت في الأشهر الأخيرة عدة مظاهرات احتجاجا على التغييرات التي حصلت على القانون الانتخابي والتي تم بموجبها فرض الحصول على توقيع ما لا يقل عن 0,8 % من الناخبين، أي ما يعادل 52 ألف ناخب في سبع ولايات من أجل ضمان خوض السباق الرئاسي. وهو إجراءٌ تقول السلطات إن الهدف منه هو تجنب “التضخم” في عدد المُترشحين في بلد يضم نحو 300 حزب سياسي. بينما ترى المعارضة أنه يهدف إلى اقصاء المرشحين البارزين المنافسين للرئيس الحالي ما كي سال.
كما أن قوناً جديداً فَرَض على الراغبين في خوض السباق الرئاسي التمتع بسجل جنائي نظيف؛ وهو ما اعتبر الكثير من المراقبين أن الهدف منه كان سد الطريق أمام كريم واد، الذي حُكم عليه في عام 2015 بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة’’ الثراء غير المشروع’’، قبل أن يتم العفو عنه من قبل الرئيس ما كي سال عام 2016 وسط ضغوطات شعبية و خارجية؛ و أيضا على خليفة سال عمدة داكار السابق الذي أدين بتهمة “اختلاس أموال عامة”.
لكنه، ورغم غياب حزبُ الرئيس السابق عبد الله واد عن هذه الانتخابات؛ إلا أنه تأثيره في المشهد السياسي حاضر بقوة. كما أن ثلاثة من المرشحين الحاليين كانوا أعضاء في هذا الحزب . فالمرشح ماديكي نيانغ، تم استبعاده من الحزب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد انخراطه بشكل منفرد في إجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية 2019 ، متجاهلاً اختيار الحزب كريم واد كمرشح وحيد.
كذلك، وكان كل من المرشحين الحاليين ماكي سال ( الرئيس المنتهية ولايته) وإدريسا سيك،من قيادات الحزب قبل أن يقررا الانفصال عنه ويشكل كل منهما الحزب الخاص به: حزب Rewmi لماكي سال – و التحالف من أجل الجمهورية لإدريسا سيك. ويعني ذلك أن الليبراليين يهيمنون على هذه الانتخابات.
وعلى عكس المرشحين الثلاثة المنحدرين من حزب الرئيس السابق عبد الله واد (ماكي سال وماديكي نيانغ وإدريسا سيك) ومن بين المرشحين يعتبر كل من عثمان سونوكو وإدريسا سال من الوجوه الجديدة على المشهد السياسي السنغالي، إذ ينافسان للمرة الأولى في اقتراع عام. فسونوكو، يتميزُ بخطابه الوطني الذي يتبنى القطيعة مع النظام الحاكم، ويبدو أنه يجلب السنغاليين بشكل متزايد.
بينما ينتهج منافسه إدريسا سال ( حزب الوحدة والتجمع) خطا مُغايراً يعتمد على الخطاب الديني في استقطاب الجمهور. فمع أن ظل الدين كان حاضرا في المشهد السياسي السنغالي، لكنها المرة الأولى التي يعلن فيها حزب سياسي عن انتمائه لطائفة دينية. فحزب الوحدة والتجمع، يرتبط بشكل قوي بما يعرف بالمسترشدين وهي إحدى فروع التيار الصوفي التجاني. وقد حل هذا الحزب رابعاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت عام 2017.
ويبلغ متوسط العمر خلال الانتخابات الحالية أقل من 60 سنة؛ إذ أن أغلب المرشحين ولدوا بعد استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960. ويرى مراقبون أن انضمام زعامات الطبقة السياسية القديمة لأطراف مستقلة في عهد الرئيس ماكي سال؛ يؤكد انتهاء مرحلة الإيديولوجيات في المشهد السياسي السنغالي،والتي تسارع اختفاؤها مع موجات الهجرة السياسية الأخيرة، خاصة نحو معسكر السلطة.