انطوان شلحت ممنوع من السفر

حجم الخط
0

انطوان شلحت ممنوع من السفر

امجد ناصرانطوان شلحت ممنوع من السفرمن المؤكد ان اسرائيل اكثر الدول ديمقراطية في الشرق الاوسط. والديمقراطية تعني، هنا، ببساطة: حرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر وتداول السلطة من خلال انتخابات شفافة، وهذا ما لا تدعي دولة في الشرق الاوسط منافستها فيه. ولكن هذه الديمقراطية الاسرائيلية، غربية الطراز والمعايير، ليست للجميع.فهي تكاد تكون محصورة بمواطني الدولة من الدرجة الاولي (اليهود، ومن الافضل ان يكونوا غربيين) وما يفيض عنهم يبلغ فتاته أولئك الذين اضطرت، لأسباب عديدة لا مجال لشرحها هنا، الي منحهم مواطنتها ، كالفلسطينيين، وحتي هؤلاء لا يستوون، بمكيالها الناقص، في كفّة واحدة. ولأن الدول، عادة، لا تسنُّ قانونين: واحدا لمواطني الدرجة الاولي وآخر لمواطني الدرجة الثانية او الثالثة (.. باستثناء بعض الدول الخليجية الذي يملك فعلا قانونا خاصا بـ المواطنين وآخر لـ الوافدين ) فقد بدا العربي، في المديح الغربي السابغ للديمقراطية الاسرائيلية، مساويا لليهودي في الحقوق والواجبات.طبعا، هذا ليس صحيحا، الا من زاوية الشكل. ففي الجوهر يكمن شيء آخر، وتاريخ فلسطينيي الـ48، منذ النكبة الي اعتقال الشيخ رائد صلاح، يؤكد ذلك.وآخر دليل علي ان الديمقراطية الاسرائيلية قد تدير وجها عرفيا للعرب الفلسطينيين الصامدين علي تراب ارضهم التاريخية لا يقلُّ عن العرفية الشهيرة في محيطها العربي، هو منع الكاتب والصحافي الفلسطيني انطوان شلحت من السفر الي الخارج.وانطوان شلحت، لمن لا يعرفه، هو احد ابرز الاصوات الثقافية بين فلسطينييّ الـ 48. انه ناقد ادبي رفيع الطراز، اسهم، علي نحو فعال، في تطور الحركة الادبية الفلسطينية المسيج عليها وراء أسوار العزل الاسرائيلية والعربية الرسمية، وقام، وهنا قد يكمن خطره علي النظام الاسرائيلي، ببناء جسر وطيد بين شقي الثقافة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة، وفلسطين المحتلة عام 1948 من جهة ثانية، وبين الاثنتين والثقافة العربية في العالم العربي والمهجر.ولأنطوان شلحت، غير هذا الدور الادبي المميز، دور لا يقل اهمية علي الصعيد السياسي والفكري، وذلك من خلال عمله الصحافي، خصوصا، في صحيفة الاتحاد الحيفاوية التي تدرّج فيها حتي اصبح، لفترة، رئيسا لتحريرها، قبل ان يغادر العمل النضالي الرسمي ليتفرغ الي الكتابة والبحث في مشروع، لعله الاهم، علي مستوي الداخل، في قراءة الخطابات السياسية الاسرائيلية وتفكيك الأنوية الثاوية في تلافيفها، يدعي مدار . ويخطر لي ان اوجه الخطر علي امن الدولة الذي دبّج شارون، بمداده الراعش، قرار المنع (بوصفه وزيرا للداخلية) إنما يمتح ذرائعه من هذا النشاط التفكيكي الذي يقوم به انطوان شلحت ورفاقه في مدار ، اكثر مما يتعلق بالذريعة العلنية المضحكة التي ارجعت قرار منعه من السفر للخارج الي اإتصاله بعناصر معادية لدولة اسرائيل .يصعب، بطبيعة الحال، فهم المعني الغامض لتعبير العناصر المعادية لاسرائيل في الخارج، فإن كان الامر يتعلق باللقاء مع مثقفين عرب يقيمون في الخارج والحوار معهم، كما فعل انطوان عندما جاء الي زيارتنا في لندن في آخر سفرة له خارج بلاده، فهذه فضيحة حقيقية للديمقراطية الاسرائيلية. فحتي الانظمة العرفية العربية لم تعد تعتبر اتصال مواطنيها بأبناء بلادهم المقيمين، او المعارضين، في الخارج تهمة تستوجب المنع من السفر. والامر لا يتعلق بأي خارج.فأنطوان شلحت، المثقف العلماني ذو الجذور الماركسية، لم يسافر الي افغانستان او باكستان أيام طالبان او القاعدة ، ولا الي الشيشان او البلقان للقاء المجاهدين العرب ، ولا حتي الي لبنان حيث يوجد حزب الله . ففلسطينيو الـ48 يحملون، كما هو معلوم، جوازات سفر اسرائيلية، لا تؤهلهم (ولكنها قد تؤهل اليهود الاسرائيليين) للسفر الي بلاد عربية لا تقيم علاقات مع اسرائيل. ولا اظن ان هناك في العالم العربي، اليوم، دولة واحدة تشكل خطرا علي اسرائيل بما في ذلك تلك التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية او تناصبها العداء في الاعلام فقط.فلماذا، اذن، يمُنع انطوان شلحت من مغادرة البلاد، بينما نري نوابا عربا في الكنيست الاسرائيلي يزورون دمشق مرة ولبنان مرة اخري، ناهيك بطبيعة الحال، عن سفرهم، الي عمان والقاهرة وبعض دول الخليج العربي من دون ان يتهموا بتشكيل خطر علي امن الدولة؟ہ ہ ہانطوان شلحت ليس عضوا في الكنيست ولا هو عضو في حركة سياسية فلسطينية يمكن ان ينقل رسائل سياسية من القيادة الاسرائيلية (او الاحزاب السياسية الكبري في اسرائيل) الي الدول العربية، التي لم تطبّع، بعد، علاقاتها باسرائيل.انه كاتب وباحث، ونشاطه، حسب علمنا، لا يتجاوز حدود الكلمة المكتوبة والمنشورة في الكتب والصحف، ويفترض، ان نشاطا كهذا مسموح به في اسرائيل.ولم نجد، انطوان وأنا، عندما تحدثنا، سريعا، علي الهاتف عن منعه، سببا معقولا لذلك سوي امتعاض القيادة السياسية الاسرائيلية من نشاطه الكتابي، والصلة التي يقيمها مع الجسم الثقافي العربي في الأوطان والمهاجر.شكليا، لا يستوجب نشاط كهذا منعا من السفر او تقييدا للحركة في القانون الاسرائيلي، فما هو السبب الفعلي الذي استند اليه هذا الاجراء التعسفي الذي لم يعد قابلا للتبرير في اعتي الانظمة العرفية العربية؟انطوان المتفاجئ بهذا القرار اكثر منا، لا يعرف السبب.وقد لا يعرفه.فقرارات كهذه تكون صادرة، اصلا، عن الأمن، والأمن لا يفصح عن اسبابه.لكن ما يدعو انطوان الي الاطمئنان، رغم انزعاجه من الاجراء، ان لا شيء امنيا في نشاطه، اللهم، الا اذا اعتبرنا العمل علي تفكيك السرديات السياسية الاسرائيلية حيال الذات و الآخر عملا خطرا يتسوجب المنع!0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية