هل سيستثمر الرئيس الأمريكي القادم في استقرار الشرق الأوسط أم ينسحب تاركاً المنطقة في مواجهة فراغ أمني؟

حجم الخط
3

لندن: مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبرز تساؤل رئيسي حول توجه السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وتحتاج المنطقة التي تعاني من تحديات أمنية وسياسية معقدة، إلى استثمارات دبلوماسية وجهود تنسيق دولية لضمان الاستقرار. وبينما يعد بعض المرشحين بالتركيز على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الشراكات والردع الدبلوماسي، يظل هناك قلق من احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من دورها التقليدي كضامن للأمن في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى فراغ سياسي وأمني يزيد من تعقيد الأوضاع.

وتقول الدكتورة سانام فاكيل، الباحثة السياسية ومديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إنه عندما يبدو الاستقرار في الشرق الأوسط بعيدا، فإن ذلك يسبب استياء شركاء الولايات المتحدة من تراجع إدارة الصراعات في المنطقة عن قائمة أولوياتها. ومع بلوغ حرب إسرائيل في غزة عامها الأول، وفتح جبهة جديدة في لبنان، وظهور تصعيد مباشر وشيك بين إسرائيل وإيران، يأمل الجميع أن يتبنى الرئيس الأمريكي المقبل دورا أكثر جرأة.

فاكيل: يتطلع القادة في المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط إلى من يتولى البيت الأبيض ليقوم بجهود أكبر لكبح إسرائيل، وتحقيق تقرير المصير، إن لم يكن عملية سلام، للفلسطينيين

وتُشير فاكيل إلى أنه بالتحديد يتطلع القادة في المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط إلى من يتولى البيت الأبيض ليقوم بجهود أكبر لكبح إسرائيل، وتحقيق تقرير المصير، إن لم يكن عملية سلام، للفلسطينيين، واحتواء الدور التدخلي لإيران وبرنامجها النووي.

وتقول فاكيل إن العام الماضي أظهر خطر تجاهل أو تهميش التحديات الإقليمية المتصاعدة والبارزة. وفي حين أنه من السذاجة توقع أن تعطي كامالا هاريس أو دونالد ترامب أولوية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط على قضايا مثل الهجرة أو الاقتصاد أو الحرب في أوكرانيا أو المنافسة مع الصين، أظهر العام الماضي خطر تجاهل أو تهميش هذه التحديات الإقليمية المتزايدة.

ولإحداث تأثير أكثر استدامة في المنطقة، يجب على هاريس أو ترامب أن يستعينا بدعم الشركاء الأوروبيين والبريطانيين وشرق الأوسطيين، والعمل بشكل جماعي لبناء عمليات متعددة الأطراف يمكن أن تؤسس لأسس أقوى للاستقرار الإقليمي.

وأدت اتفاقات أبراهام، التي أقامت علاقات طبيعية بين إسرائيل والإمارات والبحرين، إلى اعتقاد الكثيرين بأن حقبة جديدة من التكامل ممكنة في الشرق الأوسط. وبالنسبة للبعض، كانت هذه الاتفاقات أيضا دليلا على صحة قرار الولايات المتحدة بتقليص أولوياتها تجاه المنطقة، والذي بدأ خلال رئاسة باراك أوباما وانسحابه من “الحروب الأبدية” في العراق وأفغانستان. واستمر كل من الرئيسين ترامب وبايدن في هذا النهج، مشجعين شركاء أمريكا في الشرق الأوسط على تحمل مسؤولية أكبر تجاه الاستقرار الإقليمي. ومن الجدير بالذكر أن كليهما لم يجدد المفاوضات مع إيران، على الرغم من التزامهما بالتوصل لاتفاق أقوى مع طهران.

وتظهر سياسات ترامب وهاريس تجاه الصراع في المنطقة أيضا نواياهما المحدودة لتغيير المسار في الشرق الأوسط.

وترى فاكيل أن هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول بددت تلك الرؤية، وتجلى آثار قرار الولايات المتحدة بتقليص أولوياتها تجاه المنطقة بوضوح خلال الاثني عشر شهرا الماضية. وبينما قدمت إدارة بايدن دعما سياسيا وعسكريا كاملا لإسرائيل، ولا توجد حتى الآن حرب إقليمية مباشرة مع إيران، لم تنجح الولايات المتحدة في عدة مجالات، مثل تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار وتأمين الإفراج عن الرهائن والحفاظ على الإغاثة الإنسانية بشكل منتظم وإنتاج خطة عمل لما يسمى بـ”اليوم التالي”.

علاوة على ذلك، أظهرت الاتفاقية المؤقتة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تهدف إلى منع تسريع البرنامج النووي مقابل تخفيف بسيط للعقوبات، حدود تقسيم القضايا عندما يتعلق الأمر بإدارة مجموعة من الملفات مع طهران.

وتظهر سياسات ترامب وهاريس تجاه الصراع في المنطقة أيضا نواياهما المحدودة لتغيير المسار في الشرق الأوسط. ويدرك كلاهما أن السياسة في الشرق الأوسط، وخصوصا فيما يتعلق بقضية إسرائيل وفلسطين وإيران، أصبحت ساحة للألغام السياسية الحزبية في الولايات المتحدة قد تنفر الناخبين. وعلى الرغم من خططهما المختلفة، حيث يميل ترامب إلى أن يكون أكثر أحادية، فإنهما سيستمران في الاتجاه المتمثل في تقليص إدارة الصراعات لصالح زيادة تحمل المسؤولية من قبل الدول في المنطقة.

الباحثة: لم تنجح الولايات المتحدة في عدة مجالات، مثل تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار وتأمين الإفراج عن الرهائن والحفاظ على الإغاثة الإنسانية

ووعد ترامب باتخاذ نهج أكثر صرامة يهدف إلى تقليص النزاعات وتعزيز المصالح الأمريكية. وفيما يتعلق بإيران، أوضح ترامب أنه سيعود إلى سياسة الضغط الأقصى على الجمهورية الإسلامية، ربما للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو لتقييد إيران أكثر. وقد قاد إدارته عندما كان رئيسا إلى الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة أيضا باسم الاتفاق النووي الإيراني. وأكد ترامب أن هذا النهج وضع ضغوطا اقتصادية على إيران وقلل من قدرتها على تمويل الجماعات التي تعمل بالوكالة عنها.

وأشار مستشاروه أيضا إلى أنهم سيمددون حملة الضغط القصوى ويوفرون الدعم الكامل للمعارضة الإيرانية والنشطاء. ومع ذلك، من دون أهداف واضحة أو استعداد للتفاوض مع طهران لاحتواء المزيد من التطورات النووية، قد تكون النتيجة جولة جديدة من عدم الاستقرار.

وقد أشار ترامب إلى أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، سوف ينهي الحرب في غزة فورا، لكن كيفية القيام بذلك لا تزال غير واضحة. وعلى نطاق أوسع، من المرجح أن يضاعف الجهود لتعزيز اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ويحاول تجاوز القيادة الفلسطينية، مع التركيز على التطبيع الإقليمي الأوسع نطاقا.

وقد يرحب العديد من قادة الشرق الأوسط، بمن فيهم أولئك من شبه الجزيرة العربية، بعودة رئاسة ترامب، لكن سياسة “أمريكا أولا” التي انتهجها ترامب لم توفر لقادة الخليج العربي، خاصة الرياض، الحماية من هجوم إيران على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/ أيلول 2019.

ووعد ترامب أيضا، دون نجاح، بتقديم اتفاق أكبر وأفضل مع إيران من شأنه أن يمدد الاتفاق النووي ويتضمن تنازلات بشأن دعم طهران للجماعات التي تعمل بالوكالة عنها، وفرض قيود على برنامجها الصاروخي. وبدلا من فرض استراتيجيته السابقة، ستكون رئاسة ترامب الثانية أكثر فاعلية إذا عملت بشكل تعاوني مع الشركاء عبر الأطلسي والإقليميين في القضايا الأمنية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وإيران.

وعلى الرغم من خطابها المتشدد مؤخرا تجاه إيران، من المتوقع أن تعزز هاريس الجهود الدبلوماسية الحالية لتهدئة وإدارة التوترات مع طهران، بدلا من الدعوة إلى “الضغط الأقصى”.

ومن المرجح أن تبني هاريس على الجهود الرامية إلى إحياء نموذج جديد يمكنه احتواء البرنامج النووي الإيراني. ومن المتوقع أن تؤكد على استراتيجية تجمع بين الانخراط والضغط لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، مع مواجهة أنشطتها الإقليمية.

يدرك ترامب وهاريس أن السياسة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية إسرائيل وفلسطين وإيران، أصبحت ساحة للألغام السياسية الحزبية في الولايات المتحدة قد تنفر الناخبين

والآن بعد أن قدمت إيران صواريخ وطائرات مسيرة إلى روسيا، من الواضح أن نقل طهران للمساعدات الفتاكة يتطلب استجابة عاجلة تتجاوز الاعتماد المستمر على العقوبات. وسيكون من الحكمة أن يسعى فريق هاريس إلى عملية تفاوض متعددة الأطراف تجمع بين أوروبا والمملكة المتحدة، اللتين تناقشان هذه القضايا بالفعل، للتواصل مع طهران بشأن اتفاق أوسع نطاقا. علاوة على ذلك، فإن كسب دعم إسرائيل ودول الخليج يعد شرطا ضروريا لبناء اتفاق إيراني أكثر استدامة.

وفيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، دافعت هاريس بشدة عن أمن إسرائيل، لكنها حاولت اتخاذ موقف أكثر توازنا مقارنة بترامب وبايدن، من خلال دعم أمن إسرائيل والدعوة إلى مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين نحو حل الدولتين. وعلى عكس بايدن، شددت هاريس بقوة على القضايا الإنسانية في غزة والضفة الغربية وأدانت الإجراءات الأحادية التي تقوض عملية السلام، مثل توسيع المستوطنات.

وخلصت فاكيل إلى أنه يجب على كلا المرشحين الرئاسيين أن يدركا أن الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مزيج من الردع والدبلوماسية والانخراط متعدد الأطراف وإعطاء الأولوية للشراكات. وقد أصبح من الواضح خلال العام الماضي أن أمريكا بمفردها غير قادرة على حل النزاعات أو تقديم حلول.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    بل سيستمرون في محاولة تركيع الشرق الأوسط التعيس يا بئيس من أجل سرقة النفط والغاز بلا ألغاز 🇵🇸🇱🇧🇮🇷💪🚀🐒🔥

  2. يقول حمد:

    قال جون بولتون، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة مقتل يحيى السنوار في رفح يبرر قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجاهل إملاءات الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طالما طالب إسرائيل وحذرها من دخول المنطقة على النقيض من النجاحات الاستخباراتية البارعة التي حققتها إسرائيل مؤخراً، كان الحظ إلى جانب الوجود العسكري المستمر في غزة هو الذي أدى إلى القضاء على يحيى السنوار.

  3. يقول Samir:

    لا يملك كلا المرشحين هاريس أو ترامب خططًا واضحة بالنسبة لمشاكل الشرق الأوسط، فجميع الإدارات الامريكية المتعاقبة سواءً كانت ديموقراطية أو جمهورية كانت تعتمد على إسرائيل في فهم قضايا الشرق الأوسط و كيفية التعامل معها، و كذلك كانت تفوض إسرائيل في تحديد متطلبات أمنها القومي و وسائل تحقيقها، بينما يقتصر دور الولايات المتحدة على تقديم الدعم المطلق و المساعدة في كل شيءٍ تحتاجه إسرائيل.

اشترك في قائمتنا البريدية