باكستان ترى في حرب إيران-إسرائيل ضربا لتحالف محتمل بين الدول الإسلامية ذات القدرة العلمية العسكرية

حسين مجدوبي
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: في أعقاب الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران، كانت مواقف كل من تركيا وباكستان، وخاصة الأخيرة الأكثر تنديدا وتشددا مع الكيان. ويمكن تفسير هذا بوعي البلدين بأن من ضمن أهداف الحرب الجديدة علاوة على ضرب المشروع النووي الإيراني، رغبة الغرب عبر إسرائيل تكسير وتعطيل بناء ما يسمى المحور الثلاثي «تركيا-إيران-باكستان» القادر على خلق واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط في حال تطوره. وتخشى إسلام آباد أن تصبح فريسة سهلة بين إسرائيل والهند في حال سقوط النظام الإيراني الحالي وتولي السلطة نظام آخر موال للغرب.

وعليه، يبقى موقف باكستان لافتا للانتباه وسط الدول الإسلامية، ويخرج من دائرة السياسي والدبلوماسي إلى العسكري بحكم أن وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، هو الذي أدلى بتصريحات مهمة حول موقف بلاده من الحرب الدائرة بين إيران والكيان أمام نواب البرلمان. ووصف ما قامت به إسرائيل بأنه تهديد لكل من الأمن الإقليمي والدولي، مؤكدا أنه يضر بالأمن القومي الباكستاني. واستعمل خطابا شديدا ضد إسرائيل، حيث وصفها بأنها «دولة مارقة» تمتلك قدرات نووية غير خاضعة للرقابة، ما يشكل خطرًا على السلام العالمي. وبرأ بلاده من استعمال السلاح النووي كسلاح للتهديد، قائلا بالتزام باكستان بجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأسلحة النووية، مشددًا على أن الترسانة النووية الباكستانية مخصصة فقط للدفاع عن البلاد وحماية شعبها. كما حذّر من أن الدعم الغربي المستمر لإسرائيل قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على المنطقة والعالم.
وانتقل إلى مستوى آخر من الدعم وهو وقوف بلاده إلى جانب طهران، مشددا على أن ذلك سيتم بكل الوسائل الممكنة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. ولم يكتف فقط بهذا، بل دعا الدول الإسلامية إلى التكاتف وقطع العلاقات مع إسرائيل ردًا على هجماتها.
وما يثير الانتباه في خضم هذه التطورات هو الاستقبال غير المعتاد الذي خصّ به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رئيسَ أركان الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، في البيت الأبيض، يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري بدون حضور دبلوماسيين. ويُعدّ هذا الحدث لافتًا بحكم أن البروتوكول الأمريكي يقتصر عادة على استقبال الملوك والرؤساء وبعض الأمناء العامين للمنظمات الدولية الكبرى، مثل الأمم المتحدة. ويُفهم من هذا الاستقبال أن واشنطن تسعى بوضوح إلى ضمان حياد باكستان وبُعدها عن النزاع المتصاعد بين إيران وإسرائيل. وكتبت الجريدة الباكستانية «DAWN « الجمعة من الأسبوع الجاري أن عاصم منير دافع عن إيران في اللقاء. ويبدو أن ترامب أراد إقناع باكستان بالبقاء بعيدا عن دعم إيران في حالة تفاقم الأوضاع. تُعدّ الحرب الإسرائيلية المدعومة بشكل كبير من الغرب ضد إيران تهديدًا حقيقيًا لمصالح باكستان على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ويرى عدد من الخبراء الباكستانيين في مجالي العلاقات الدولية والعسكرية أن بلادهم قد تجد نفسها الضحية التالية في حال تطورت هذه المواجهة. ويمكن تلخيص المخاوف الجيوسياسية لباكستان في نقطتين أساسيتين:

أولاً: الخوف من سقوط نظام إيران

تخشى باكستان من انهيار النظام الإيراني في ظل الحرب الجارية، إذ لدى الغرب وإسرائيل سوابق في إسقاط الأنظمة في المنطقة واضحة، بدءًا من العراق في مطلع القرن الحالي، مرورًا بسوريا التي شهدت نهاية نظامها العام الماضي. وإذا ما سقط النظام الإسلامي في طهران، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى كبيرة في دولة تربطها مع باكستان حدود تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، ويقطنها ما يقرب من 20 في المئة من الشيعة، ما قد ينعكس مباشرة على الأمن الداخلي الباكستاني. وفي هذا السياق، يُتوقع أن تتحول إيران ما بعد النظام إلى مصدر اضطرابات مزمنة في الإقليم، بما يشمل التهديدات العسكرية. ومن المرجّح أن تستغل قوى مثل الغرب والهند وإسرائيل هذا الوضع لدعم تغييرات سياسية في باكستان، وصولًا إلى فرض نظام مناهض للتحالف الصيني-الباكستاني. وتُدرك باكستان تمامًا أن الغرب لا يغفر لها امتلاكها للسلاح النووي، الذي جعل منها أول قوة نووية إسلامية، الأمر الذي غيّر بشكل نسبي من موازين القوى في آسيا. فكل دولة نووية تفرض واقعًا جيوسياسيًا جديدًا؛ سواء عبر تعطيل مشاريع دولية أو فرض أجندات مضادة. ومن هذا المنطلق، تخشى إسلام آباد أن تكون هدفًا لسياسات احتواء أو تفكيك في المستقبل القريب. كما يُسجَّل وجود تنسيق وثيق بين الهند وإسرائيل ضد باكستان، حيث دعم الكيان الإسرائيلي الهند خلال الحرب الأخيرة التي اندلعت بين البلدين في الشهر الماضي، إضافة إلى مواقفه السابقة الداعمة للهند في النزاعات الماضية. وعلى النقيض من ذلك، لطالما وقفت إيران إلى جانب باكستان في تلك الصراعات، ما يعزز أهمية العلاقات الباكستانية-الإيرانية في موازنة النفوذ الإقليمي.

ثانيا: الحلف الثلاثي

تعتبر باكستان محركا لعلاقات التعاون العسكري التي شملت في البدء تركيا، حيث يجري تنسيق متين بين البلدين في تطوير أسلحة مشتركة ومنها طائرة مقاتلة مستقبلا. وبدأت باكستان تدمج إيران تدريجيا في هذه السياسة التصنيعية الحربية حيث تم خلال كانون الثاني/يناير الماضي اجتماعات انتهت بالاتفاق على توسيع التعاون العسكري بين طهران وإسلام آباد. ويأتي هذا التعاون، أو هذه الاتفاقيات على المستوى الثلاثي مع تنسيق باكستان له، لتعكس بوضوح المخاوف الغربية المتزايدة من احتمال تشكُّل وحدة في مجال الصناعة العسكرية بين الدول العربية والإسلامية. فقد نبّهت تقارير استخباراتية ودراسات صادرة عن مراكز التفكير الاستراتيجي، منذ سنوات إلى السيناريو الصعب الذي قد يواجهه الغرب في حال نشأ تعاون فعّال بين تركيا وباكستان، وامتد لاحقًا ليشمل إيران في مجال التصنيع العسكري. تملك هذه الدول الثلاث رصيدًا بشريًا وعلميًا كبيرًا؛ إذ تزخر بعلماء متميزين في مجالات الرياضيات والفيزياء والكيمياء والمعلوماتية، ما يمنحها إمكانيات واقعية لتحقيق نجاح كبير في أي مشروع عسكري مشترك. وإلى جانب كثافتها السكانية العالية، فإن جامعاتها تُخرّج آلاف الكفاءات العلمية النوعية سنويًا، ما يعزز قدرتها الذاتية على التطور الصناعي والعسكري. ولذلك، لم يكن من باب الصدفة أن يسعى الغرب باستمرار إلى استقطاب أو حتى اغتيال بعض هؤلاء العلماء المسلمين، خاصة أولئك الذين برزوا في الصناعات الدفاعية. وخلال الحرب الحالية، قامت إسرائيل باغتيال عدد من علماء الذرة. ويزداد القلق الغربي بدرجة أكبر بسبب رغبة إذا ما دخلت الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، على خط هذا المشروع عبر التمويل، ما سيمنح الصناعة العسكرية الإسلامية بُعدًا استراتيجيًا إضافيًا. ويتجلى هذا القلق في مواقف الغرب تجاه الدور الذي تلعبه الأسلحة التركية والإيرانية، لا سيما المسيّرات والصواريخ، في حرب أوكرانيا. فقد شكّلت هذه المشاركة سابقة في تاريخ الحروب الحديثة، حيث بات السلاح القادم من الجنوب يلعب دورًا مؤثرًا، خلافًا لما اعتاده العالم من هيمنة السلاح القادم من الشمال.
وذهبت تحاليل الصحافة الباكستانية مثل Dawn وThe Express TribunDawn وThe Express Tribune إلى بلورة ما يمكن اعتباره الموقف الرسمي غير المعلن عنه وهو أن الهدف البعيد من هذه الحرب الجديدة ليس فقط البرنامج النووي الإيراني بل تفكيك أي تحالف محتمل بين الدول الإسلامية ذات القدرة العلمية والعسكرية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية