أحد الأهداف الرئيسية للإرهاب في أرجاء العالم هو المس بروتين حياة المواطنين واقتصاد الدولة التي تتم مهاجمتها. ولكن رغم جولات القتال الكثيرة مع حماس في قطاع غزة، فإن أحداثاً أمنية بارزة لم تحدث أي ضرر لاقتصاد إسرائيل منذ الانتفاضة الثانية. هذا وضع يتغير الآن، في حرب “السيوف الحديدية” عقب قوة الحرب والنطاق الواسع لتجنيد الاحتياط واستمرار الحرب لأكثر من شهرين. في موازاة الجبهات التي تنشط بقوة متغيرة، فإن جبهة الاقتصاد نشطة جدًا على صعيدين: الأول تمويل الحرب نفسها؛ وهذا الجانب يتعامل بالأساس مع تمويل التسلح وتجنيد الاحتياط. والصعيد الثاني هو تكلفة الحرب غير المباشرة، التي تشمل التكلفة المتوقعة عقب الحاجة إلى إعادة إعمار النقب الغربي وإخلاء السكان من بيوتهم، ومن البلدات القريبة من الحدود مع لبنان، إلى جانب انخفاض عام في الاستهلاك نتيجة تغيير سلوك الاستهلاك في فترة الحرب، الذي يضر بالقطاع التجاري بشكل خاص.
يجب عرض صورة الوضع عشية الحرب لفحص جبهة الاقتصاد. رغم الهزة التي تعرض لها الاقتصاد في إسرائيل منذ الإعلان عن “الإصلاح القضائي” في كانون الثاني 2023، عشية الحرب، كان اقتصاد إسرائيل في وضع جيد جداً حسب المقاييس المقبولة لفحص وضع الماكرو الاقتصادي للدول. نسبة الدين – الإنتاج انخفضت في 2022 بـ 7.1 في المئة ووصلت تقريباً إلى 61 في المئة، وهي النسبة قبل وباء كورونا؛ نسبة البطالة بلغت 3.5 في المئة فقط؛ والتضخم انخفض إلى 3.8 في المئة؛ وفائض العملة الصعبة في بنك إسرائيل بلغ أكثر من 200 مليار دولار. إن الانخفاض الكبير في الاستثمارات الأجنبية، في الهايتيك، في الأرباع الثلاثة الأولى للسنة ساهم في خفض سعر الشيكل، وسعر الدولار بلغ 3.85 شواكل. رغم ذلك، كانت توقعات النمو في 2023 جيدة نسبياً مقارنة مع الدول المتقدمة، 3 في المئة، التي تساوي 1 في المئة في معدل النمو للفرد.
رغم نقطة الانطلاق الجيدة هذه، تعد حرب “السيوف الحديدية” هزة للاقتصاد الكلي، سيكون لها تأثير في السنوات القادمة. هذا التأثير يتوقع حال استمر القتال في جبهة واحدة بقوة مرتفعة، وذلك لعدة أسباب منها:
1- استخدام الذخيرة لتحقيق أهداف الحرب، حيث يستخدم الجيش الإسرائيلي حجم نيران أعلى من أي وقت مضى، الأمر الذي يحتاج إلى كمية كبيرة من السلاح. قوة الحرب أيضاً تقتضي استخدام المعترضات (القبة الحديدية بالأساس)، وصاروخ “حيتس 3”. حتى بداية كانون الأول، كان هناك 11 ألف عملية إطلاق على إسرائيل من كل الجبهات.
2- تجنيد 350 ألف جندي احتياط يخفض 7 في المئة من قوة العمل في الاقتصاد. هذا التأثير مزدوج في الواقع. فقوة العمل أيضاً يصعب استبدالها في أماكن العمل، وكذلك المدفوعات التي يجب على الدولة تحويلها لجنود الاحتياط.
3- إخلاء 125 ألف شخص يقتضي دعم السكن وتكلفة معيشة المخلين.
4- تعويضات للسكان الذين تضررت ممتلكاتهم بسبب إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
5- مساعدات مالية للعمال والمصالح التجارية التي تضررت بسبب الحرب، بدءاً ببدل البطالة وحتى التعويض بسبب فقدان الدخل نتيجة الحرب.
6- انخفاض مداخيل الدولة، سواء بسبب المداخيل المتدنية أكثر من ضريبة الدخل أو عقب وقف الاستثمارات الخارجية المباشرة.
عملياً، الهزة في الاقتصاد الكلي تنعكس في المس بجانب الطلب، وفي جانب العرض أيضاً. أما في جانب الطلب فإن بيانات استخدام بطاقات الائتمان تظهر انخفاضاً في مستويات متغيرة في كل أرجاء البلاد. مثلاً، في المدن التي تم إخلاؤها مثل “كريات شمونة” أو “سديروت” فإن استخدام بطاقات الائتمان في الأسبوع الأول في تشرين الثاني انخفض 80 في المئة، في حين أنه انخفض 20 في المئة في مدن مثل تل أبيب ورعنانا. وانعكس التغيير أيضاً على فروع مختلفة؛ مثلا ًفي الأسابيع الأولى للحرب سجل ارتفاع حاد بلغ 40 في المئة على تكلفة شبكات الغذاء، فرع الترفيه والتسلية بصعوبة وجد. في جانب العرض، سجلت صعوبة في إنتاج سلع وخدمات مختلفة، حيث إن الكثير من العمال في الاحتياط، والكثير من العمال الأجانب غادروا البلاد، إضافة إلى ذلك لا توجد تصاريح دخول إلى إسرائيل لآلاف العمال الفلسطينيين من “يهودا والسامرة”. كل ذلك تسبب بصعوبة في توفير السلع، التي تفاقمت بسبب صعوبة الاستيراد عقب الإشكالية في استيراد البضائع عبر البحر نتيجة تهديدات الحوثيين.
نتيجة لذلك يُقدر أن يكون هناك تقليص في الإنتاج يبلغ 10 في المئة في الربع الأخير من العام، وانخفاض النمو السنوي إلى 2 في المئة في 2023 (هذا يعني نمواً صفرياً بمفاهيم الإنتاج للفرد). ربما يؤدي الإنفاق العام المتزايد إلى حجم يفوق 5 في المئة في ميزانية الحكومة، وزيادة نسبة الدين – الإنتاج المتوقعة لتصل إلى 64 في المئة في نهاية 2023. بالتالي، التقدير الأولي لسنة حرب بهذه القوة، التي تجري الآن في الجبهات المختلفة والتي تأخذ في الحسبان نفقات الأمن، هو انخفاض مداخيل الدولة. والتعويضات وإعادة الإعمار ستكون حوالي 200 مليار شيكل. المساعدة لمرة واحدة من الولايات المتحدة بمبلغ 14 مليار دولار ربما تساعد إسرائيل في مواجهة الكلفة المرتفعة للحرب والنفقات الأمنية التي سترتفع كثيراً في السنوات القريبة القادمة، لكنها ستغطي حوالي رفع التكلفة الإجمالية فقط.
رغم هذه البيانات الكئيبة، فإن بيانات استخدام بطاقات الائتمان الموجودة في منحى ارتفاع منذ الأسبوع السادس للحرب، ومؤشرات البورصة المختلفة وسعر الدولار لا تنخفض بشكل حاد كما حدث في الأسبوع الأول للحرب. مؤشر تل أبيب 125 عاد إلى المستوى الذي كان عليه قبل بداية الحرب (3.6، بيع بمستوى أقل مما بيع عشية الحرب). ثمة عاملان منعا المس أكثر بالبورصة المحلية وسعر العملة: الأول نضج الجمهور الإسرائيلي؛ فأكثر من ربع صناديق الائتمان تم استرجاعه في الشهر الأول لأزمة كورونا. كثيرون تعلموا من ذلك، ولم يسارعوا إلى الاسترجاع، رغم خطورة الوضع. الثاني هو تدخل كبير لبنك إسرائيل في سوق العملة الأجنبية، الذي من البداية بث الأمل في الجمهور. محافظ البنك، البروفيسور امير يارون، أعلن بأن البنك سيخصص 30 مليار دولار للمساعدة على استقرار العملة. عملياً، هو استعان حتى الآن بأقل من 10 مليارات، لكن تصريحه هذا كان له تأثير كبير. أيضاً الـ سي.دي.اس، بوليصة التأمين ضد عدم تسديد إسرائيل، انخفضت من 143 نقطة في بداية الحرب إلى 110 نقطة، الأمر الذي يشير إلى اعتدال نسبي.
الميزانية الجديدة للعام 2023، التي تتم مناقشتها الآن في الكنيست، تبلغ 510 مليارات شيكل، وتجسد ارتفاعاً يبلغ 30 مليار شيكل مقابل اقتراح الميزانية السابق. هناك أموال مخصصة لنفقات الحرب العسكرية، وضمنها الدفع عن أيام الاحتياط ونفقات حرب مدنية بما في ذلك إسكان المخلين. لا خلاف حول الحاجة إلى زيادة النفقات، لأنه إلى جانب نفقات الحرب الجارية، يجب على الدولة إعطاء تعويض مناسب لكل المتضررين من الحرب. الحديث يدور عن عامل أكثر أهمية من مناعة المجتمع الإسرائيلي. مع ذلك، يبدو أن العامل الرئيسي لتمويل النفقات المتزايدة بالنسبة للحكومة الحالية هو تجنيد دين، الأمر الذي سيزيد العجز في السنوات القريبة القادمة، بالتأكيد عقب دفع الفائدة المرتفعة حول معدل الفائدة الحالية. إضافة إلى ذلك، ليس لدى الحكومة استعداد لاتخاذ قرارات صعبة، التي تعني خفض الميزانيات القطاعية على أنواعها وتقليص الوزارات الزائدة وتخصيص هذه الأموال للجهود الحربية. بالطبع، تخصيص هذه الأموال لا يمكن أن يوفر كل الأموال المطلوبة، لكن هذه الخطوات المطلوبة ستظهر انضباطاً مالياً مهماً جداً لإسرائيل لاعتبارات داخلية، لا سيما اعتبارات خارجية، أمام شركات التصنيف الائتماني.
في الفترة الحالية، حيث شركات التصنيف الائتماني الكبيرة، موديس وبيتش وستاندرد آند بوريس، وضعت التصنيف الائتماني لإسرائيل في تتبع سلبي، يجب إظهار مسؤولية ميزانية. لذا، إذا رأت هذه الشركات أنه لا يوجد تقليصات مهمة تناسب الوقت الحالي، وبدلاً من ذلك يوجد تخصيصات مالية غير معقولة تبث بأن “الأمور كالعادة” في الوقت الذي فيه الاعتبارات الائتلافية تتغلب على الاعتبارات القومية، فسيهبط تصنيفنا الائتماني. هذا التطور قد يضر باقتصاد إسرائيل بشكل سيؤثر أيضاً على الجهود الحربية. سيشعر الجمهور الإسرائيلي بذلك، وقد يتضرر دعمه لاستمرار الحرب. إضافة إلى ذلك، مثلما في فترة الانتفاضة الثانية، تقتضي الجهود الحربية قرارات صعبة وتقليصات مؤلمة مثل التي أجراها بنيامين نتنياهو عندما كان وزيراً للمالية. لذلك، سيكسب اقتصاد إسرائيل والحرب نفسها إذا اتُخذت هذه القرارات الآن وليس بثمن أعلى بكثير في 2024.
بنظرة بعيدة المدى على الاقتصاد، سنرى في المستقبل مزيجاً من بيئة أمنية مليئة بالتحديات وزيادة في النفقات الأمنية والإضرار بالاستهلاك الخاص وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كل ذلك قد يكون إشارة على عقد اقتصادي ضائع كما حدث على الفور بعد حرب يوم الغفران حتى خطة تحقيق الاستقرار في العام 1985. من أجل تجنب هذا السيناريو السلبي، على الحكومة التحرك بمسؤولية وفي أسرع وقت لتجنبه – الحد من الأضرار المستقبلية على اقتصاد إسرائيل. بكلمات أخرى، على الصعيد الاستراتيجي دولة إسرائيل تفاجأت في 7 أكتوبر كما تفاجأت قبل خمسين سنة في حرب يوم الغفران. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن اتخاذ خطوات اقتصادية صحيحة الآن ستجنبنا عقداً اقتصادياً ضائعاً مثلما حدث بعد حرب يوم الغفران.
تومر فدلون وستيفن كلور
نظرة عليا 26/12/2023
إلى الهاوية والسقوط السريع لدويلة العنكبوت التي بأذرع الأخطبوط 🇵🇸✌️🔥🚀🔥
ههه الاقتصاد الامريكي يصرف بسخاء على إسرائيل منذ نشأتها، ما قيمته 14 مليار دولار اميركي في كل شهر لمساعدة إسرائيل، الاقتصاد الاميركي يوفر 23 ترليون دولار سنويا ما يُقدم لاسرائيل ربع ترليون بالمحصلة التخدير الاعلامي لتكلفة الحرب هو للاستهلاك الاعلامي العربي
صحيح جدا جدا ✅