غالبية دول الغرب أرسلت سفنا حربية إلى منطقة الشرق الأوسط، سواء شرق البحر المتوسط أو البحر الأحمر، بما فيها الدول التي لديها موقف مشرف من القضية الفلسطينية.
لندن ـ «القدس العربي»: صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن باستعداد جيش بلاده الدفاع عن الكيان الإسرائيلي في أي مواجهات عسكرية. وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار تواجد عشرات السفن الحربية الغربية شرق المتوسط والبحر الأحمر، فهذا يعني أن الحلف الأطلسي «الناتو» برمته، باستثناء تركيا، قد بدأ يتورط في الحرب ضد الفلسطينيين.
المنعطفات الثلاثة لطوفان الأقصى
وعمليا، تسجل حرب قطاع غزة أو حرب طوفان الأقصى المنعطف الرابع والخطير الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية بطابع دولي. وعلاقة بهذا، كانت المرحلة الأولى من النزاع هي قيام المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر 2023 بشن هجوم كبير على المستوطنات وداخل الكيان الإسرائيلي، وجاء الرد الإسرائيلي على شكل حرب تقترب من مفهوم حرب الإبادة وحرب القرون الوسطى. هذا المنعطف ترتب عنه إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية، وبشكل أثار توترا ثقافيا ودينيا وحضاريا بين العالم الإسلامي المؤيد للقضية الفلسطينية وحكومات الغرب التي انخرطت في دعم الكيان وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.
وجاء المنعطف الثاني خلال منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما بدأ الحوثيون يعترضون السفن المتوجهة إلى إسرائيل، ثم امتد الاعتراض على غالبية السفن الغربية بما فيها قصف السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة بالأساس. كما بدأ الحوثيون في ضرب مناطق من الكيان مثل إيلات. هذا المعطى كشف كيف صارت أطراف ثالثة لا تجمعها حدود مع فلسطين تساهم في الحرب ضد الكيان. في الوقت ذاته، كشف هذا التطور عن تغيير في الملاحة الدولية لأن عددا من السفن لم تعد تجرأ على الاقتراب من باب المندب والبحر الأحمر، وتفضل الإبحار عبر جنوب أفريقيا.
ويتجلى المنعطف الثالث في قيام إيران ليلة 13 وفجر 14 نيسان/أبريل 2024 بشن هجوم على إسرائيل، وكان الأول من نوعه كمواجهة مباشرة بين طهران والكيان. وهذا الهجوم يشكل معطى جديدا في الشرق الأوسط بحكم أن المواجهة بين الطرفين أصبحت واردة في أي وقت، لاسيما بعد إقدام إسرائيل على اغتيال زعيم حركة حماس اسماعيل هنية خلال الأسبوع الجاري بعد حضوره مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
المنعطف الرابع والأخطر
ويبقى المنعطف الرابع هو المترتب عن الثالث والمرتبط به، أي مقتل اسماعيل هنية، ذلك أن عملية الاغتيال في العاصمة طهران هي مثلها مثل ضرب التمثيلية الدبلوماسية الإيرانية في دمشق، سيليها رد إيران وربما من طرف حزب الله كذلك. ويتجلى المنعطف الرابع في الإعلان الأمريكي الصريح سواء من طرف البيت الأبيض أو البنتاغون باستعداد الولايات المتحدة الدفاع عن أمن إسرائيل.
وهكذا، أكد البنتاغون الجمعة من الأسبوع الجاري نقل سربً من الطائرات المقاتلة إلى الشرق الأوسط وأساسا مقاتلات إف 22 وستبقي حاملة طائرات في المنطقة، وذلك في الوقت الذي أوفى فيه الرئيس جو بايدن بوعده بتعزيز الوجود العسكري الأمريكي للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل من هجمات محتملة من قبل إيران. كما أمر البنتاغون بإرسال طرادات ومدمرات إضافية قادرة على الدفاع الصاروخي الباليستي إلى منطقتي أوروبا والشرق الأوسط، كما أنه يتخذ خطوات لإرسال المزيد من أسلحة الدفاع الصاروخي الباليستي البرية إلى هناك. وكشف البنتاغون عن مضمون المكالمة التي جرت الجمعة من الأسبوع الجاري بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير دفاع الكيان غلانت حول هذا التعاون. ويبرز الموقع العسكري «إوسني نيوز» المتخصص في البحرية الأمريكية نوعية السفن الحربية الهائلة في البحر الأحمر وشرق المتوسط. هذه ليست المرة الأولى التي تقف فيها الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، غير أن الأمر يختلف هذه المرة بسبب التوقعات المرعبة لأي مواجهة مقبلة. وهكذا، فقد زودت واشنطن إسرائيل بعتاد حربي من القنابل والصواريخ يفوق تدريجيا ما أرسلته إلى الدول الأوروبية الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية قبل تدخلها، وسيكشف المستقبل كيف ساهمت القوات الخاصة الأمريكية في القتال إلى جانب إسرائيل. وكانت «نيويورك تايمز» قد تحدثت عن أكثر من 300 رحلة جوية لنقل الذخيرة الحربية خلال الشهور الأولى من النزاع. كما أنه لا يمكن فهم عدم تعرض إسرائيل لخسائر كبيرة فجر 14 نيسان/أبريل الماضي عندما قصفت إيران الكيان بـ 300 صاروخ وطائرة مسيرة دون الدور الفعال للفرقاطات الأوروبية والمدمرات الأمريكية في اعتراض هذه الصواريخ والمسيرات.
نحو تورط الناتو
هذه المرة الأمر يختلف ويتخذ أبعادا كبرى إلى مستوى المنعطف الحقيقي، أذ أن غالبية دول الغرب قد أرسلت سفنا حربية إلى منطقة الشرق الأوسط، سواء شرق البحر المتوسط أو البحر الأحمر، بما فيها الدول التي لديها موقف مشرف من القضية الفلسطينية مثل إسبانيا التي لديها فرقاطة في البحر الأحمر لمواجهة الحوثيين، وهذا يعني الدفاع عن إسرائيل بطريقة أو أخرى. وتبقى الولايات المتحدة على رأس هذه الدول بحكم أسطولها الحربي الكبير، وتتوفر الآن على حاملة طائرات وهي ثيودور روزفلت بـ 40 مقاتلة من صنف إف 18 وإف 35 ثم مدمرات على متنها مقاتلات وما يفوق 15 ألفا من قوات المارينز. ويضاف إلى هذا، القوات الأمريكية في مختلف القواعد العسكرية في الشرق الأوسط. ويكفي أن قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، الأدميرال براد كوبر، قد وصف خلال آذار/مارس، العمليات في المنطقة بأنها «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم». وبدورها، أرسلت الدول الغربية الأخرى عددا من السفن الحربية، ولا تعلن عنها بالكامل. وعلى ضوء هذا، لم يعد الأمر يتعلق بمبادرات دول للدفاع عن إسرائيل بل انخراط منظمة شمال الحلف الأطلسي (باستثناء تركيا) في الحرب ضد قطاع غزة وحزب الله والحوثيين وربما إيران إذا انفجرت الأوضاع بسبب مقتل اسماعيل هنية.
منذ تفجيرات 11 ايلول/سبتمبر الإرهابية، تبنى الحلف الأطلسي، وإن كان ليس بشكل صريح تصورا يسمح بامتداد عملياته إلى أبعد من الحدود الجغرافية للدول الأعضاء، تحت مبرر الحرب الاستباقية أو التدخل الاستباقي ضد الأخطار الكبيرة. ومن قمة إلى قمة لهذا الحلف، تبلور هذا التصور، ويجري تطبيقه عادة بشكل غير علني تحت مسميات مختلفة. ومن ضمن الأمثلة، إن تواجد السفن الحربية في البحر الأحمر وبحر العرب، هي عمليات للحلف الأطلسي، وإن كانت تحت مسميات أخرى مثل «حارس الرفاهية» و«أسبيديس».
ولهذا، إن من يدعم إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، ومواجهة حزب الله، ومواجهة الحوثيين، ومواجهة إيران في العمق هو الحلف الأطلسي.
يبدو مرعبا للجبناء، ولكني أراها فرصة سانحة لوضع حد لغطرسة هؤلاء وتفرق جمعهم وتشتيت شملهم وهذا من اختصاص الشعوب وليس الجيوش، فبطاريات الجيوش الروبوتية بأيدي هؤلاء.