برابرة عيد الأضحي!
صبحي حديدي برابرة عيد الأضحي!لا يمر عيد الأضحي، وكل عيد وأنتم بخير، إلا ويجد مسلمو فرنسا أنفسهم في قفص اتهام تنصبه لهم نجمة السينما الفرنسية السابقة بريجيت باردو، بتهمة واحدة دائمة: البربرية تجاه الخراف! صحيح أن الست ب. ب تبدل مفردات الخطاب هنا، او تعدل نبرة التأثيم هناك، إلا أن الجوهر يظل راسخاً ثابتاً تختصره روحية النص التالي: هؤلاء الناس يذبحون النساء والأطفال ورهباننا ومسؤولينا وسياحنا والخراف ! هنا يختلط البشر بالسائمة، ويستوي الذبح الشعائري للحيوان بالإزهاق الإرهابي لأرواح العباد! ذبح الخراف عمل بربري، وأما ذبح ديوك الحبش في عيد الشكر، أو ذبح الإوز في عيد رأس السنة الميلادية (بمئات الآلاف، ومن أجل استخلاص الكبد فقط!)، فإنهما في صلب الحضارة وروح المدنية. هذا علي مبدأ الشيء بالشيء يذكر، رغم السخف الموروث في محاججة من هذا النوع حول شعائر دينية أو احتفالية تمارسها البشرية لعشرات الأسباب ذات المحتوي الأنثروبولوجي في الأساس. وأما علي المستوي الثقافي فثمة ما هو أدهي وأجدر بالتأمل، وأعني اللحم البشري وليس لحم المواشي والدواجن.ففي مقالته الشهيرة المعنونة حول أكل اللحم البشري ، قارن الإنسي الفرنسي الكبير مونتين بين سلوك الأقوام الأمريكية الأصلية (الذين جرت تسميتهم، قسراً وبهتاناً، بـ الهنود الحمر )، وسلوك الأوروبيين، فاعتبر أن أكل البشر أحياء أشد بربرية من أكلهم أمواتاً. ورأي أن صنوف التعذيب التي مارسها الغزاة الإسبان بعد وصول كريستوفر كولومبوس إلي العالم الجديد كانت أشد قسوة ـ بما لا يُقاس، علي أي وجه ـ من سلوك الهندي الأحمر الذي يأكل اللحم البشري (إذا أكله) ليدفع غائلة الجوع، ليس أكثر.والأب الدومينيكاني بارتولومي دي لاس كاساس، اشهر القلة القليلة من الضمائر التي فضحت ممارسات الغزاة في تلك الحقبة، يروي أن الإسبان كانوا يلقون بجثث أطفال الهنود في الماء المغلي قائلين: إغلِ في الجحيم يا ابن الشيطان ! وروي أيضاً أن الهندي كان يُعلق علي مشانق واطئة بحيث تكاد قدماه تطآن الأرض، ثم تُوضع تحتهما عيدان خضراء مشتعلة، فيجري شيه بالمعني الحرفي للكلمة… علي نار هادئة! كذلك روي لاس كاساس أن الإسبان كانوا يقطعون أجساد الرجال والنساء والأطفال ويبيعونها طعاماً للكلاب، وكان هذا الإجراء ينطوي علي حكمة عسكرية هي تدريب الكلاب المقاتلة علي طعم اللحم الهندي!في الحقبة ذاتها، وفي قلب أوروبا هذه المرة، لم يكن أكل اللحم البشري ممارسة طارئة علي المجتمع. ففي عام 1572، وبعد مجزرة سان بارتولوميو الشهيرة (1572)، كانت أعضاء مبتورة من جثث الـ هوغنوت ، وهم البروتستانت الفرنسيون أتباع الكنيسة الإصلاحية الكالفينية، تُباع في أسواق باريس وليون بغرض الأكل. والمؤرخ الفرنسي الكبير فرناند بروديل (أحد أبرز مؤسسي مدرسة الحوليات ) يخبرنا أن أكل اللحم البشري كان عادة مألوفة في منطقة بورغوندي الفرنسية بسبب مجاعة 1662.وإذا كان ذبح الخراف في عيد الأضحي يتم لأسباب دينية أو شعائرية أو فولكلورية محضة عند المسلمين، فإن الباحثة الأمريكية كارولين ووكر بينوم Bynum جمعت أمثلة مدهشة علي عادة أكل الجسد الآدمي لأسباب طقسية في بعض التراث المسيحي. والترتيلة القديمة Sancti Uenite تقول: تعالوا يا أبناء الشعب المقدس وكلوا جسد المسيح، واشربوا الدم المقدس الذي يخلصكم. ها قد افتدانا المسيح بجسده ودمه، فلنأكله وندعو بالشكر . (مزيد من الأمثلة في كتاب بينوم العيد المقدس والأكل المقدس ، 1987 ـ منشورات جامعة بيركلي).وحين تتحدث بريجيت باردو عن هؤلاء الناس الذين يذبحون النساء والأطفال ورهباننا ومسؤولينا وسياحنا والخراف ، فلأنها تريد وضعهم في سلة أنثرو ـ عنصرية كبري ينبغي أن تتسع للإسلام بالمعني الثقافي الدوني، وللمسلمين بالمعني العنصري، وينبغي استطراداً أن تسمح باحتقار الثقافة الإسلامية الدنيا وأبنائها، تمهيداً لتمجيد الثقافة الأوروبية العليا وأبنائها. وفي واقع الأمر لا يختلف سلوك باردو في شيء عن مواقف الذين يمكن أن يأخذوا كامل الديانة المسيحية وكامل المسيحيين بجريرة طقس شعائري محدد ومحدود من النوع الذي أشارت إليه بينوم، فتُشتق علي أساسه صفات البربرية والإرهاب. ولهذا فإن باردو لم تكتف بالمواقف والتصريحات ونصب أقفاص الإتهام، بل أصدرت كذلك كتاباً بعنوان صرخة تكسر الصمت ، كانت عنصريته ضد المسلمين واضحة إلي درجة جعلت محكمة الجنح في باريس، بناء علي شكوي تقدمت بها مجموعة منظمات حقوقية، تدين باردو لأنها تقدم المسلمين باعتبارهم غزاة برابرة قساة مسؤولين عن الأعمال الإرهابية، يتطلعون للسيطرة علي الفرنسيين إلي حد الرغبة في إبادتهم . وهذا الحكم، الذي صدر في أواسط العام 2004، كان الرابع من نوعه منذ سنة 1997 حين شرعت باردو في مهاجمة مسلمي فرنسا بذريعة أن ذبح الخراف في عيد الأضحي هو تنكيل بربري بالحيوان. رغم هذه الأحكام فإن وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، وهو بحكم القانون وزير المعتقدات الدينية وعلي رأسها الإسلام طبعاً، لا يفوت فرصة إلا ويظهر فيها مع باردو ضاحكاً مبتسماً سعيداً. آخر لقاء بينهما جري بصفة استثنائية، بعد أن كان ساركوزي قد ألغي كل مواعيده بسبب الصداع الشديد. فأي رفق أعلي كعباً، والحال هذه: الرفق بحيوانات الست ب. ب ، أم الرفق بـ رعاع و حثالة و دهماء الضواحي الباريسية؟0