لندن ـ «القدس العربي»: تواصل أكثر من 50 منظمة وجمعية إسلامية في بريطانيا جهودها الرامية إلى مواجهة تنامي ظاهرة التخويف من الإسلام، بعد الهجمة التي نفذها اليمين المتطرف بداية شهر آب/أغسطس الماضي، فقامت هذه المنظمات بجهد جماعي عبر تشكيل «مجموعة العمل المناهضة للإسلامفوبيا» بتوجيه رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والحكومة الجديدة.
ومن بين المشاركين في هذا التحرك الدكتور أنس التكريتي – مدير مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات الذي أوضح لـ«القدس العربي أن الإحصائيات الصادرة عن مكتب عمدة لندن أو وزارة الداخلية وأجهزة الشرطة ومراكز دراسات متخصصة، كلها تؤكد ازدياد منسوب المعاداة والكراهية للإسلام والمسلمين أو ما نطلق عليه اسم الإسلامفوبيا، وأن تلك الزيادة تصاعدت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقا، وبلغت مستويات أعلى من ذلك في بعض المناطق مثل العاصمة لندن، ولذلك فنحن نتكلم عن حالة في غاية الخطورة، وارتفاع في منسوب الخطاب والسياسات اليمينية واليمينية المتطرفة، والتي تُظهر أن الوضع في بريطانيا مشابه لما هو عليه في دول أوروبية ازدادت فيها اليمينية المتطرفة كما ظهر في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي قبل بضعة أشهر.
موضحا: «نلحظ مسألة ليست طارئة أو خارجة عن السياق العام الذي يفيد بارتفاع منسوب العنصرية والفاشية والانعزالية، ويطرح بما في جعبته من مواقف ضد الإسلام والمسلمين بشكل شبه حصري، ويتمظهر ذلك من خلال المنظمات العنصرية واليمينية والأفراد العنصريين في بريطانيا الذين يلتمسون من الآخرين أن يقفوا معهم في صف واحد ضد المسلمين والمساجد والمظاهر الإسلامية».
وبشأن فحوى الرسالة التي تم توجيهها إلى الحكومة البريطانية ورئيسها كير ستارمر قال أنس التكريتي: «إن الرسالة تضمنت الدعوة إلى الاعتراف على مستوى السياسة الحكومية بأن الإسلامفوبيا جريمة يعاقب عليها القانون».
وعن النقاط الأخرى التي تضمنتها الرسالة أضاف: «تمت الدعوة لإجراء تحقيق قضائي يحدد الأسباب التي أوصلت بريطانيا – المعروفة بتنوعها وتعدد أعراقها وثقافاتها ومللها – إلى هذا المستوى من العداء الذي يشعر فيه الإنسان المهاجر بأنه مهدد».
وأشار إلى أنه «في اليوم الذي دعا فيه العنصريون إلى التظاهر في 7 أب/أغسطس الماضي، قامت كثير من المحلات بإغلاق أبوابها قبل حوالي ساعتين أو ثلاث، وكانت الشوارع خالية، وهذا دليل على أن الناس تخاف من العنصريين وهذا كان له أثر سلبي على الاقتصاد وطبيعة حرية حركة الناس وإمكانية أن يخرجوا من بيوتهم لتأمين حاجياتهم من الأسواق، وذهابهم إلى مواعيدهم الطبية وغيرها، وهذه مسألة تؤثر على المجتمع بشكل كامل وليس فقط على من يشعر بالتهديد».
وأضاف: «السؤال الذي طالبنا الحكومة بالإجابة عنه هو لماذا لا تحصل عملية تحقيق قضائي للنظر في الأسباب التي أدت إلى وصول العنصريين إلى ما وصلوا إليه، علما أنهم فازوا في الانتخابات البرلمانية بخمسة مقاعد ممثلين بحزب الإصلاح، وبالتالي فإن الأمر المتعلق بالعنصرية لم يعد نزوة من جانب شُلة تعيش على هامش المجتمع بل أصبح متواجدا في قلب العملية السياسية في بريطانيا، فكيف وصل الحال إلى ذلك ومن المتسبب به؟ وما هو دور الإعلام والشرطة والقضاء والحكومة والسياسيين، ومن يتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه في صعود هذا التيار الذي يشكل خطرا على الجميع؟
وأعرب التكريتي عن اعتقاده بأن يقوم العقلاء بالنظر في الأمر وأن يتحملوا مسؤوليته، وأن تتم محاسبة من كان مسؤولا عنه، ثم العودة إلى تصحيح المسار.
وعن المطلب الثالث الذي تقدمت به المنظمات والجمعيات الإسلامية إلى رئاسة الوزراء البريطانية فقال إنه «يتعلق بسياسة الحكومات المتعاقبة التي كانت تقول بأنها لن تتعامل مع الاتحادات الإسلامية الكبرى في البلد بسبب اختلافها أو انتقادها لسياسات تلك الحكومات على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فكانت تقوم هي بتعيين من ترى أنهم يمثلون المسلمين وتضع معهم الخطط وترسم السياسات التي تريد تطبيقها بدون الاستماع للمؤسسات الإسلامية الكبرى التي تمثل بشكل حقيقي غالبية المسلمين في بريطانيا والذين يشكلون ما بين 7 إلى 8 في المئة من مجموع الشعب البريطاني».
وأوضح التكريتي أن المطلب الواضح هو أن على الحكومة أن تهجر تلك السياسة الفاشلة والخطيرة، وأن تقوم بالتعامل مع المؤسسات والمنظمات التي تمثل المسلمين بشكل حقيقي وعلى رأسها «المجلس الإسلامي البريطاني» الذي يضم في عضويته المئات من المنظمات والمؤسسات والجمعيات والمراكز والمساجد وغيرها.
وأعاد التذكير أن حزب العمال كان يرفض التعامل مع هذا المجلس بسبب إدانته مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق، وإدانته السياسة البريطانية في فلسطين.
وبشأن ما يأمله المسلمون من تحركهم الذي شمل أيضا مؤتمرات صحافية واجتماعات واتصالات مع نواب في البرلمان، يضيف التكريتي: «أن المراد هو تغيير السياسة والتوجه العام للحكومة وهذ يستدعي منا أيضا القيام بعدد من الخطوات الأخرى بما فيها الضغط السياسي على المسؤولين والتواصل مع وسائل الإعلام وكتابة مقالات للتوعية وللدفع في ذات الاتجاه».
وأشار إلى حصول لقاء مع برلمانيين بريطانيين لكنهم «فضلّوا عدم الكشف عن أسمائهم نظرا لحساسية الأمر للأسف الشديد، لأن الذين يدفعون باتجاه تنامي الإسلامفوبيا ما زالوا أصحاب نفوذ وهيمنة وسيطرة، ولذا ينبغي العمل على كسر ذلك النفوذ».
وعن محاولة المتطرفين التصويب ضد المؤيدين للقضية الفلسطينية أوضح: «هناك من ربط بين هيجان اليمين المتطرف والحراك الشعبي العارم الذي شهدته بريطانيا نصرة لغزة، وهناك من قال إن العنصريين يتم تمويلهم وتنظيمهم وإدارتهم من جانب مؤسسات وشخصيات وجهات مرتبطة بإسرائيل والحركة الصهيونية، وهذا الأمر أثار الكثيرين ممن كانوا يتظاهرون نصرة لغزة بعدما كانوا يظنون سابقا أن اليمين المتطرف لا علاقة له بقضية الإسلامفوبيا، لذلك فإنه ومع ظهور حقيقة الأمور فإن المظاهرات العارمة التي خرجت في بريطانيا لتندد بالعنصرية وتدافع عن المسلمين كانت كلها ترفع الأعلام الفلسطينية وترتدي الكوفية الفلسطينية وتنادي بنصرة غزة، وتربط ربطا وثيقا بين اليمينيين المتطرفين وبين إسرائيل وجريمة الإبادة الجماعية بحق غزة وما تقوم به الحركة الصهيونية وهذا أمر لافت ولابد من التوقف عنده».
وختم أنس التكريتي بأن الجهود مستمرة على غير صعيد من خلال استثمار ما تم تنفيذه من خطوات مثل رسالة الخطاب إلى الحكومة والمؤتمرات الصحافية واللقاءات والاتصالات المباشرة مع شخصيات فاعلة وكتابة المقالات ووضع الدراسات، ونسعى أن تقوم بعض مراكز الدراسات باستضافة ندوات تشارك فيها أصوات مسلمة لمواجهة ظاهرة الإسلامفوبيا.
المنظمات ومراكز الدراسات وهذا السعي الدؤوب لرفع فرية تلحق بالدين الإسلامي الحنيف السمح جهد مبارك ويشي بوعي عال للمهجرين والمواطنين المسلمين في بلاد الغرب.. وهذا ما يليق بالدكتور انس فهو سباق في هذه الميادين الفاعلة التي تسعى لتكريس الفهم السليم لهذا الدين وليحقق العدل الذي تميع مع جهود الحركات الفاشية العنصرية التي تريد بالغرب ان يعود للعصور الوسطى ليغرق في دياجير الظلام من جديد بعد ان تحرر منها