بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة إلغاء احتفالات الميلاد في الضفة الغربية

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
1

للعام الثاني على التوالي، اختفت مظاهر الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية من مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وتدهور الأوضاع الأمنية في مختلف مناطق الضفة الغربية، حيث أعلنت كنائس القدس وبيت لحم إلغاء كافة الاحتفالات لهذا العام، والاكتفاء بأداء الصلوات والطقوس الدينية داخل الكنائس، فيما يخيم الحزن على وجوه المسيحيين الفلسطينيين، الذين يتعرضون لموجة حادة من العنف والقتل، ويحرمون من التمتع بالأعياد كغيرهم من مسيحيي العالم.
ونصبت شجرة الميلاد هذا العام في كل مكان من العالم، إلا مكانها الأصلي ساحة المهد وسط مدينة بيت لحم، حيث يضيء مسيحيو العالم شجرة الميلاد، بينما بقيت الاحتفالات في مدينة بيت لحم غائبة، حتى أن الزائرين من حول العالم لم يأتوا هذا العام لإضاءة الشجرة والاحتفال بالأعياد وإقامة الطقوس الدينية، وفي مقابل ذلك أبدى مسيحيون حول العالم تضامنهم مع فلسطين، التي تحرم للعام الثاني من الاحتفال بأعياد الميلاد.

مهد السيد المسيح

تعتبر مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح نقطة انطلاق أعياد الطوائف المسيحية، حيث يتوافد بالعادة المسيحيون من كافة بقاع الأرض لإضاءة شجرة الميلاد في ساحة كنيسة المهد إيذانا ببدء الاحتفال بالعام الميلادي المجيد، فيما تبدأ احتفالات الطوائف المسيحية التي تعتمد على التقويم الغربي بقداس 24/25 كانون الأول/ديسمبر، بينما تحتفل الطوائف التي تعتمد على التقويم الشرقي في 7 كانون الثاني/يناير، وبهذه المناسبة تقام الصلوات في كنيسة المهد، التي يعتقد أنها بنيت فوق المغارة التي ولد فيها سيدنا عيسى عليه السلام.
وتشكل أعياد الميلاد مناسبة موسمية من الناحية التجارية والاقتصادية، ويحرص التجار قبل دخول الأعياد على إنتاج المشغولات اليدوية، كما يخرج تجار إلى الصين ودول منتجة أخرى لجلب البضائع، حيث ينشط التجار خلال فترة الأعياد بعرض بضائع خاصة بالأعياد من ملابس وألعاب وتحف وهدايا، بالإضافة إلى نشاط مصانع المنحوتات الخشبية في مدينة بيت لحم والقدس، والتي تصنع من خشب الزيتون، حيث تزدهر هذه الأسواق على غرار باقي أسواق الضفة ببيع هذه المنتجات التي تشهد إقبالا كبيرا عليها من قبل السياح العرب والأجانب الذين يزورون المنطقة في هذا التوقيت من كل عام ويهتمون باقتناء تلك المنتجات.
وإلى جانب توقف حركة الشراء في الأسواق، وتأثر التجار وأصحاب المحلات من قرار إلغاء الاحتفالات، وعدم قدوم الزوار من الخارج إلى فلسطين، تأثرت في المقابل فنادق مدينة بيت لحم التي تعتمد على موسم أعياد الميلاد في دخلها المادي، حيث باتت فنادق المدينة خالية من النزلاء للعام الثاني على التوالي، بعدما كانت في مثل هذا الأيام من السنوات الماضية تعج بالزوار، ولا تكفي لاستيعاب الكم الكبير منهم حيث كانوا يذهبون إلى فنادق مجاورة للمدينة.

المنحوتات الخشبية

في سياق ذلك يقول عايد ترزي صاحب محل لبيع المنحوتات الخشبية في مدينة بيت لحم، «نواجه كتجار أزمة اقتصادية حادة إثر ضعف حركة السياح ووصولهم إلى مدينة بيت لحم منذ أشهر طويلة» حيث يتكدس محل التاجر ترزي بكميات من البضائع، ويصعب بيعها بعدما توقف قدوم السياح العام الماضي، وحتى هذا العام.
وأشار في حديثه لـ«القدس العربي» إلى أن موسم أعياد الميلاد يمثل بالنسبة لمئات التجار طوق نجاة من الناحية الاقتصادية، فغالبية محال مدينة بيت لحم تعتمد في تصريف بضاعتها على السياحة الوافدة إلى مدينة السلام، حيث يحرص السياح على شراء المنحوتات الخشبية والملابس وغير ذلك من البضائع. وبين أن أسواق المدينة لم تتعاف منذ أزمة فيروس كورونا، حيث ما أن بدأت أزمة كورونا تنتهي وتعود الحياة في المدينة لطبيعتها، إلا وبدأ الاحتلال شن عمليات عسكرية على مختلف مناطق الضفة الغربية، وصولا إلى شن حرب إبادة على غزة، وهذا التوتر الأمني حال دون إمكانية وصول السياح إلى الضفة الغربية خوفا على حياتهم.
أما التاجر كمال عياد فقد اضطر إلى إغلاق مصنعه الخاص بإنتاج منحوتات الخشب، بعد توقف حركة البيع، بسبب توقف السياحة الوافدة إلى الضفة الغربية، وبالأخص على مدينة بيت لحم والقدس خلال فترة الأعياد التي تنشط فيها الحركة التجارية داخل الأسواق.
ولفت في حديثه لـ «القدس العربي» إلى أن مدينة بيت لحم كان يوجد فيها أكثر من أربعين مصنعا خاصا بالمشغولات الخشبية التي تنتج مجسمات خاصة بأعياد الميلاد بالإضافة إلى مجسمات بأسماء وحيوانات وغير ذلك من الأشكال التي تنتج بطريقة حرفية وجميلة، لكن غالبية هذه المصانع توقفت عن العمل وسرحت عمالها بعد الكساد الحاد في حركة البيع، وهو ما انعكس سلبا على واقع التجار والعمال اقتصاديا.
ويأمل التاجر أن يعم السلام والأمن المنطقة، وأن تنتهي حرب الإبادة في غزة وتعود الحياة لمدينة بيت لحم، ويسمح أيضا لمسيحيي غزة بالوصول إلى الضفة الغربية ومشاركة أشقائهم في الأعياد والمناسبات الدينية، وهذا بالتأكيد يعيد نشاط التجارة للأسواق، كون أن مسيحيي غزة اعتادوا في كل عام على اقتناء منتجات أسواق مدينة بيت لحم من هدايا وتحف وغير ذلك من البضائع المميزة.

اليأس والحزن

وأعلنت بلدية بيت لحم إلغاء احتفالات أعياد الميلاد في المدينة، في ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، حيث تم إلغاء كافة احتفالات أعياد الميلاد من الشوارع وساحة المهد، مع اقتصار ذلك فقط على أداء الشعائر الدينية داخل كنيسة المهد وباقي الكنائس الموجودة في الضفة الغربية، ويأتي هذا الإلغاء تضامنا مع الأشقاء في قطاع غزة، حيث يتعرضون لأبشع مجازر الإبادة التي لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين.
وقال رئيس بلدية المدينة أنطون سلمان في تصريحات صحافية، إن مدينة السلام اعتادت في الأعوام الماضية على استقبال كافة سياح العالم واستضافتهم للاحتفال بأعياد الميلاد، وعلى مدار السنوات الماضية ظلت المدينة ترسل للعالم أن فلسطين بلد التسامح والإنسانية، لكن الاحتلال الإسرائيلي اعتاد في كل عام التضييق على المسيحيين خلال احتفالهم في المدينة، من خلال نصب الحواجز وتضييق حرية تنقلهم ووصولهم إلى مدينة بيت لحم.
وبين أن الأحداث الأمنية سببت حالة من اليأس والحزن على الأخوة المسيحيين، فهم ينتظرون تلك الأعياد في نهاية كل عام لمشاركة أقاربهم وأصدقائهم، خاصة الذين يأتون من قطاع غزة المحاصر لزيارة أقاربهم والاحتلال يضيق عليهم الخروج إلى الضفة الغربية ويفرض شروطا على حركة تنقلهم.
وأشار إلى أن المدينة شهدت منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة توقف حركة السياحة وأغلقت أبوابها أمام الحجاج حيث جفت الموارد وانتشرت الحواجز الإسرائيلية على كافة مداخل المدينة وبدأ الاحتلال فرض قيود مشددة وهذه القيود فاقمت الأزمة الاقتصادية وتأثرت حركة التجارة في الأسواق.
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه المستعرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، حيث لا يفرق بين المسلمين والمسيحيين، ويتعمد تدمير الكنائس وقتل المسيحيين، وهذا ما جرى في أشهر الحرب الأولى، عندما قصف الجيش كنيسة الروم الأرثوذوكس وسط مدينة غزة، وقتل على إثر ذلك عدد من المسيحيين النازحين داخل الكنيسة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ملاحظ:

    تضامن كبير من دولة شقيقة

اشترك في قائمتنا البريدية