بعد أفول “الهلال الشيعي”… هل تتحول تركيا إلى “اللاعب الجديد” في الشرق الأوسط؟

حجم الخط
0

أيال زيسر

لم توفر إيران طوال العقود الأخيرة أي جهد للمضي “بمشروعها العلم” في منطقتنا: تثبيت السيطرة في الهلال الخصيب، المجال الذي يمتد من العراق عبر سوريا وانتهاء بلبنان وغزة. وكلاؤها في هذا المجال، حزب الله وحماس، سعوا بإلهامها لإحاطة إسرائيل بطوق نار وخنقها في الطريق إلى إبادتها.

إن سقوط نظام الأسد في سوريا قضى على المشروع الإيراني ودفع إيران إلى التراجع.

 لكن كل مكان وفراغ سارعت إيران لملئه ستملأه تركيا اردوغان. هذا الأخير وقف خلف أبو محمد الجولاني، الحاكم الجديد لسوريا، ومول وسلح جيشه وأعطاه الضوء الأخضر للهجوم ولإسقاط النظام في دمشق.

سقوط نظام الأسد في سوريا قضى على المشروع الإيراني ودفع إيران إلى التراجع

مغامرة اردوغان في سوريا استهدفت تقويض الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا، الذي يثير مشاعر قومية كردية في أوساط الأقلية الكردية الكبيرة التي تعيش في تركيا، وللتخلص من ملايين اللاجئين السوريين الذين فروا إلى تركيا وأصبحوا عبئاً اقتصادياً وسياسياً عليها.

كما يسعى اردوغان لسحب أقدام إيران الشيعية من المنطقة، فبين الدولتين خصومة دينية وسياسية ومنافسة على السيطرة في منطقتنا.

هل سيتمكن اردوغان من السيطرة على سوريا؟ ليس مؤكداً. صحيح أن الجولاني استعان به، ولكنه قد لا يرغب بأن يكون مرعياً أو حتى “عميلاً” لاردوغان. فضلاً عن ذلك، ليس لتركيا المقدرات الاقتصادية والعسكرية كي تصبح رب البيت في سوريا.

لكن سوريا جزء من الصورة الكبرى. فمثل آية الله في إيران، لاردوغان تطلعات كبرى – لاستعادة المجد الماضي، إلى عهد الإمبراطورية العثمانية التي سيطرت على مجال الشرق الأوسط كله. وتجدر الإشارة إلى أن تزمتاً إسلامياً متبلاً بكراهية إسرائيل، هي النسغ الذي بواسطته يسعى لربط أجزاء اللوحة الفسيفسائية الشرق أوسطية ويضمن سيطرته عليها.

من المضحك أن أياماً من القرن الماضي تباركت فيها إسرائيل بصداقة تركيا وإيران، الدولتين المعتدلتين والمؤيدتين للغرب اللتين كافحتا محاولات رجال دين متطرفين لفرض حكم الدين فيهما. غير أن إيران في العام 1979 سقطت في أيدي آيات الله، الذين جعلوها جمهورية إسلامية متطرفة. في الأشهر الأخيرة، تكبدت إيران فشلاً إثر فشل في غزة ولبنان وسوريا، وهذه تنضم إلى فشل متواصل في الداخل في كل ما يتعلق بإدارة شؤون الدولة والاقتصاد. هذا الفشل المتراكم يثير نقداً حاداً في الشارع الإيراني الذي يخيل أنه مل حكامه، وثمة تقدير بأن سقوط هؤلاء محتم حتى لو استغرق أشهراً عديدة أو حتى سنوات.

في الوقت الذي بدأت فيه في إيران العد التنازلي إلى الوراء نحو سقوط حكم آية الله، تتحرك تركيا بالاتجاه المعاكس وتأخذ بالتلون بالإسلام. ولاحظ المستشرق الأعظم في عصرنا برنارد لويس، قبل سنوات، بأنه لن يبعد ذلك اليوم الذي “تصبح فيه إيران تركيا وتركيا إيران”. بمعنى أن الأولى ستصبح دولة معتدلة، فيما تصبح الثانية جمهورية إسلامية متطرفة وضعيفة.

من السابق لأوانه أن نقدر ما إذا كانت تركيا ستنجح في تحقيق أحلامها الكبرى في سوريا والشرق الأوسط كله. وقبل ذلك – هل سينجح الجولاني في تثبيت حكمه في سوريا وجعلها دولة إسلامية.

الواضح هو أن صعود الجولاني إلى العظمة في دمشق برعاية تركيا يسبب توتراً للعديد من الدول العربية وعلى رأسها الأردن. ففي الوقت الذي تخشى فيه إسرائيل من انتقال الإرهاب من سوريا إلى أراضيها، فالأردن يخشى من انتقال الأفكار الثورية للإسلام المتطرف إلى المجتمع الأردني المصاب على أي حال بمشاعر إسلامية.

إسرائيل ومعها الأردن، لكن مصر ودول الخليج أيضاً، كلها تقف متحفزة بل وتفحص سبل التعاون مع وجه التحدي الجديد على حدودها. وهذا التحدي لا شيء بالنسبة للتهديد الذي كان ولا يزال تشكله إيران، وهذا أيضاً ما ينبغي أن نتذكره.

 إسرائيل اليوم 22/12/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية